مرت خمس سنوات ونيف منذ تم التوقيع على اتفاق أوسلو، ويقترب الآن تسارع الموعد الزمني الذي يحدده الاتفاق لنهاية المرحلة الانتقالية في الرابع من أيار مايو 1999. وعبر أكثر من خمس سنوات من التفاوض والتطبيق، والتفاوض على سبل التطبيق، انتهت مسيرة أوسلو الى استعصاء مستحكم، وهو ما توقعه البعض لها منذ البداية. بات واضحاً الآن ان هذه العملية، بمرتكزاتها العرجاء وتناقضاتها الداخلية، ليست هي السبيل الى إرساء السلام والاستقرار في المنطقة، وليست هي الممر الى نيل الحقوق الوطنية لشعبنا، ان حصيلتها سلبية على كل صعيد: فالاستيطان لم يتوقف بل تسارع تسارعاً محموماً. ووتيرة نهب الأرض تضاعفت. وعملية تهويد القدس بلغت مستوى التطهير العرقي المنهجي. والوضع الأمني لشعبنا ازداد تدهوراً، وتفاقمت الى حد مفزع العقوبات الجماعية التي يفرضها الاحتلال من اغلاق وحصار وتنكيل واعتقالات ادارية وحرمان من حقوق العمل والسفر والتنقل. اما الوعود بإنهاء المعاناة الاقتصادية فتبخرت: انخفض معدل الدخل الفردي الى النصف، وارتفعت البطالة الى أرقام فلكية. والحلم الوردي لسنغافورة المتوسط تحول الى كابوس يثقل على صدور المواطنين. ليس ثمة في الأفق ما يشير الى امكان ايجاد مخرج جدي من الاستعصاء الذي انتهت اليه عملية اوسلو. فالمفاوضات الجارية الآن على اساس المبادرة الاميركية، حتى لو نجحت في التوصل الى اتفاق لحل بعض القضايا العالقة للمرحلة الانتقالية، ربما تحقق انفراجاً موقتاً، لكنها لأسباب سوف نتناولها لاحقاً لن تنجح في الافراج عن المأزق المستعصي، بل سوف تنتقل به الى مستوى جديد اكثر تعقيداً وصعوبة. وفي كل الحالات فإن الأكثر تفاؤلاً بيننا لا يتوقع ان يكون ثمة امكانات للتوصل الى اتفاق على قضايا الوضع الدائم مع حكومة نتانياهو خلال الفترة الزمنية المتبقية حتى الموعد المفترض لنهاية المرحلة الانتقالية في 4/5/1999. هذا يطرح السؤال: ماذا بعد 4/5/1999، ما هي الخيارات المتاحة لمواجهة هذا الاستحقاق الخطير؟ هذا السؤال مطروح على شعبنا بكل قواه السياسية، انه مطروح بالتأكيد، على السلطة التي اختارت طريق اوسلو وتتحمل مسؤولية نتائجه. لكنه مطروح ايضاً على قوى المعارضة التي ليس بوسعها، اذا كان لها ان تتصرف من موقع المسؤولية الوطنية، ان تدير ظهرها لهذا الاستحقاق أو ان تعالجه بمنطق ان على اصحاب اوسلو ان يقلعوا شوكهم بأيديهم، فأشواك أوسلو، للأسف، تدمي أقدام شعبنا بأسره. إن خطورة هذا الاستحقاق تنبثق من حقيقة ان أي تمديد للمرحلة الانتقالية، سواء تم ذلك بالاتفاق بين الطرفين أو بفعل الأمر الواقع، ينطوي على خطر تحويل الحل الانتقالي القائم على الحكم الذاتي الى حل نهائي. ان التمديد يعني، بالضرورة، التسليم - ضمناً أو صراحة - بأن الترتيبات الانتقالية التي ينص عليه اتفاق اوسلو، ويحدد مداها الزمني بخمس سنوات، ستبقى قائمة، بكل ما تنطوي عليه من قيود وشروط مجحفة، الى ان يتم التوصل عبر المفاوضات الى اتفاق في شأن قضايا الوضع