تتواصل الحرب الاريترية - الاثيوبية الحدودية التي بدأت في أيار مايو الماضي وتصاعدت حدتها مطلع شباط فبراير الماضي. ورافق التصعيد الأخير تبادل الاتهامات بعدم تنفيذ خطة السلام التي أعلنتها منظمة الوحدة الافريقية وبعض قرارات مجلس الأمن في هذا الشأن، خصوصاً القرار الرقم 1227 الصادر في 10 شباط. وفي مراجعة لمواقف البلدين المتنازعين يظهر التناقض بينهما ازاء هذا القرار الذي يدعو البلدين إلى وقف فوري للقتال والالتزام باتفاق حظر الضربات الجوية، كما يدعو جميع الدول لفرض حظر على بيع السلاح للبلدين. وهذا التناقض لا ينعكس في مواقف البلدين فحسب، وإنما أيضاً في سلوكهما في معالجة الأزمة. وعلى الرغم من التفسير الخاطئ من قبل البعض لرد الفعل الاريتري بأنه رفض للقرار، إلا أن الحكومة الاريترية، في رسالتها لمجلس الأمن وبيان وزارة خارجيتها، عبرت عن تقديرها لاهتمام المجلس بالنزاع الدائر وأكدت تمسكها بالحل السلمي وبأنها لن تكون البادئة بإشعال المعارك، وجددت التزامها أيضاً بحظر الضربات الجوية، مؤكدة على حقها المشروع في الدفاع عن النفس والرد في حال تعرضها لعدوان بري أو جوي. ولم تكن الملاحظات التي سجلتها اريتريا سوى التعبير عن خيبة الأمل لإحجام المجلس عن الدعوة الصريحة لاثيوبيا لايقاف الحرب التي أشعلتها والتوقف عن خرق اتفاق حظر الضربات الجوية الذي ظلت تمارسه اثيوبيا قبل القرار. ورأت اريتريا أن صدور القرار بالشكل الذي خرج به لم يكن منصفاً، إذ كانت الدعوة عامة لكلا الطرفين. فإشعال الحرب مجدداً في السادس من شباط الماضي مهدت له اثيوبيا اعلامياً طوال الأشهر الماضية في شكل واضح وعلني وأعلنت مراراً بأنها ستلجأ إلى القوة لحسم النزاع. وفي إطار البحث عن الذريعة لبدء الحرب، أعلنت اثيوبيا قبل تجدد المعارك بيوم واحد ان الطائرات الاريترية أغارت على بلدة عدي قرات الاثيوبية، لكن دولاً عدة، على رأسها الولاياتالمتحدة، أكدت عدم حصول غارات، كما أكدت ذلك وسائل اعلام مستقلة. ولأن اريتريا الطرف المتلقي للهجمات الاثيوبية لم ترض بإحجام المجلس عن تحديد الطرف المعتدي. فإذا كان تبرير المجلس لذلك بصعوبة إمكان تحديد الطرف البادئ بالحرب، فإن اريتريا لم تجد أي تبرير لدعوة المجلس للطرفين "بعدم خرق حظر الضربات الجوية". الأمر الذي انتهكته اثيوبيا والتزمت به اريتريا حتى الآن بشهادة الجميع، إضافة إلى مراعاتها للحقوق الإنسانية للمواطنين الاثيوبيين المقيمين في اريتريا بعكس الممارسات الاثيوبية ضد المواطنين الاريتريين في اثيوبيا. ومهما كان شعورها بالظلم، فقد أعلنت اريتريا تجاوبها مع قرار المجلس بأنها لن تكون البادئة بإشعال الحرب ولن تقوم بأية ضربات جوية إلا في حال تعرضها لذلك. وأمام التجاوب الاريتري مع دعوة مجلس الأمن بوقف الحرب فوراً، أعلنت اثيوبيا وعلى لسان وزير خارجيتها سيوم مسفن "ان اثيوبيا ستستمر في الحرب إلى أن تتمكن من السيطرة على الأراضي" التي تدعي ملكيتها، أو "إلى أن تقبل اريتريا بالإكراه بخطة منظمة الوحدة الافريقية إطار الاتفاق"، وهي الخطة التي ما تزال قيد الدراسة والتوضيح وخاضعة للتعديل. وعلى الرغم من نداءات مجلس الأمن والعديد من الدول، استمرت اثيوبيا في شن الهجوم تلو الآخر، واستمرت في خرقها لاتفاق حظر الضربات الجوية، حيث شنت هجوماً جديداً في منطقة بوري قرب ميناء عصب الاريتري الذي يبعد مئات الأميال من الأراضي التي تطالب بملكيتها. ولم تخف اثيوبيا هذه المرة عبر بياناتها العسكرية استخدامها سلاح الطيران وقصفها مناطق مدنية قرب ميناء عصب الاريتري. وأكدت اثيوبيا يوم الأربعاء 17 شباط رفضها للحلول الديبلوماسية وإصرارها على الاستمرار في الحرب "مهما طال الزمن ومهما تطلب ذلك من تضحيات" وذلك على لسان قبرو أسرات، عضو المكتب السياسي ل "جبهة التغراي" الحاكمة في اثيوبيا رئيس اقليم تغراي في كلمة التنظيم التي ألقاها لمناسبة ذكرى تأسيس الجبهة. فماذا يخفي إصرار اثيوبيا على مواصلة الحرب؟ فهل يستدعي خلاف حدودي بسيط كل ذلك؟ أم ان هناك مطامع وأهداف أخرى يرغب النظام الاثيوبي تحقيقها تحت غطاء غبار هذه الحرب. * كاتب اريتري.