ترحيب باقتراح عقد قمة أوروبية - أمريكية    فوز «بيتيس».. يسبب ل«ريال مدريد» وجع راس    مشروع الأمير محمد بن سلمان يعيد الأصالة العمرانية لمسجد الرويبة بالقصيم    نقل لاعب الزمالك السابق «إبراهيم شيكا» إلى المستشفى بعد تدهور حالته الصحية    جوازات مطار الملك عبدالعزيز تستقبل رحلات ضيوف الرحمن القادمين للعمرة    الرياض: القبض على مقيم لتكسيره زجاج مركبات    Mate XT الهاتف الأول القابل للطي الثلاثي    اطلاق التشغيل التجريبي لخدمة التحلل من النسك في المسجد الحرام    استشهاد 4 فلسطينيين في قطاع غزة    سمو نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل قيادات القطاع الشرقي الصحي    "الصناعة" تُعالج 755 طلبًا للإعفاء الجمركي خلال يناير    فتح التقديم على 10,494 وظيفة تعليمية في جميع إدارات التعليم    القفاز الذهبي للشنقيطي    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    أخصائية تغذية تحذّر من تناول المكملات الغذائية في رمضان    حسين الشريف إلى رحمة الله    المرأة السعودية.. شريك أساسي في تحقيق اقتصاد مستدام    النادي السعودي في بيرث يحتفي بيوم التأسيس    مصر ترفض تشكيل حكومة سودانية موازية    حافلات المدينة تدشن 3 محطات فرعية مجانية    ببداية الفصل الثالث ..1700 مدرسة بالطائف تستقبل أكثر من ربع مليون طالب وطالبة    أمير حائل يدشّن مشاركة منطقة حائل في حملة "جود المناطق2"    أطول وأقصر عدد ساعات الصيام في الدول العربية والعالم    بدلاً من 280 دولاراً.. بنك يودع 81 تريليوناً في حساب عميل !    التعادل السلبي يخيم على لقاء الفيحاء والوحدة    سبقه بوقاش والسومة.. إيفان توني يدخل التاريخ ب"هاتريك" الهلال    1365 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ خلال أسبوع    برعاية خادم الحرمين الشريفين.. تكريم الفائزات بجائزة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم للبنات    في انطلاق الجولة 24 من دوري يلو.. ديربي ساخن في عنيزة.. والفيصلي في ضيافة الطائي    إزالة العقبة الكبرى أمام سلام تركيا واستقرارها    محمد بن فهد.. أمير التنمية والأعمال الإنسانية    ممتاز الطائرة .. الهلال يعزّز صدارته للدوري    الملك: خدمة الحرمين نهج دأب عليه ملوك المملكة منذ توحيدها    رمضان في التاريخ الإسلامي: كيف كان يُحتفل في العصور الوسطى    سلام: الحكومة اللبنانية ملتزمة بإعادة إعمار القرى الجنوبية المدمرة    الأرز الأبيض.. خطر غير متوقع على صحة أسنانك    صدق أو لا تصدق.. «الفشار» يقلل خطر الإصابة بالسرطان    "المتاحف" تناقش دور المتاحف في التوعية والتنمية    جمعية الدعوة بأجياد تطلق البرامج الرمضانية" بمنطقة الحرم لعام 1446ه    53 دولة إسلامية في «الإيسيسكو» توافق بالإجماع على ميثاق الرياض للذكاء الاصطناعي    تاريخ مجيد    صناعة الخدمة والمسؤولية    الدفاع المدني بالحرمين الشريفين يكثف أعمال الإشراف الوقائي لسلامة ضيوف الرحمن    رسالة للعالم الإسلامي    التعاون يحبط صحوة الفتح ويهزمه بثنائية    "الثقافة" تنظم فعاليات ثقافية في موسم رمضان    لصيام آمن.. إرشادات لمرضى الربو    الأوكرانيون يرفضون الانتخابات في ظل الحرب والضغوط الخارجية    السعودية.. المملكة التي تنبض بالعالمية    بدء استقبال طلبات الاعتكاف بالحرمين الشريفين.. الأربعاء    ثلاثية توني    "جيل الطيبين " ما الذي يغذي المصطلح؟    