الدائم. وبهذا التسليم يصبح بإمكان اسرائيل ان تماطل بالمفاوضات الى أمد غير محدد وان تحافظ هكذا على ترتيبات الحكم الذاتي، المفترض ان تكون انتقالية، لتحولها بالأمر الواقع الى ترتيبات دائمة. المخاطر التي ينطوي عليها خيار التمديد تملي التأكيد على ضرورة التمسك بأن موعد 4/5/1999 ينبغي ان يكون موعداً مقدساً، خلافاً لسائر لمواعيد التي تضمنها الجدول الزمني لتطبيق الاتفاق. وهذا يطرح ضرورة بلورة الخيار الوطني الفلسطيني البديل لخيار التمديد والرضوخ للأمر الواقع. ولا بد لهذا الخيار ان يستند الى تجاوز الانقسام الناجم عن اتفاقات اوسلو واعادة بناء الاجماع الوطني وتفعيل الحركة الجماهيرية لمواجهة الأمر الواقع التوسعي الاسرائيلي المفروض بالقوة والعنف وسطوة الاحتلال، بأمر واقع فلسطيني يستند الى الحق المدعم بالشرعية الدولية وبقوة النضال الجماهيري. ان المخرج الحقيقي من المأزق الراهن هو الافلات من دوامة اوسلو وتجاوز اشتراطاته المجحفة والتحرر من قيوده واملاءاته. ما الذي يعنيه هذا في الممارسة العملية؟ ان رفض خيار التمديد للمرحلة الانتقالية، في غياب امكانية اتفاق على الوضع الدائم، يضعنا أمام خيار وحيد هو اعلان سيادة دولة فلسطين على الأراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967، أي الضفة الفلسطينية - بما فيها القدس - وقطاع غزة حتى حدود 4 حزيران يونيو 1967، وهي الأراضي التي يعترف المجتمع الدولي، بموجب عدد من قرارات مجلس الأمن التي صدرت بالاجماع بعد عام 1987، بأنها أرض فلسطينية ومحتلة. لنلاحظ هنا اننا نتحدث عن اعلان سيادة وليس عن اعلان دولة. فالدولة أعلنت في 15/11/1988. ومذ ذلك الحين اعترفت بها أكثر من مئة دولة، وأخذت الاممالمتحدة رسمياً علماً بهذا الاعلان بموجب عدد من قرارات الجمعية العامة آخرها القرار الذي اتخذ قبل اسابيع برفع مكانة بعثة فلسطين والذي صوتت الى جانبه غالبية ساحقة من الدول، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، ولم تعارضه سوى أربع دول من بينها اسرائيل والولايات المتحدة. ثمة خطر من تكرار الحديث عن اعلان الدولة مجدداً، فهذا قد يطرح ضرورة تحديد الاعتراف الدولي بها، وهذا ما لسنا بحاجة اليه. ما نحن بصدده، اذن، هو اعلان سيادة الدولة دولة فلسطين التي أعلنها المجلس الوطني في 15/11/1988 على الأرض المعترف دولياً بهويتها الفلسطينة. ذلك ما فعلته، على سبيل المثال، روسيا الاتحادية عندما قررت تفكيك الاتحاد السوفياتي. فهي لم تصدر إعلاناً بالاستقلال أو بقيام دولة روسيا الاتحادية، بل هي أصدرت ما عرف "بإعلان السيادة" الذي اعلنت بموجبه استعادة سيادتها التي كانت فوضتها في السابق الى سلطات الاتحاد السوفياتي، وثمة اسانيد قانونية تؤكد أن اعلان السيادة من جانبنا سيكون بمثابة "استعادة للسيادة" التي لم نفرضها على أحد بل عطلتها ظروف قاهرة خارجية عن ارادة شعبنا. خطوة اعلان سيادة دولة فلسطين تنطوي بلا شك على محاذير عديدة. والبعض يعتقد ان من بين