تواجه "المؤسسة" التي سعى رئيس الكتائب اللبنانية الراحل الدكتور جورج سعادة الى بنائها كي لا يبقى الحزب مقترناً باسم المؤسس الشيخ بيار الجميل فحسب، اول استحقاق جدي، فرضه الغياب المفاجئ لصاحب شعار "من المؤسس الى المؤسسة". والاستحقاق هو انتخاب رئيس جديد للحزب خلفاً لسعادة، الذي توفى اثر مرض عضال في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، الحادية عشرة قبل ظهر الأحد المقبل. ويشارك فيه 130 عضواً، هم أعضاء الهيئة الناخبة التي تضم نائبي الرئيس وأعضاء المكتب السياسي ورؤساء الندوات والمصالح والأقاليم وأعضاء مجلس الشرف واللجنة المالية العليا وبينهم 53 مندوباً للمناطق انتخبوا حديثاً. ويجرى الإنتخاب على دورتين: الأولى ويجب ان يحصل فيها المرشح على ثلثي اصوات الهيئة الناخبة، ليفوز، والثانية على الغالبية المطلقة. ف"المؤسسة" واجهت خلال رئاسة سعادة لها، 12 عاماً متتالياً، انقسامات عدة، بدءاً ب"انكفاء" او خروج جزء من "العسكر القديم" الذي رافق المؤسس في مسيرته، مروراً بالموالين للرئيس السابق أمين الجميّل، وصولاً الى الموالين لقائد "القوات اللبنانية" المحظورة الدكتور سمير جعجع الذي نافس سعادة على رئاسة الحزب عام 1992، وهُزم أمامه... وعلى رغم ذلك، استمر سعادة، بعدما راحت الوجوه الكتائبية المعروفة "تهجر" البيت المركزي، الواحد تلو الآخر، في سياسته منطلقاً من شعار آخر "منكمّل باللّي بقيوا"، وسط "معارضات" كتائبية من خارج الإطار الحزبي، تعتبر ان القاعدة الكتائبية موالية لها، وأن من بقي في "المؤسسة" يقتصر على بضعة آلاف، حتى ان الكتائبي القديم الوزير السابق جوزف الهاشم وصل به الأمر، قبل عامين، الى حد القول "لم يبقَ من الكتائب سوى الآرمة اللافتة". خمسة أعلنوا حتى الآن ترشحهم الى رئاسة الحزب هم: النائب الأول لرئيس الحزب منير الحاج، والنائب الثاني له كريم بقرادوني، وعضوا المكتب السياسي رشاد سلامة وسيمون الخازن، وحكمت حداد ... والباب ما زال مفتوحاً لأسماء أخرى، قبل إقفال باب الترشح الحادية عشرة قبل ظهر اليوم. والمعنيون بهذا الإنتخاب نوعان: العاملون من ضمن الإطار الحزبي، و"المعارضون" من خارجه. ولكل منهما هدفه. فالحزبيون اعتادوا رئاسة سعادة الذي كان يأخذ بصدره كل ما يلحق بالحزب وسياسته من اتهامات يطلقها "المعارضون" الحزبيون او غير الكتائبيين، وبينها انه همّشه وأخرجه من المعادلة السياسية، بدليل سقوط جميع مرشحيه في الإنتخابات النيابية الأخيرة، والذي كان يستوعب ايضاً التناقضات الناشئة داخل الحزب مهما بلغت، لكونه المرجع الأهم فيه. وعليه، يجد هؤلاء الحزبيون أنفسهم امام وضع جديد مربك لهم، في غياب الراعي، وإن كان المرشحون الخمسة يعلنون ان برنامجهم هو خط جورج سعادة. اما "المعارضون"، وهم 3 فئات، فتعاملوا مع هذا الإستحقاق كل من منظاره: الموالون للجميّل، ويقودهم نجله بيار الجميّل، وقد اتخذوا قراراً في اللحظة الأخيرة ب"المشاركة" في انتخابات مندوبي المناطق الى الهيئة الناخبة، والعاملون في اطار المعارضة الكتائبية برئاسة رئيس الحزب السابق الدكتور إيلي كرامة وآثروا ألا يشاركوا في هذا الإستحقاق، والموالون ل"القوات" الذين لم يظهر لهم تحرك يذكر. وحيال الوضع الناشئ بوجود خمسة مرشحين الى رئاسة الحزب، اجتمع ليل أول من امس