ثمة تطور مهم في الجدل القائم حول ما اذا كان على الرئيس ياسر عرفات اعلان استقلال دولة فلسطين. فالمجلس التشريعي الفلسطيني، الذي حضرت اجتماعه الاول في غزة، دعا الرئيس الى العدول عن خططه لإعلان قيام الدولة في الرابع من أيار مايو والبدء، عوض ذلك، بإعداد دويلة عبر اجراء تعديلات دستورية. وبصفتي عضو سابق في مجلس العموم البريطاني لثلاثة وعشرين عاماً، ليس مفاجئاً ان اجد نفسي مرة جديدة الى جانب المجلس التشريعي وليس الرئيس، اذ يغلب على تجربتي الاقرار بأن المجالس المنتخبة، وبمعزل عن هوية البلد، تكون غالباً اكثر صوابية من الرؤساء او رؤساء الحكومات، خصوصاً متى عارض ثمانون في المئة من الاعضاء اعلان الاستقلال من جانب واحد، كما هي حال المجلس التشريعي الفلسطيني. ويعرض المجلس التشريعي، في جانب من المسألة، حججاً داخلية، فيعتبر ان فلسطين غير مستعدة بعد للاستقلال. وبحسب مقال في صحيفة "فايننشال تايمز"، نشر في الاول من شباط فبراير الماضي، "تحدث اولئك المشتركين في النقاش الدائر عن وجوب اجراء اصلاحات اولاً لوضع اسس قيام الدولة الوليد. فليس ثمة قانوناً اساسياً او دستوراً يمكنهما، في موازاة امور اخرى، الحد من السلطات الممنوحة للسيد عرفات. وليس ثمة فصل في السلطات بين السلطتين الاجرائية والتشريعية، ولا قضاء مستقل ولا رقابة وضبط للقوى الامنية في سوء استخدامها السلطة". يتوجب علينا جميعاً الاقرار الآن بأن اعلان قيام الدولة يوم الرابع من أيار خطوة غير حكيمة، ذلك ان الانتخابات الاسرائيلية ستجري يوم السابع عشر منه. لا شك ان مغزى يوم الرابع من أيار في كونه المهلة الاخيرة المحددة لانتهاء مفاوضات الوضع النهائي في محادثات السلام مع اسرائيل، في الوقت الذي لم يحدد اتفاق أوسلو المهلة الادنى للتوصل الى اتفاق، بل المهلة الاقصى فحسب، وسيشجع اعلان مماثل قبل 13 يوماً فقط من موعد الانتخابات الاسرائيلية، ليس فقط الحكومة الحالية في اسرائيل، بل كذلك الاحزاب المعارضة، في سعيها الى استخدام الاعلان لمصلحتها. وتتمحور الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو حول كونه اكثر تشدداً مع الفلسطينيين المغلوب على امرهم من معارضيه. وتخشى أوروبا - وأجرؤ على تسمية الولاياتالمتحدة - ان تتخذ اسرائيل من اعلان الدولة ذريعة للتوقف عن تسليم المزيد من الاراضي. فالترقيع القائم والمحزن في اقتطاع المدن والبلدات المقسّمة بالطرق الفرعية التي يستخدمها المستوطنون الاسرائيليون - وهو ما اوصل اليه اتفاق أوسلو حتى الآن - لا يُنبئ البتة بوجود اسس كافية لقيام دولة ناجحة. وأذهب أبعد من ذلك. فليس لدي ادنى شك في ان رئيس الوزراء نتانياهو سيرد بعنف وخبث على اعلان الاستقلال، وسيشاع في العالم ان هذا الاعلان يشكل خطراً جدياً هو الاكبر على اسرائيل. وسيتفرج العالم على احتلال القوات الاسرائيلية مجدداً تلك المناطق الصغيرة في الضفة الغربية التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية حالياً. كما سيقوم الاسرائيليون بحماقات اضافية لا مناص من ان يرد الفلسطينيون عليها بعنف. يبدو الرئيس ياسر عرفات غير متحمس للقيام باستفتاء عام حول الاستقلال، كما توحي عمليات جسّ نبض خاصة بأن وزارة الخارجية البريطانية غير متحمسة كذلك ولا ترغب في التورط بمسائل مشابهة. أنا ادعم بقوة الاخذ بالرأي العام الفلسطيني في شكل ما، لما في ذلك من تعزيز لسلطة الرئيس عرفات على المستوى العالمي. ترى، من لديه ادنى شك في ان غالبية واسعة من الفلسطينيين ستعلن تأييدها اعلان الاستقلال في الوقت المناسب؟ والشكل المناسب للسؤال الذي سيطرح في الاستفتاء سيترك لاختيار الرئيس عرفات. وربما يدعو السؤال الى اعلان الاستقلال في الاول من كانون الثاني يناير العام 2000. الديموقراطية الفلسطينية ورقة تجنّب بقوة الرئيس عرفات ان يلعبها، غير انها احدى افضل اوراقه. فهي تشكل تحدياً مباشراً للادعاء الاسرائيلي بأنها الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، وبأن اسرائيل هي الواحة الديموقراطية في محيط لا يؤمَنُ له من الانظمة الديكتاتورية. لأسباب وافية، والتاريخ احدها، يميل الفلسطينيون الى الديموقراطية ولا يرغبون بالعيش في كنف نظام ادنى مرتبة من ذاك في اسرائيل. ونبّه المعترضون على الاستفتاء الى انه سيوجد شرخاً اكبر بين فلسطينييالضفة الغربيةوغزة وأولئك الذين يقطنون مناطق اخرى. يستحيل حقاً استيعابهم جميعاً ادارياً، غير ان هذه الحجة يجب الا تستخدم لإجهاض الاستفتاء. النقاش الساخن الدائر حالياً حول توقيت وكيفية احتمال اعلان الرئيس عرفات استقلال دولة فلسطين يجب الا يحجب عنا مبدأ جوهرياً يجب ألا يُجازف به. فحسب شرعة الاممالمتحدة التي تعتمدها الدول الاعضاء كافة، بما فيها اسرائيل، يتمتع الفلسطينيون بحق تقرير المصير. والامر ليس خياراً قد تمنحه الجمعية العامة في عدد من الحالات المحددة بعناية. على العكس من ذلك، تقوم الاممالمتحدة على حق الشعوب في اختيار حكامها. * سياسي بريطاني، نائب سابق من المحافظين.