أبرز هذه المحاذير ان يكون هذا الاعلان مدخلاً للتكيف مع واقع الاحتلال، من خلال تحويل الدولة الى طربوش يركب على واقع هو أقرب الى الحكم الذاتي، أو من خلال قبول اسرائيل بدولة في غزة مقابل بقاء الاحتلال، أو فرض التقاسم الوظيفي، في الضفة. ولكن، لماذا تصمت اسرائيل طوعاً على دولة في غزة - ناهيك عن ان تعترف بها - ما لم يكن ثمن ذلك اتفاق رسمي على الوضع الدائم يسلم فيه الجانب الفلسطيني بمطامعها التوسعية في القدس وسائر الضفة! اسرائيل لا يمكن ان تكتفي باتفاق ضمني على مثل هذه الصفقة، فهذا يعني انها تقدم تنازلاً مجانياً بالاعتراف بدولة غزة، أو الصمت على قيامها، بينما يبقى الباب مفتوحاً لتجدد الصراع على مكانة القدس وسائر الضفة. لذلك فإن الأرجح ان تصر اسرائيل على اتفاق سلام نهائي يسلم فيه الجانب الفلسطيني رسمياً بالتنازل عن القدس وبالتقاسم الوظيفي في الضفة، ثمناً للقبول الاسرائيلي بدولة غزة، والسؤال الآن: هل يمكن للطرف الفلسطيني المفاوض، ضمن التكوين القيادي الراهن لمنظمة التحرير وموازين القوى داخلها، ان يقبل بمثل هذه الصفقة بما انطوى عليه من تنازل رسمي معلن عن القدس وعن السيادة على الضفة؟ إذا افترضنا ان هذا ممكن فإن المحذور في هذه الحالة لا ينبع من خطوة اعلان سيادة الدولة بحد ذاتها، بل من الاستعداد للقبول بما هو أقل من السيادة الكاملة على القدس وسائر الضفة حتى حدود 4 حزيران 1967. وعلى هذا الاستعداد للتنازل يجب ان تنصب المعارضة والرفض، وليس على إعلان السيادة كخطوة قائمة بذاتها خصوصاً اذا تضمن هذا الاعلان تحديداً واضحاً للارض التي تطالب الدولة الوليدة بالسيادة عليها، حتى تشمل هذه الأرض كل المناطق الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل بعدوان حزيران بما فيها القدس. وفي هذه الحالة فإن علينا ان نبرز ان أي استعداد لقبول صفقة "دولة في غزة مقابل تقاسم وظيفي في الضفة" هو تنازل خطير عن اعلان السيادة وليس تطبيقاً له، هو تفريط يتناقض مع اعلان السيادة الذي ندعو له وليس نتيجة طبيعية لهذا الاعلان. أما التخوف من ان تكون الدولة طربوشاً يتستر على واقع الحكم الذاتي، فهو يهمل المغزى السياسي لإعلان السيادة. ان مجرد صدور هذا الاعلان يعني ان الطرف الذي أصدره، أو شارك في اصداره، يعلن انه لم يعد ملزماً بأية قيود أو تعهدات أو التزامات تنتقص من هذه السيادة، بما في ذلك القيود والالتزامات المجحفة التي تفرضها الاتفاقات على سلطة الحكم الذاتي. ان اعلان السيادة هو، بالضرورة، إعلان عن التحرر من الالتزام بهذه القيود والتعهدات بقدر ما هي تنتقص من سيادة الدولة على أراضيها. هذه القيود قد تبقى على أرض الواقع بفعل سيطرة اسرائيل على المعابر والحدود والطرق والأجواء والمياه ومساحات مهمة من الأرض، ولكن ثمة فارق جوهري. ففي ظل اتفاق الحكم الذاتي فإن الجانب الفلسطيني يرتضي هذه القيود والالتزامات ويوافق عليها ويتعهد باحترامها، وبالتالي يضفي عليها شرعية معينة، ولو لفترة موقتة. اما