يعيش اقليم كوسوفو في ظروف هي الأسوأ منذ اندلاع الأزمة فيه قبل اكثر من 12 شهراً، فيما بدا ان انسحاب المراقبين الدوليين منه، اطلق يد الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش. واعرب قادة الالبان في الاقليم عن مخاوفهم من حدوث مجازر لا سابق لها ودعوا الغرب الى التدخل السريع لوضع حد للاخطار التي يتعرض لها الألبان. واجمع مراقبون في البلقان على ان حلف شمال الاطلسي لن يتدخل لتوجيه ضربات قبل يوم الاربعاء المقبل ما يعني ان الكارثة تكون قد حصلت ونفّذ الصرب ما تبقى من خطتهم. وحرصت مصادر الاطلسي في بروكسيل حيث اجتمع سفراء دول الحلف امس على تأكيد ان اي قرار لم يتخذ بعد بشأن توجيه ضربات جوية، فيما استعد المبعوث الاميركي ريتشارد هولبروك للتوجه الى بلغراد للقاء الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش وابلاغه تحذيراً جديداً. ويتوقع ان يعود هولبروك الى واشنطن لتقديم تقرير عن المحادثات قبل ان يجتمع الرئيس بيل كلينتون مع كبار مساعديه وقادة الكونغرس لاتخاذ قرار في ضوء التقرير والمحادثات التي سيجريها مع رئيس الوزراء الروسي يفغيني بريماكوف الذي يصل الى اميركا مساء غد. وبدت عاصمة الاقليم بريشتينا خالية امس من سكانها الألبان وحتى سوقها الشعبية التي تعجّ عادة بالمتسوقين والباعة القادمين من الضواحي لعرض محاصيلهم الزراعية، كانت شبه خالية امس. وكثفت وحدات الامن والشرطة الصربية لليوم الثاني على التوالي، دورياتها في احياء بريشتينا. وآثر الألبان البقاء في منازلهم اثر عمليات الاعتقال الواسعة التي شملت عدداً كبيراً منهم بتهمة التعاون مع مقاتلي جيش تحرير كوسوفو. ووصف مسؤول المركز الاعلامي لألبان كوسوفو سيّد صافت لپ"الحياة" في مكالمة هاتفية معه في مقره في بريشتينا الوضع بقوله: "عندما غادرت بيتي باتجاه المركز كانت يداي على قلبي وأدعو ان اكون محظوظاً وأصل من دون اعتقال او ضربة مبرحة او اغتيال". واشار الى ان "الذعر يحيط بكل الألبان في العاصمة والمدن الاخرى الذين بحثوا عن اماكن يختبئون فيها كي لا يقعوا في قبضة القوات الصربية". وابدى مسؤول المركز الاعلامي استغرابه لانسحاب المراقبين الدوليين من دون حصول اجراء دولي "وترك الحبل على الغارب للصرب كي يفعلوا ما يشاءون". واعترف بأن المراقبين الدوليين لم يكونوا قادرين على منع القوات الصربية من شن الهجمات "الا انهم كانوا يعرقلون قليلاً مخططات الصرب من خلال التقارير التي كانوا يعدّونها عن الاوضاع بصورة موضوعية". واستمر القتال الشديد امس في شمال الاقليم وغربه. وتركز حول بلدة سربتسا في منطقة درينبيتسا، غرب بريشتينا التي تعدّ معقلاً قوياً لمقاتلي جيش تحرير كوسوفو. واكدت مصادر مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة التي لا يزال بعض العاملين فيها موجودين في الاقليم ان القصف الصربي "أسفر عن حرائق في كثير من القرى الألبانية التي فرّ الآلاف من سكانها طالبين النجاة. ومنعتهم الشرطة الصربية من الوصول الى بريشتينا فاضطروا للانتشار في الغابات على رغم البرد القارس نتيجة تساقط الثلوج بغزارة. وتمكن قسم منهم من الوصول الى قرى بلدية غلوغوفاتس التي يسيطر عليها جيش التحرير". واشار العاملون في المفوضية الى انهم "يبذلون ما في وسعهم لايصال امدادات الاغاثة الى آلاف النازحين". ونقل تلفزيون سكوبيا امس عن احد المراقبين الدوليين الذين تم سحبهم من كوسوفو الى مقدونيا ان "ميلوشيفيتش كان ينتظر اللحظة المناسبة لشن هجوم ساحق على ألبان الاقليم ووفر خروجنا الفرصة له لتنفيذ خطته". وناشد الزعيم الألباني المعتدل ابراهيم روغوفا الدول الغربية التدخل السريع لحماية الألبان "بعدما عارض الصرب مشروع السلام لتسوية مشكلة الاقليم وواصلوا كل ما في مقدورهم من عنف ضد سكان الاقليم". وقال في تصريح صحافي امس بعد عودته من مفاوضات باريس الى بريشتينا: "ان النظام الصربي حشد أعتى قواته العسكرية في كوسوفو وسيواصل عدوانه اذا لم تكن هناك ارادة اقوى منه لمنعه من انهاء الوجود الألباني في الاقليم". وعقد سفراء حلف شمال الاطلسي امس اجتماعاً في بروكسيل لمراجعة الاستعدادات الضرورية تحسباً لاحتمال شن غارات جوية على اهداف صربية، لكن الحلف لم يتخذ قراراً ببدء الضربات. وافاد وزير الخارجية البريطاني روبن كوك ان بريطانيا وفرنسا اللتين تناوبتا رئاسة المفاوضات التي جرت في باريس حول مشكلة كوسوفو: "ما زالتا على اتصال مع بلغراد وان في امكان الرئيس اليوغوسلافي تجنب الغارات الجوية اذا وُقع اتفاق السلام". واشار كوك الى انه في حال استمرار العنف في كوسوفو ومواصلة ميلوشيفيتش عرقلة مسيرة السلام "فان الخطوة المنطقية ستكون اجراء من جانب الحلف الاطلسي". لكن مراقبين في منطقة البلقان استبعدوا ان تتم الضربة قبل الاربعاء في انتظار انتهاء مناقشة الكونغرس الاميركي التدخل الغربي في كوسوفو. كما انه ليس متوقعاً ان تأتي الضربة قبل وصول رئيس الوزراء الروسي الى واشنطن. واشار المراقبون الى انه ينبغي قبل تنفيذ الضربة ان تتضح مواقف المعارضين في الاطلسي للضربات الجوية وخصوصاً ايطاليا واليونان اللتين يمثل موقفهما اهمية كبيرة لعمليات الحلف في البلقان، باعتبارها قاعدة متقدمة فيه.