حين يحل يوم 22 فبراير من كل عام، لا يكون مجرد يومٍ عابر في رزنامة الوطن، بل هو نبض التاريخ في قلب الأمة، إنه اليوم الذي نستعيد فيه ذكرى رجالٍ صنعوا المجد، وأرسوا قواعد دولةٍ عظيمة، كانت ولا تزال رمزًا للتوحيد والقيم الراسخة. يوم التأسيس ليس مجرد ذكرى لقيام الدولة السعودية الأولى عام 1727م، بل هو احتفاءٌ بجذور وطنٍ امتد عبر الأجيال، حتى تجلى بأعظم صوره على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-، لم يكن هدفه مجرد توحيد الأقاليم المتفرقة، بل كان يحمل رؤيةً واضحة لدولةٍ تستمد قوتها من العقيدة، وتحكم بشرع الله، وترفع راية التوحيد عاليةً. ما يميز المملكة العربية السعودية ليس فقط مساحتها الجغرافية أو موقعها الاستراتيجي، بل هويتها الراسخة التي قامت على التوحيد والعدل. منذ اللحظة الأولى، كان الإمام محمد بن سعود يدرك أن أي دولة لا تستند إلى عقيدةٍ ثابتة، وأخلاقٍ قوية، وعدلٍ راسخ، لن تدوم طويلًا. لذلك، حين أسس الدولة السعودية الأولى، لم يكن يبني سلطةً زائلة، بل كان يرسم ملامح وطنٍ سيظل صامدًا عبر القرون. وحين جاء الملك عبدالعزيز بعد أكثر من قرن، لم يكن مشروعه مجرد استعادةٍ لأرض، بل كان إحياءً لمشروع التوحيد الذي بدأه أسلافه، فوحّد أقاليم الجزيرة العربية تحت رايةٍ واحدة، وعقيدةٍ واحدة، ودستورٍ واحد، وهو القرآن الكريم والسنة النبوية. إن وجود "لا إله إلا الله محمد رسول الله" على راية المملكة لم يكن تفصيلًا عابرًا، بل كان تأكيدًا على أن هذه الدولة لم تُبنَ على المصالح العابرة، بل قامت على رسالةٍ خالدة، حملها الأجداد، ويحملها الأبناء بكل فخر واعتزاز. ولذلك فإن علم مملكتنا الحبيبة له مكانة كبيرة في قلبي، أضعه وسامًا على صدري وشعارًا على ملابسي الشخصية لأفتخر به، فهو شعار التوحيد الذي نأمل -بإذن الله- أن نفارق هذه الحياة عليه. حين استعاد الملك عبدالعزيز الرياض عام 1902م، لم يكن انتصارًا عسكريًا فقط، بل كان عودةً لمسار التاريخ، وإحياءً لدولةٍ لم يكن ينبغي لها أن تغيب. لم يكن يطمح إلى الحكم لأجل الحكم، بل كان يؤمن بأن بناء الأوطان يحتاج إلى أسسٍ راسخة: العدل، والأمن، والتمسك بالدين، وخدمة الناس. لم يكن قرار جعل القرآن والسنة دستورًا مجرد شعار، بل كان نهجًا عمليًا انعكس في القضاء، والتعليم، والسياسة، والاقتصاد، وحتى في العلاقات الدولية. ولهذا، لم تكن السعودية دولةً كغيرها، بل كانت نموذجًا فريدًا لدولةٍ تجمع بين الأصالة والتطور، وبين العقيدة والنهضة. اليوم، عندما ننظر إلى المملكة، نراها تمضي بخطى ثابتة نحو مستقبلٍ صنعته رؤية 2030، حيث الاقتصاد المزدهر، والتنمية المستدامة، والتطور في كل المجالات. لكنها رغم هذا التقدم لم تنفصل عن جذورها، ولم تتنازل عن مبادئها، بل جعلت من تاريخها وقودًا يدفعها إلى الأمام، ومن أصالتها درعًا يحميها وسط التغيرات. فالمملكة اليوم تقدم للعالم رسالةً واضحة: التطور لا يعني التخلي عن الهوية، والحداثة لا تعني نسيان الماضي. بل العكس، فكل خطوةٍ تخطوها للأمام، تنظر فيها إلى الخلف، لتستلهم العزم من تاريخٍ مجيد، وقيادةٍ حكيمة، وشعبٍ يؤمن أن هذا الوطن يستحق كل تضحية. ونحتفل بهذا اليوم لأننا ندرك أن هذا الوطن لم يُبنَ صدفة، ولم ينهض بفضل المصالح المؤقتة، بل تأسس على قاعدةٍ ثابتة: التوحيد أولًا. نحتفل بهذا اليوم لأننا أحفاد رجالٍ لم يعرفوا المستحيل، أبناء أمةٍ جعلت الدين في قلب سياستها، والعدل في أساس حكمها. إنه ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل لحظةٌ للتأمل، لنستلهم من الماضي قوةً لبناء المستقبل، ونستمد من التضحيات العظيمة روحًا تدفعنا للعمل والعطاء. في هذا اليوم، نرفع رؤوسنا فخرًا، ونقف وقفة عزٍ وامتنان، لأننا أبناء هذه الأرض المباركة، وأحفاد رجالٍ سطروا التاريخ بحروفٍ من ذهب. يوم التأسيس ليس مجرد احتفال، بل هو ميثاقٌ بيننا وبين هذا الوطن، أن نحافظ على إرثه، ونحمل رايته، ونبني مستقبله بكل إخلاص وعزيمة. حفظ الله مملكتنا الحبيبة الغالية، حكومةً وقيادةً وشعبًا طيبًا معطاءً خلوقًا. وكل عام وأنتم جميعًا بخير وسلام.