في حال اعلان السيادة فإن بقاء سيطرة الاحتلال، وما تفرضه من استلاب للسيادة بالقوة، يفقد شرعيته ويعود الى وضعه الطبيعي كقوة احتلال غريبة قائمة بالأمر الواقع على أرض دولة ذات سيادة. ثمة بلا شك فارق كبير بين اعلان السيادة، وبين ممارسة السيادة الحقيقية على الأرض. ولكن اعلان السيادة هو اعلان للعزم على استئناف الكفاح من اجل جلاء المحتلين والمستوطنين بما يمكن الدولة الوليدة من ممارسة سيادتها على أرضها فعلاً. إن إدراك هذا المغزى السياسي لاعلان السيادة يجيب عن التساؤل الذي يردده البعض احياناً، التساؤل القائل: ما هو الجديد في الأمر، فنحن أعلنا عن الدولة في 1988، فما الجديد الذي سيحصل اذا كررنا هذا الاعلان في أيار 1999؟ اذا دققنا في الأمر جيداً، سنجد ان ثمة بالتأكيد شيئاً جديداً. صحيح اننا أعلنا عن دولة في 1988. ولكن بعد هذا الاعلان جاء ابرام اتفاق اوسلو. واتفاق اوسلو هو في الواقع تعليق لمفعول إعلان الاستقلال بقدر ما يتعلق الأمر بسريانه على أرض الضفة وغزة. بموجب اتفاق اوسلو ارتضت منظمة التحرير أو بالأحرى قيادتها الرسمية ان يكون وجودها على الأرض الفلسطينية، خلال المرحلة الانتقالية على الأقل، بصيغة سلطة حكم ذاتي لا بصيغة دولة مستقلة. وبموجب اتفاق اوسلو أصبحت الأراضي التي استولت عليها اسرائيل بعدوان حزيران 1967، أو جزء رئيسي منها على الأقل، أرضاً متنازعاً عليها يتقرر مصيرها بالمفاوضات بين الطرفين، لا أرضاً محتلة. إن اعلان السيادة يعني ان منظمة التحرير الفلسطينية - في غياب امكانات التوصل الى حل دائم بنهاية المرحلة الانتقالية - تعلن انها باتت في حل من هذا الالتزام. وهي بذلك تنهي تعليق مفعول اعلان الاستقلال وتعود لاعتباره سارياً على أرض الضفة، بما فيها القدس، وقطاع غزة، بما يعني ان هذه الارض تستعيد مكانتها كأرض محتلة لدولة ذات سيادة بعد ان حولها اوسلو الى أرض متنازع عليها. لذلك، من دون التقليل من أهمية هذه المخاوف، أرى ان المحاذير والمخاطر التي تنطوي عليها خطوة اعلان السيادة لا تنبثق من احتمال ان تنحو اسرائيل باتجاه التعايش مع هذا الاعلان، وهي الفرضية التي تنبثق منها المخاوف المذكورة اعلاه، بل على العكس من ذلك تماماً. ان خطوة اعلان السيادة على الأرض حتى حدود 1967 هي تجاوز الاشتراطات المجحفة التي يفرضها اتفاق أوسلو ومدخل للتحرر من قيوده واملاءاته، وهي بذلك تجديد للاشتباك السياسي والنضالي مع الاحتلال الاسرائيلي ومن دون ديبلوماسية نستطيع ان نقول انها في الواقع تجديد لحالة الحرب. ورد الفعل الاسرائيلي عليها سكيون على الأرجح اعلان الحرب على الدولة الوليدة، لا التعايش معها. وبيد اسرائيل رزمة من الخيارات العدوانية التي يمكن ان تلجأ اليها رداً على اعلان السيادة منها: ضم الضفة أو ضم المناطق ج التي تخضع للسيطرة الاسرائيلية الكاملة بموجب الاتفاق، الاغلاق والحصار الاقتصادي للضفة وغزة، تقطيع أوصال الضفة بتطويق وعزل المناطق أ، وقف تحويل الأموال المستحقة