ينتخب أعضاء المؤتمر المئة والثلاثون رئيساً جديداً لحزب الكتائب اللبنانية في 21 آذار مارس خلفاً للرئيس الراحل جورج سعادة الذي توفي في نهاية 1998. والمؤتمر اكتمل نصابه في السادس من آذار عندما انتُخب الأعضاء الأربعة والخمسون الممثلون للأقاليم، والمناطق والمصالح الجماهيرية. وفي آخر تعديل لبعض الأنظمة الداخلية للحزب في أيام سعاده أقرّ المكتب السياسي نظاماً انتخابياً يتم من خلاله انتخاب رئيس الحزب بشكل غير مباشر من قبل هيئة انتخابية قوامها 130 مقترعاً يؤلفون مؤتمر الحزب. فمن هم المرشحون، ومن هي القوى التي تتشكل منها الهيئة الانتخابية للكتائب؟ ان نظام الحزب الداخلي يعطي الحق للمرشحين في تقديم ترشيحهم رسمياً قبل 72 ساعة من موعد الاقتراع. ولكن تحديد المرشحين المحتملين يبقى ممكناً إما استناداً الى تصريحات صحافية أدلوا بها، وإما ترداداً لرأي عام يعتبرهم مرشحين محتملين. واقفل باب الترشيح الثلثاء الماضي وبلغ عددهم 11 مرشحاً هم: النائب الأول لرئيس الحزب المحامي منير الحاج، النائب الثاني لرئيس الحزب المحامي كريم بقرادوني، وعضو المكتب السياسي المحامي رشاد سلامة، وانطوان شادر، وإبراهيم ريشا، وفادي الهبر، وجورج القسيس، وموريس سابا، وفرنسوا اسمر، وحكمت حداد، ومدير إذاعة "صوت لبنان" سيمون الخازن. وكان يتوقع أن يترشح نادر سكّر، المسؤول عن البرامج السياسية في المؤسسة اللبنانية للإرسال، إلا أن باب الترشيح اقفل ولم يرد اسمه. ولا أحد يجرؤ على الحديث عن احتمالات النجاح والفشل لعدة أسباب أهمّها. 1 - مع غياب الرئيس السابق للحزب أصبحت الهيئة الناخبة، التي كانت أكثريتها تدين بولائها له، محررة من كل التزام شخصي. 2 - ان الانتخابات الحالية تختلف عن كل سابقاتها، خصوصاً تلك التي شهدت تنافساً بين سمير جعجع الرئيس السابق للقوات اللبنانية المنحلة وجورج سعادة سنة 1992، كون مجمل المرشحين يلعبون تحت سقف الشرعية وحسن العلاقات مع سورية. 3 - هناك تفاوت حقيقي بين مختلف المرشحين وعلاقتهم بالقاعدة الحزبية، وهذا الأمر من المقدر له أن يرجح كفة من تعتبره هذه الأخيرة متعاطفاً معها، خلافاً للبعض الآخر المعتبر آتياً من بعيد. 4 - رغم اعلان المعارضة الكتائبية، بمختلف تياراتها وتوجهاتها، عدم رغبتها في خوض الانتخابات الأولية للحزب لاختيار المندوبين، استطاعت تأكيد وجودها من طريق فوز عدد من ممثليها الذين ربما شكلوا، مباشرة أو غير مباشرة، الوزن الذي يرجح كفة أحد المرشحين. 5 - ان الكتائبيين، معارضين كانوا أو موالين، ينتظرون نتيجة الانتخاب لتبين مستقبل حزبهم، لا سيما في ما يتعلق بالموضوع الشائك الذي هو المصالحة: فبعض المرشحين، إذا استطاعوا الوصول، لن ينجحوا في بعث اجماع حولهم، وهذا يجعل المعركة أكثر غموضاً. 6 - في لبنان التعددية، لم يعد لرئيس حزب الكتائب الحق الحصري في تمثيل الشارع المسيحي عموماً. فأصبح هناك، الى الزعامات التي رفضت دوماً الكتائب، بكركي والتيار العوني وبقية الأحزاب المسيحية التي ابتعدت كثيراً عن الكتائب. وعلى الرئيس الجديد لهذا الحزب أن يعيد حزبه الى حظيرة تحتاج الى ترسيم حدودها. 7 - وعلى الرئيس العتيد إعادة وصل الكتائب مع لبنان الآخر الذي خاض مع الكتائب سجالات ومعارك ربما لم يستطع أحد محوها، ولكن ربما استطاع أحدهم عقلنتها. فما هي الأمور التي يمكن أن تحصل قبل الانتخاب: الاحتمال الأول: أن يتبرع أحد قادة الرأي في الوسط المسيحي ويدلي بدلوه في الانتخابات الكتائبية ليحولها الى مادة نقاش علني، له حسناته ولكن له أيضاً محاذيره الكثيرة. فالصمت الذي يحوط الانتخابات لا يعبر عن الواقع غير المعلن: فالصفوف الكتائبية تضج أسئلة، ودعوات، وحوارات، واقتراحات، ومشاورات... وكلها غير رسمية. وفي المبدأ ينبغي أن تكون انتخابات الكتائب أمراً داخلياً. أما في الواقع فانتخابات الكتائب كانت مدار اهتمام أكثر من فريق. الاحتمال الثاني: أن يُعلن تحالف ما بين اثنين أو أكثر من المرشحين. وهذا الأمر إذا حصل يفترض أن تفاهماً ما حول التركيبة الإدارية للحزب قد تمّ التوافق عليها. فانتخاب أي من المرشحين سوف يُحدث شغوراً في الموقع الذي يحتله اليوم. وهذا الشغور ربما أحدثه أيضاً احتمال فشل أحد المرشحين: وهذا الأمر ينطبق خصوصاً على نائبي الرئيس، الحاج وبقرادوني. فإذا لم ينالا ثقة الهيئة الناخبة، هل يرغبان في الاستمرار في موقعهما الحالي؟ وهل هذا الأمر ممكن سياسياً؟ وهذا الأمر يطاول أيضاً المرشحين الآخرين، ولكنه أقل صلة في الأحوال الأخرى. فعضوية المكتب السياسي ليست في أهمية نيابة رئاسة الحزب من الناحية العملانية، لكن الأمر الأهم في كل هذا يكمن في رد فعل القاعدة في حال حصول هذا التحالف. وإذا لم يكن التحالف الحاصل ناجحاً، لأسباب تاريخية نفسية، فهل تأخذ القاعدة الكتائبية على عاتقها مجازاة هذين المتحالفين أو المجموعة المتحالفة؟ أسئلة كثيرة وأجوبة تبقى ملك الهيئة الانتخابية وحدها. ورد فعل القاعدة الكتائبية على أي تحالف رهن نوعيته وغائيته. وإذا تبين لها أن التحالف انتخابي محض فربما أعلنت رفضها له من طريق اسقاط رموزه. فأي تحالف يجب أن يكون واضحاً ليصبح مقبولاً، ويكون نقطة انطلاق جديدة تخرج الحزب من غيبوبته الحالية. * كاتب لبناني.