عملاء المديونيات ضحايا الوعود الزائفة    السعودية تتهيأ لصناعة وتصدير «التاكسي الطائر»    66 % انفراد السعوديات بقرارات الرعاية الصحية    أمير منطقة مكة يهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة شهر رمضان المبارك.    "البريك":رفع التهنئة للقيادة بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك    نائب أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة حلول شهر رمضان    









رداً على ياسر الزعاترة وعلي بدوان . عندما يتحدد نقاش فلسطيني في قفص النوايا
نشر في الحياة يوم 17 - 03 - 1999

تنطوي مقالة ياسر الزعاترة، ورد علي بدوان عليها، نشرتا في صفحة "أفكار"، على النقطة - الخلل، في جسم العمل الوطني الفلسطيني عموماً، والمعار ض على وجه الخصوص، فمناقشة الأفكار تتحول بسرعة البرق الى مناقشة للأدوار، وفحوى البرامج السياسية سرعان ما يتلاشى لمناقشة النوايا، التي لا يمكن إلا ان تكون "سيئة" و"مغرضة"، ان لم نقل "مشبوهة" أو "مدانة" ما دامت تصدر عن طرف "آخر"، لا ينتمي للقبيلة ذاتها، ولا يحمل أفكارها وبرامجها. وغني عن القول ان "منطقاً" مثل هذا لا يستدعي الحوار أو الجدل الايجابي، قدر ما يفضي الى تبادل الاتهامات، وصولاً الى "الغاية" الأهم و"الهدف" الأسمى الذي لا يعود هناك من هدف سواه، وهو هدف إلغاء الآخر، وشطبه نهائياً من المعادلة بعد اتهامه بتعطيل المسيرة، والتسبب في عجزها عن أداء مهام كفاحية ناجحة.
هل تحتاج الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين الى استعراض تاريخها وأرشيفها وتبيان عدد شهدائها منذ عام 1969، لإثبات حضورها وانتمائها الوطني؟
وهل يحتاج السيد نايف حواتمه لمن يمنحه الجنسية الفلسطينية؟
أعتقد ان نقاشاً من هذا النوع ليس سوى الدليل الأسطع على رداءة المرحلة السياسية التي نعيش، ومستوى "الحوار"، وما يمكن ان ينتجه هذا الحوار من تآكل في الجسم الوطني.
ثمة لغة سياسية متدهورة، ولكنها تتدهور أكثر، وثمة قوى سياسية تبحث عن دور في مواجهة الأخ والشقيق، لأنها ببساطة تعجز عن تحقيقه في مواجهة العدو، فالصراع الذي تطلقه فكرة الاختلاف السياسي - والتي يفترض ان تكون فكرة صحية وطبيعية - يقفز في حالة "المواجهة" بين القوى الاسلامية والعلمانية، الى مدياته القصوى والنهائية، فيتبدل ميدانه وأدواته، من صراع برامج سياسية لمواجهة المعضلات الوطنية الراهنة في الساحة الفلسطينية، الى صراع بين السلفية والحداثة، بين التراث والمعاصرة، مع كل ما ترتبه مثل هذه الصراعات "النهائية" من شراسة، تقتضيها وتحض عليها رغبة عارمة في الاستفراد وإقصاء الآخر عن الوجود، ليس باعتباره قوة سياسية منافسة، ولكن ايضاً بوصفه عائقاً أمام الحلم الأخير في إمكانية بناء عالم على الصورة التي تؤلفها الايديولوجيا، سواء كانت أصولية أم ماركسية - لينينية، إذ في الحالتين لا مكان للآخر، إن لم نقل لا حيّز من الفراغ يمكن ان يشغله الآخر أو يسكن فيه.