للسلطة الفلسطينية التي تجبى عبر القنوات الاسرائيلية، وفي حالات متطرفة ربما قط المياه أو الكهرباء عن المناطق أ، وأخيراً الاجتياح العسكري لهذه المناطق أو لإجزاء حيوية منها. بسبب من ردود الفعل العدوانية الاسرائيلية المتوقعة، ربما يتوافر لدولة الاحتلال من خيارات وأسلحة فتاكة قد تلجأ اليها لمحاولة وأد الدولة الوليدة قبل ان تعزز سيادتها، يخشى البعض من ان يقود اعلان السيادة الى كارثة تحل بشعبنا. وهذا "البعض" هو من نوعين: الأول من الشرائح الطفيلية والكوميرادورية التي نسجت شبكة من الروابط المصلحية الوثيقة مع الاسرائيليين ويتوقف صون مصالحها على استمرار الوضع الراهن وتفادي أي صدام واسع النطاق مع اسرائيل يمكن ان يدمر أو يشل شبكة المصالح هذه. هذه الشرائح في الواقع تخشى من كارثة تحل بمصالحها الفئوية الضيقة لا بالشعب وقضيته الوطنية. والنوع الثاني هو من بعض الأوساط المعارضة والمتشككة بنوايا وممارسات السلطة، ويقودها هذا التشكك المشروع الى حالة من البلبلة والارتباك تجعلها تتردد ازاء الخطوة المقترحة خطوة اعلان السيادة. مما لا شك فيه ان اعلان السيادة سيجابه بردود فعل عدوانية اسرائيلية تقود الى صدام واسع النطاق مع الاحتلال سينطوي بالضرورة على كم هائل من المصاعب والآلام لشعبنا ويتطلب منه تضحيات جمة. والتخوف الشعبي واسع النطاق من ان يكون الفشل نصيب هذه الخطوة، بما ينطوي عليه ذلك من كارثة، هو تخوف مشروع من دون أدنى ريب، لكن ما ينبغي ان يستخلص منه هو ضرورة التركيز بجدية على سبل تأمين مقومات النجاح لهذا الخيار الوطني، وتوفير مستلزمات الصمود الشعبي بما يقلص من حجم الصعوبات والآلام والتضحيات المحتملة، وذلك هو برأينا ما ينبغي ان ينصب عليه تركيز واهتمام قوى المعارضة من دون ان يكون لديها أدنى تردد ازاء ضرورة وأهمية خطوة اعلان السيادة باعتبارها الخيار الوطني الوحيد المتاح لمجابهة استحقاق الرابع من أيار 1999، فإذا كان ثمة من يخشى ان يقود اعلان السيادة الى كارثة، فإن عليه ان يتذكر ان الكارثة الأكبر التي يمكن ان تحل بشعبنا وبقضيته الوطنية هي تكريس الوضع الراهن وتمديد ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالية بما ينطوي عليه ذلك من خطر تحويلها الى وضع دائم وحل نهائي مفروض بالأمر الواقع. ومن دون التقليل من فعالية الخيارات العدوانية الاسرائيلية المتاحة، وبالتالي من دون التهوين من أهمية الاعداد الجاد لمواجهتها وتوفير مقومات الصمود ازاءها، فنحن نرى ضرورة الحذر من الوقوع في مطب تحويل هذه المخاطر الى فزاعات تدب الرعب وتغذي التردد ازاء خطوة اعلان السيادة المطلوبة. إن إقدام اسرائيل على ضم الضفة، أو أجزاء منها، رداً على إعلان السيادة، سيشكل استفزازاً هائلاً وتحدياً كبيراً للرأي العام الدولي وخرقاً فاضحاً لقرارات الشرعية الدولية. وسيأتي هذا الاجراء في ظروف دولية مختلفة تجعله أضعف من الاجراءات التي اتخذتها اسرائيل بضم القدس أو الجولان، وهي اجراءات لم تستطع بعد رغم