حتى الآن يبدو صدام محشوراً في عنق الزجاجة بعد الضربات الجوية والصاروخية التي استهدفت مواقع مقربة منه داخليا وبعد ان حدد الرئيس الأميركي سبعة تنظيمات عراقية معارضة لتلقي الدعم العسكري واللوجستي الذي تبلغ قيمته 97 مليون دولار استنادا الى الفقرة أ من المادة الخامسة للقانون الذي قدمه الكونغرس ووقعه كلينتون واعلن بشكل صريح عن النية لاسقاط نظام صدام حسين، في وقت يواصل طيران التحالف الاميركي - البريطاني التحليق فوق منطقتي الحظر الجوي في الشمال والجنوب . هذا التحدي الذي وجد نفسه فيه نظام صدام دفعه للتصعيد في سباق محموم مع الزمن فقرر خرق الحظر الجوي المفروض على امل اشتباك يوقع اسرى أو قتلى في صفوف الطيارين الاميركيين والبريطانيين لاستخدامهم في حملة سياسية واعلامية ونفسية للضغط على الرأي العام الاميركي والبريطاني. وشعور صدام حسين بالاختناق جعله يهاجم من دون هوادة انظمة الحكم في بعض دول الخليج والرئيس المصري ويرفض قرارات مؤتمر وزراء الخارجية العرب متهما اياهم بالتواطؤ مع الولاياتالمتحدة، كما قام بحملة اعدامات طالت ثلاثة ضباط "الحرس الجمهوري" المكلف بحماية النظام ورئيسه وهم العقيد ضياء نجم الدين والمقدمان اسعد محمود وعلي عبدالله التكريتي، وأشرف على عملية الاعدام قصي النجل الثاني للرئيس العراقي بمشاركة ضباط آخرين من الوحدة التي ينتمي اليها الضباط. ولم يعرف ماذا فعل هؤلاء، لكن سياسة الاعدامات هي جزء من السياسة "الاحترازية" للنظام الذي اعتاد استخدام هذه العقوبة. وبتعيين فرانك ريتشاردوني منسقا لفصائل المعارضة التي ترتبط بعلاقات ودية مع واشنطن تكون السياسة الاميركية تجاه العراق أصبحت جزءاً متحركاً من سياسة الادارة، إذ ينسق رييشاردوني مع كل الجهات الامنية والديبلوماسية والسياسية والعسكرية المعنية بتطبيق بنود "قانون تحرير العراق" ويرتبط مباشرة بوزيرة الخارجية مادلين اولبرايت. كما اصبحت تستدعي مزيدا من الدعم العربي الذي تؤكده جولة مساعد وزير الخارجية مارتن انديك الى المنطقة . وفي الاجتماع الذي عقده رييشاردوني في مقر السفارة الاميركية في لندن مع 20 معارضاً يمثلون تنظيمات سياسية ومستقلين تم التأكيد على السياسة الاميركية الرامية لإسقاط الرئيس صدام وتعيين حكومة جديدة تكون ديموقراطية وتحقق وفاقاً مع الجيران ويرضى عنها المجتمع الدولي، من دون ان تبدر من المجتمعين بوادر لتحقيق ذلك على الارض سوى ما يقوم به أحمد الجلبي الذي يسعى جاهدا لاصلاح "المؤتمر الوطني". فعقد اجتماعاً تمهيدياً مصغراً على أمل أن يكون الاجتماع الذي دعا اليه يوم الاحد 7 شباط فبراير اجتماعاً لتشكيل لجنة من اعضاء الجمعية الوطنية تقوم بدعوة الجمعية لاجتماع في واشنطن يعيد لحمة "المؤتمر الوطني" الذي من المستبعد جداً أن يلتئم كما من قبل. وفي حال تعذر ذلك الجلبي سيستخدم صلاحيته لتوجيه الدعوة. ويقول عضو سابق في "المؤتمر الوطني" إن الشخص الذي كلف بسكرتارية اللجنة ليس عضواً في المؤتمر ولا في الجمعية وبناء على ذلك فإن اللجنة قد تواجه اعتراضات عديدة، وتعتقد أن تكون نتيجتها اجتماعاً بمن حضر ممن تبقى في الجمعية الوطنية ليقر صيغة "المؤتمر الوطني" الجديدة التي تبقيه واحداً من سبعة اطراف وليس المظلة الوحيدة للمعارضة العراقية كما كان من قبل. وعلى رغم تصريحات اقليمية ودولية وعربية عديدة عن عدم التعاطي مع مسعى اسقاط النظام العراقي الا ان الخطوات العملية ماضية بهذه الاتجاه وأبلغ وزير الشؤون الخارجية البريطاني ديريك فاشيت التنظيمات العراقية المعارضة التي اجتمع اليها في مقر وزارة الخارجية البريطانية انه وجد دعما للخطة من الدول العربية التي زارها. وتعد الولاياتالمتحدة غطاء عراقياً معارضاً من بعض التنظيمات لتحقيق هذا الهدف الذي رصدت اليه 13 مليون دولار اضافية ستعطى منها 3 ملايين إلى "المعارضة الديموقراطية" التي يشترطها "قانون تحرير العراق" ممثلة بالمؤتمر الوطني العراقي. كما ان جولة مارتن انديك تبدو موفقة بعد ان صعد صدام لهجة التهديدات الساخنة ضد بعض الدول العربية واعاد تهديده للكويت عبر المجلس الوطني العراقي. وعلى صعيد آخر تواصل حملة "اندايت" الخاصة بتوفير الامكانات لتقديم الرئيس صدام وعدد من اعوانه الى المحاكمة بتهم مجرمي الحرب والابادة الجماعية نشاطها، وخصص لها مبلغ 3 ملايين دولار. وتم تعيين عدد من الموظفين لمتابعة حملة "اندايت". ويذكر ان "قانون تحرير العراق" ينص في مادته السادسة على العمل من خلال الاممالمتحدة لتقديم صدام وأعوانه إلى المحكمة الدولية . وهو الامر الذي من شأنه تجريده من أسلحة داخلية وخارجية كثيرة وتعريضه لخسارة ما يطمح إلى تحقيقه مع بعض دول مجلس الأمن. ويبدو ان الولاياتالمتحدة تواصل تطبيق استراتيجية الاستنزاف عبر ضرب مواقع محددة باستمرار وتشديد الضغط النفسي على الرئيس العراقي ليقوم بارتكاب خطأ يكلفه نظامه عبر تصعيد حال الاستنزاف وابقاء شبح الحرب مخيما على العراق . حتى الآن لا تبدو الافاق مشجعة على رفع العقوبات عن العراق. ولا يبدو ان الضغط السياسي والاعلامي لبعض دول أوروبا وآسيا وبعض الدول العربية سيكون مؤثراً باتجاه إنهاء الحصار على رغم أن البحث عن صيغة مخففة جار، لكن نظام بغداد لايرضى حتى الآن إلا برفع نهائي غير مشروط ينهي الأزمة الداخلية المستفحلة التي اصبحت تقترن لدى الرأي العام العراقي والجيش بوجود نظام صدام، وهو الهدف الذي تسعى لتكريسه الولاياتالمتحدة عبر ابقاء الحصار مستمراً. ومن الواضح ان صبر الولاياتالمتحدة تجاه قدرة المعارضة العراقية على اسقاط النظام نفد كما نفد صبرها تجاه موضوعة وحدة المعارضة واتفاقها على برنامج عمل لذلك بادرت الى اخذ زمام المبادرة فوق القانون الدولي والاممالمتحدة وأصدرت "قانون تحرير العراق" لتشريع التدخل المباشر لاسقاط نظام صدام. ويؤكد ذلك تصريحات عدد من المسؤوولين في الادارة الاميركية، خصوصاً الجنرال زيني. لذلك فإن تحديد عدد من التنظيمات العراقية المعارضة وبالصورة التي تمت ونص عليها "قانون تحرير العراق" ليس إلا غطاء لقيام الولاياتالمتحدة نفسها بالتدخل المباشر لاسقاط النظام