واللافت في "حوار" كهذا ان كل طرف يتحدث عن "أمجاد" له سواء بتعداد الشهداء الذين وصلوا في صفوف الجبهة الديموقراطية، الى خمسة آلاف كما يذكر السيد علي بدوان، أو الطهارة السياسية والترفع عن المساومات كما يذكر السيد ياسر الزعاترة، دون ان يقترب السيدان بدوان والزعاترة من المعضلة الأهم والسؤال الحاضر - الغائب: لماذا لا تزال المعارضة الفلسطينية هامشية وشبه غائبة عن الفعل بالرغم من الخمسة آلاف شهيد هنا، وبالرغم من الروح الاستشهادية هناك؟ وأي سبب يقف وراء استمرار موجة النقد اللفظي العنيف لسياسة منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية، دون التمكن طيلة ربع قرن ويزيد من بناء لغة تخاطب مفهومه مع القطاعات الأوسع من الشعب الفلسطيني؟
وإذا كانت المعار ضة الفلسطينية بلونيها، العلماني والاسلامي، لا تزال أسيرة هيمنة واستفراد "القيادة المتنفذة" في منظمة التحرير الفلسطينية، ومن بعدها قيادة "سلطة الحكم الذاتي"، فالسبب بالتأكيد لا يعود بكليته الى استبداد وتفرد تلك السلطة فقط، بل ان المعارضة ذاتها تتحمل بدرجات متفاوتة مسؤولية المواجهة غير المتكافئة بين وفود السلطة التفاوضية وبين اسرائيل بسبب من تصعيد المعارضة الخلاف مع تلك السلطة الى حدود القطيعة الشاملة أو شبه الشاملة وترك تلك السلطة وحيدة في "مستنقع المفاوضات"، حرصاً على نظافة الكفين، ونظافة السيرة، بغض النظر عن تلازم هذه "النظافة" مع انقسام حاد في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية.
يدعو علي بدوان مثلاً الى حوار فيه الحدود الدنيا من الموضوعية، ولكنه يعود بعد السطور الأولى فينسى ذلك، ويباهي الزعاترة بخمسة الاف شهيد قدمتهم الجبهة الديموقراطية في سنوات النضال، وهو رقم فوق إجلالنا لأصحابه الأبطال والشرفاء - يستحق مساءلة القيادة التي سقطوا شهداء تحت راياتها، ليس من أجل إنزال عقوبة لا يملك أحد فرضها - ولا تجدي نفعاً فيما حدث - ولكن من أجل دفع قيادات الفصائل الفلسطينية على اختلافها، ومنها بالطبع قيادة الجبهة الديموقراطية لاستخلاص الدروس المفيدة من تلك المرحلة الوطنية الطويلة والمريرة، وهو أمر لا يمكن ان يتحقق دون اجراء مراجعة جدّية وشاملة تجيب عن أسئلة الماضي والتي هي بمعنى ما أسئلة الحاضر والمستقبل، ما دمنا حتى هذه اللحظة التاريخية، لم نتمكن لحركة وطنية تقود شعباً من انجاز أهداف الشعب في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى مدنهم وقراهم في فلسطين. وليس معقولاً ولا مقبولاً، بعدما جرى ويجري في فلسطين ان يظل النقاش بين أطراف الحركة الوطنية الواحدة منخفض السقف، لا يرتفع عن مستوى اتهام برنامج سياسي، بأنه قدم إرضاء لياسر عرفات، دون محاولة نقاش البرنامج ذاته، سواء خلص النقاش الى قبوله أو رفضه، فالمهم ان ننطلق من أرضية وجوهر سياسي يتجاوز النكايات والشماتة، ويرتفع الى مستوى الاحداث الكبرى التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وعاصمة آلامها أرض فلسطين التي تشهد سباقاً دموياً محموماً لا على هذا البند أو ذاك في الاتفاقات التسووية ولكن على كل تلة وشبر أرض في فلسطين، وليس بعيداً عن الاذهان هنا واقعة وزير مذبحة صبرا وشاتيلا ارييل شارون حين أشار بيده للمستوطنين نحو تلة قرب القدس قائلاً: هذه هي تلال أورشليم، إما أن تأخذوها بسرعة أو يأخذها الفلسطينيون، أي انه بعبارة واضحة قد فهم الصراع في جوهره أكثر بكثير مما تفهمه قيادات فلسطينية عدة.
ان اسوأ ما في تنافس القوى والفصائل والاحزاب الفلسطينية هو في اعتبار كل طرف أن اساليبه الكفاحية هي الوحيدة الصالحة، وما عداها هو قبض الريح، فيما تثبت التجربة ان فلسطين الكاملة وفلسطين الناقصة، وفلسطين الحكم الذاتي المحدود، تحتاج كلها الى أساليب الكفاح جميعها.
* كاتب فلسطيني مقيم في سورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.