مرور الزمن ان تكتسب الصفة النهائية التي لا رجعة عنها، ولم تحظ بالقبول أو التسليم لا من قبل الأطراف العربية المعنية ولا من قبل المجتمع الدولي بل ان اسرائيل، في ما يخص الجولان على الأقل، وافقت من حيث المبدأ على امكانية اعادة النظر بالضم مقابل شروط أمنية معينة. وفي الظروف المحيطة، فإن اجراء ضم الضفة أو أجزاء منها سيكون اضعف مفعولاً وأقل قدرة على الثبات والاستقرار. واذا جوبه هذا الاجراء بتصعيد للنضال الجماهيري الفلسطيني المناهض للاحتلال، كما ينبغي ان يكون عليه الحال مترافقاً مع اعلان السيادة، فإنه سيؤدي على الأرجح الى خلق شروط تملي اطلاق مفاوضات على نار ساخنة لمعالجة وتطويق ذيوله كيلا يتحول الى نقطة تفجير للوضع الاقليمي بأكمله. وبهذا المعنى ، فإن اجراء الضم سيكون مزعزع الركائز، غير قابل للاستقرار على الأرض، وسترتد نتائجه سلباً على السياسة الاسرائيلية. وفي كل الحالات فإن اجراء الضم لن يكون سوى ترسيم قانوني لواقع الضم الفعلي القائم الآن بالأمر الواقع من دون اعلان عنه. أما اجراءات الاغلاق والحصار وعزل المدن وحجب الأموال واحتمالات الاجتياح والتحرش العسكري والأمني، فإن تجربة انتفاضة السنوات السبع تؤكد ان شعبنا يمتلك كل المقومات الضرورية للصمود بوجهها واحباطها، ولكن هذا يتطلب بالتأكيد برنامجاً شاملاً لتعبئة طاقات الشعب واستنهاض الحركة الجماهيرية واعداد متطلبات الصمود، على الصعيد الاقتصادي والأمني والتعبوي، بما يساعد على تقليص الصعوبات والآلام والتضحيات. لذلك تؤكد المبادرة التي تبناها المؤتمر العام الرابع للجبهة الديموقراطية: "ان خطوة اعلان السيادة تكتسب مصداقيتها اذا استندت الى استراتيجية نضالية تعتمد التعبئة الشعبية العامة لمواجهة العنف الاسرائيلي بتحرك جماهيري عارم يستأنف المسيرة التي شقت طريقها هبة الأقصى المجيدة ايلول 1969 نحو تجديد الانتفاضة الشعبية الشاملة بأشكالها الجديدة". ان الاتفاق على خيار اعلان سيادة دولة فلسطين، بما ينطوي عليه من تجاوز لشروط اتفاقات اوسلو المجحفة، يمكن ان يكون مدخلاً لتخطي الانقسام الذي احدثته هذه الاتفاقات في صفوف حركتنا الوطنية واعادة بناء الاجماع الوطني، واستعادة الوحدة. ولكن لا يكفي من أجل ذلك الاتفاق على الشعار، الذي يمكن ان يتحول الى موقف كلامي اجوف ما لم يتم التوافق على خطة وطنية شاملة تضع الضوابط لهذا الاعلان وتؤمن مقومات نجاحه. ذلك ان المخاوف من سياسة التلويح الكلامي بهذا الخيار، وتوظيفه تكتيكياً للضغط على مجرى المفاوضات الراهنة، أو لتخدير الرأي العام المحلي، من دون الجدية في الإعداد له وفي وضعه موضع التطبيق العملي عندما يحين موعد استحقاق 4/5/1999، هذه المخاوف هي بالتأكيد مشروعة، وثمة في السياسة الرسمية الممارسة ما يزكيها ويؤكدها، وهي برأينا المحذور الرئيسي الذي ينبغي ان ينصب الاهتمام والجهد على التحذير منه واستنهاض الضغط الشعبي لمواجهته. * الأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين.