نشرت صفحة "أفكار" في "الحياة" يوم الجمعة 12/12/1997، مقالاً للناطق الاعلامي للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين علي بدوان بعنوان "عن الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين: سياسات وانقلابات… وديموقراطية". ولأن المقال المذكور حوى جملة من المغالطات فقد اقتضى التصويب. فمنذ بداية المقال اعتمد الكاتب المنطق "التطهيري" ذاته الذي لاقى آذاناً صاغية في الساحة الفلسطينية في حمأة الشتات التي تعرضت لها منظمة التحرير الفلسطينية وقواتها اثر اجتياح القوات الصهيونية للبنان في 1982، حيث اكتسبت دعوات الوحدة الوطنية الفلسطينية، آنذاك، هالة قدسية في صفوف الفلسطينيين الذين تملكهم الرعب من اعادة انتاج تجربة النكبة في 1948، والتيه في الصحراء بلا مأوى، ولذلك تم تجاوز أسس وقواسم هذه الوحدة المنصوص عليها في الميثاق الوطني الفلسطيني، وكذلك في مقررات المجالس الوطنية المتعاقبة. الأمر الذي أدى الى تشظي هذه الوحدة على يد القيادة المسيطرة على القرار في منظمة التحرير، بعد ان أفصحت عن نهجها المساوم، واستعدادها للانخراط في أي تسوية مع العدو الصهيوني تحت ذريعة اليأس المطلق من العرب "الذين خذلوها في معارك بيروت والبقاع الغربي والجنوب اللبناني"! ومنذ ذلك الوقت، حيث شهدت المنطقة العربية والعالم تطورات نوعية وازنة، كان أهمها على الصعيد الفلسطيني تفجر الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، تطور العديد من المفاهيم والرؤى بعد ان تلمس أبناء فلسطين ان بالامكان الحاق الهزيمة بالمشروع الصهيوني في احدى حلقاتها المهمة، من خلال تصعيد الفعل المقاوم، المستند الى سياسة كفاحية واضحة تلتزم اهدافه ومصالحه، وتأخذ بنظر الاعتبار طبيعة هذا المشروع واستهدافاته، وكيفية ووسائل مواجهته التي تفترض موقفاً عربياً متماسكاً يعيد الصراع الى وجهته الحقيقية باعتباره صراع وجود بين الصهيونية ومشروعها وبين الأمة العربية المستهدفة في كافة أقطارها. واذا كان السيد علي بدوان قد حاول العودة الى شعارات منتصف الثمانينات وتصنيفاتها التي قسمت الساحة السياسية الفلسطينية الى تيارات ثلاثة، اثنان منها يجانبان الصواب دائماً، فيما يقل الثالث في موقع الحارس الأمين للوحدة الوطنية الفلسطينية، فإن ما قصده بالضبط هو تجاوز احدى اهم المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة، الا وهي مرحلة اتفاق أوسلو، الذي يعترف الرفيق بدوان انه صيغ وطبخ سراً على يد حفنة من رموز قيادة منظمة التحرير، ومن وراء ظهر الشعب الفلسطيني ومؤسساته الوطنية، وما تلا هذا الاتفاق من تنازلات تفريطية وصلت الى الحد الذي اختزل فيه الصراع الى تباينات حول النسبة المئوية لاعادة انتشار الجيش الاسرائيلي. وهل هي ما بين 6 الى 8 في المئة كما يصر نتانياهو أم 13 في المئة حسب رأي الادارة الأميركية أم 30 في المئة كما يطالب ياسر عرفات؟ ان اتفاق أوسلو، الذي لن ندخل بتفاصيله، وما تلاه، شكل تحولاً نوعياً في مسيرة وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية. ولا يجوز ان يجري القفز فوقه بكل بساطة وسهولة، كما حاول بدوان، وأي حديث عن الوحدة الوطنية الفلسطينية بمعزل عن المطالبة باسقاط اتفاق أوسلو أولاً، هو حديث حق يراد به باطل، بعد ان وضع أصحاب الاتفاق أنفسهم، وكما تقول الجبهة الديموقراطية ذاتها، خارج الائتلاف الوطني، وأصبحوا مرتهنين لنصوص الاتفاق المجحفة، وتطبيقاته البائسة التي تعتصر هذه النصوص، وصولاً الى الغائها تماماً، واستبدالها ببرنامج الائتلاف اليميني الحاكم في اسرائيل، القائم على قاعدة الردع والقوة. بهذا المعنى تصبح الدعوة التي يصدح بها اصحاب "البرامج الواقعية الثورية" الذين تذكروا ان هناك اتحادات شعبية فلسطينية مشلولة ومعطلة منذ سنوات عديدة، لعودة الجميع الى الائتلاف الوطني والبرنامج المشترك في اطار منظمة التحرير الفلسطينية، دعوة فارغة من مضمونها، ولا هدف لها سوى إطالة عمر أزمة هذه المنظمات الشعبية التي تشكل الاطر الملموسة لمعظم فئات الشعب الفلسطيني. خاصة وان الاتجاه الذي اسماه بدوان "مدرسة السلطة" مستمر في سياسته التدميرية تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية ومؤسساته الشرعية، فيما يوفر له اصحاب برامج الواقعية الغطاء اللازم، من خلال الحوار معه وحقنه بالشعارات والتوصيفات الملائمة، لمواصلة نهجه الذي لم يبق اي شيء للمساومة عليه. واما ما يخص اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين يعاني من التشظي والشلل منذ انعقاد مؤتمر صنعاء الانشقاقي في 1984، فان معظم من يسمون انفسهم بأعضاء الامانة العامة للاتحاد الذين انتخبهم ما يسمى بمؤتمر الجزائر التوحيدي، هم موظفون كبار في اجهزة السلطة، ولا هم لهم سوى المحافظة على حالة الشلل القائمة واغتصاب تمثيل الكتاب والصحافيين الفلسطينيين الذين ينتشرون، بالاضافة الى المناطق الفلسطينيةالمحتلة، في أربع ارجاء الارض. ويعلم السيد بدوان تماماً ان الدعوات التي اطلقها رجال السلطة لتشكيل لجنة تحضيرية بدعوى اعادة بناء فروع الاتحاد لم ترتفع الا بعد ان استشعر اصحاب السلطة ان الكتاب والصحافيين الفلسطينيين يعملون بدأب ومثابرة على اعادة الروح الى صفوف اتحادهم، وانهم باتوا على أبواب عقد مؤتمرهم الذي سيعيد تأطيرهم من جديد، ويدفعهم باتجاه ممارسة دورهم الريادي كصناع للوعي والثقافة المقاومة. وفي هذا الاطار، لا اعتقد من المفيد الدخول في جدل حول "الشرعية" التي يتم اشهارها كفزاعة عندما يكون هذا الاشهار مفيداً للاستئثار والهيمنة. وخاصة اذا علمنا ان المادتين الاولى والثانية من الفصل الأول من نظام الاتحاد الداخلي تنصان على ان الاتحاد اطار نقابي للكتاب والصحافيين الفلسطينيين الملتزمين بنظامه الداخلي، وهو أحد قواعد الثورة الفلسطينية يسهم في اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على قاعدة الميثاق، ويلتزم بالميثاق الوطني الفلسطيني. ولا يحتاج المرء الى دلائل اضافية على لاشرعية "الامانة العامة" السابقة للاتحاد بعد ان مزقت النظام الداخلي وأصبحت تسبح بحمد السلطان الذي ألغى الميثاق الوطني ودمر الائتلاف الوطني الواسع.