رفض حلف شمال الاطلسي كل وساطة سياسية قد تنتقص من حصيلة المفاوضات التي جرت تحت اشراف لجنة الاتصال الدولية قبل اسابيع في رامبوييه وباريس. واستبق الحلف بذلك نتائج المساعي التي بدأتها روسيا لايجاد مخرج سياسي للازمة. وقال الناطق الرسمي باسم الحلف جيمي شيا امس الاثنين انه "يطالب بوقف اعمال الإبادة التي تنفذها القوات الصربية وانسحابها فوراً وتوقيع الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان مليوشيفيتش على اتفاق رامبوييه شرطاً مسبقاً" لوقف حملة القصف ضد يوغوسلافيا. واضاف أن "كل مبادرة لا تلبي هذه الشروط، ستكون معدومة الفائدة". وكان الامين العام للحلف خافيير سولانا اكثر ديبلوماسية اذ اعتبر أن امام رئيس الوزراء الروسي يفغيني بريماكوف "مهمة كبيرة تتمثل في محاولته اقناع الرئيس مليوشيفيتش". واضاف : "سأكون سعيداً اذا وفق" بريماكوف. وبحث سولانا مع المفوضية الاوروبية لشؤون اللاجئين ايما بونينو امكانات تنسيق اعمال الاغاثة التي يحتاجها اللاجئون. وقالت بونينو أن ما يجري في المنطقة "هو الوجه الآخر لمأساة طويلة بدأت منذ اعوام واتسعت في الفترة الاخيرة في غياب المراقبين والدوليين وعدسات المصورين". وشردت القوات الصربية 400 ألف، داخل اقليم كوسوفو، منذ اندلاع الحرب. وستقوم بونينو بزيارة البانياومقدونيا بين يومي الاربعاء والجمعة، لمعاينة الوضع وتقدير حاجات اللاجئين. وقدرت اعدادهم بين 80 و100 الف في البانيا وعشرات الآلاف توافدوا في الفترة الاخيرة على مقدونيا و4 آلاف في البوسنة والهرسك و5 آلاف في جمهورية الجبل الأسود. العمليات وعلى صعيد آخر، اكد الناطق العسكري باسم الاطلسي العميد ديفيد ويلبي أن المقاتلات الاطلسية دخلت مرحلة القصف المكثف ضد مواقع القوات والاسلحة الثقيلة الصربية داخل اقليم كوسوفو. وتواصل من ناحية ثانية استهداف انظمة الدفاعات الجوية. واصابت عمليات الحلف منذ يوم الاثنين محطة صواريخ "سام - 3"، فيما تركز القصف المكثف على اهداف القوات العسكرية وقوات الامن الصربية داخل اقليم كوسوفو وفي جنوب صربيا وذلك في نطاق تنفيذ "المرحلة الثانية" من الحملة التي انطلقت الاربعاء الماضي. وقال الناطق العسكري أن القوات الصربية تستخدم المروحيات والميليشيات العسكرية لقصف القرى وتشريد السكان. وكانت مصادر الحلف اكدت أن القوات الصربية افرجت عن سجناء الحق العام وعبأتهم في صفوف الميليشيات لترويع السكان. ويرفع المتطرفون الصرب ملصقات فوق جدران العاصمة بريشتينا يطالبون السكان الألبان بالفرار او اخلاء المدينة "هرباً من الموت الذي ينتظرهم" على ايدي الميليشيات. وذكر العميد ديفيد ويلبي أن القوات الصربية اعدمت الاثنين الماضي فهمي آغاني، مستشار الزعيم الألباني ابراهيم روغوفا بعدما كانت اغتالت عدداً من القياديين الذين يصنفون ضمن انصار الحل السلمي. وكان فهمي آغاني شارك في تشييع جثمان المحامي الديموقراطي بيرم كلمندي الذي اغتالته القوات الصربية مع اثنين من ابنائه وكذلك مستشار الزعيم الألباني لشؤون الصحة الدكتور علوش غاسي. ووزعت قيادة الحلفاء خرائط تتضمن مواقع المجازر الجماعية التي نفذتها القوات الصربية في عشر قرى في شمال اقليم كوسوفو وجنوبه واحرقت تسع قرى في الوسط الغربي من الاقليم. ويرفض الحلف حتى الآن خيار نشر قوات برية وفتح المواجهة في الميدان مع القوات الصربية لتخفيف معاناة السكان المدنيين. مهمات خطرة واجمع المراقبون على أن عمليات القصف المكثف التي بدأتها مقاتلات الحلف ضد القوات الصربية في الاقليم "تمثل عملية معقدة ومحفوفة بالمخاطر بالنسبة لطياري الحلف من دون ان تضمن نتائج مهمة وحاسمة بالنسبة للسكان المدنيين". وتقتضي عمليات القصف المكثف استخدام عدد كبير من المقاتلات والتحليق على علو منخفض وخفض سرعتها لاصابة الاهداف العسكرية المتحركة، الامر الذي سيعرض الطيارين للخطر الذي سيتضاعف اذا تمكنت القوات الصربية من اطلاق صواريخها التي يعتقد انها لا تزال تحتفظ بها. وتوقع مصدر كبير في الحلف ان عمليات قصف الاهداف الصربية في اقليم كوسوفو "قد تمتد اسابيع قبل اضطرار الحلف لنشر القوات البرية". ويستند حلف شمال الاطلسي في تقدير اعداد المشردين الى تقرير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين الذين بلغ عددهم في الاسابيع الاخيرة ، 280 ألف شخص. وتنهب القوات الصربية ممتلكات ومدخرات اللاجئين الذين يدفعون علاوات مرتفعة اكثر من الف مارك الماني لمغادرة الاقليم. ووصف الناطق الرسمي باسم الحلف الدكتور جيمي شيا اعمال القوات الصربية بأنها "عمليات تطهير عرقي" قام بها ميلوشيفيتش من اجل خلق "واقع سياسي جديد" يستبق نهاية الحرب الجارية. وقال جيمي شيا أن ما يجري اليوم على ايدي القوات الصربية "يمثل المرحلة النهائية من حملة التطهير التي وسعتها القوات الصربية خلال اسابيع مفاوضات السلام في رامبوييه". واضاف أن الرئيس ميلوشيفيتش "يواصل السياسة نفسها التي كان رعاها خلال اعوام الحرب في كرواتيا والبوسنة والهرسك". وييدي الحلف قناعته بأن الرئيس اليوغوسلافي "لا يفهم سوى منطق القوة العسكرية الملازمة للحزم الديبلوماسي" مثلما دلّت نهاية الحرب في البوسنة والهرسك.