عدد من اعضاء المكتب السياسي الكتائبي في منزل احدهم موريس سابا، في محاولة لإيجاد مخرج توافقي: اما بالإتفاق على رئيس تزكية، وإما بحصر المرشحين باثنين. وانبثقت منهم لجنة سداسية ستلتقي المرشحين الخمسة في منزل سابا مساء اليوم الثلثاء، على ان تجول عليهم لاحقاً لطرح الصيغ التوافقية، علماً ان المرشحين سيعقدون في ما بينهم اجتماعاً، في بحر هذا الأسبوع. وثمة من يسأل عما يميز مرشحاً بينهم عن الآخر، فيقولون انهم يلتزمون الخط الذي أرساه سعادة والقائم على الإنفتاح على كل التيارات اللبنانية وإعادة التوازن الى الحياة السياسية اللبنانية عبر تنفيذ اتفاق الطائف نصاً وروحاً، وتعزيز علاقات الحزب مع الدول العربية. وإذ يؤكد اكثر من كتائبي ناشط في المعركة الإنتخابية ل"الحياة" ان لا تدخل فيها لا من السلطة اللبنانية ولا من غيرها، يعتبرون ان الصورة النهائية للإستحقاق لم ترتسم بعد، نظراً الى صعوبة المعركة وإلى عدم اكتمال صيغ التحالفات، فضلاً عن انهم لا يعتبرون ان للمعارضين من خارج الحزب تأثيراً في الإنتخاب. وعما تردد ان الحزب سيشهد انقساماً جديداً في ضوء ما ستسفر عنه نتائج الإنتخاب، نفى هولاء الناشطون ذلك، ونقلوا عن الحاج وبقرادوني وسلامة، ان المعركة حبّية، وأن التنافس بينهم يفرضه نظام الحزب الديموقراطي، وأنهم ينصاعون لما تقرره الهيئة الناخبة. وبرز موقف لأرملة سعادة السيدة ليلى الخازن سعادة أكدت فيه انها على مسافة واحدة من المرشحين "خصوصاً انهم جميعاً من رفاق جورج ومن أهل البيت"، وأنها "ستتعاون مع من يُنتخب". وفي المقابل، ستعقد المعارضة الكتائبية برئاسة كرامة مؤتمراً صحافياً خلال اليومين المقبلين، لإعلان موقف من الإستحقاق الحزبي، وهي نشطت في اتصالات واجتماعات في ما بينها، ومع كتائبيين سابقين، لتوحيد صفوفهم. وكان ابرزها اجتماع بين كرامة والنائب السابق إدمون رزق، بعد قطيعة بينهما استمرت 15 عاماً، اثر خروج رزق والنائب السابق الراحل لويس أبو شرف على قرار المكتب السياسي التصويت للنائب حسين الحسين رئيساً للمجلس النيابي، بدلاً من الرئيس كامل الأسعد. وقد أشارت، مراراً، الى "تكوين الهيئة الناخبة في الحزب بقرارات إعتباطية وتعسفية، فضلاً عن المخالفات والتحالفات المشبوهة الرامية الى استفراد المعارضين". اما الشيخ بيار امين الجميّل فيقول ل"الحياة" انه استطاع والمجموعة التي تعمل معه، ضمن خط الرئيس الجميّل، "تشكيل حلقة من الرفاق والمسؤولين لمتابعة وضع الحزب، واتخذنا قراراً بالمشاركة في انتخابات المندوبين في آخر لحظة، لعلنا نتجاوز مرحلة الضياع والتناتش التي تسود الحزب، فنعيد جمع شمله الذي اصبح ضرورة اكثر من كونه علاجاً، خصوصاً انه يمرّ في وضع مرضيّ". وأوضح "اننا استطعنا تكوين مجموعة ضمن الهيئة الناخبة"، لم يكشف عن حجمها، لكنه قال "انها مؤثرة". وأعلن انه لا يفضل مرشحاً على آخر "لأنهم لا يملكون مشروعاً سياسياً، لكننا ندعم من يتبنى مشروعنا الذي يمثله الرئيس الجميّل، لإنقاذ الحزب من الأزمة التي يمرّ فيها، خصوصاً انه خرج من الحياة السياسية والإجتماعية، وتضاءل عدد المنتمين إليه في شكل مخيف". وأوضح "ان العلاقة مع كرامة والمجموعة التي تعمل معه جيدة، وأن ثمة تفاهماً قائماً، وإن كانا لم ينسّقا في شأن الانتخابات الأخيرة". ونفى اي نية لتشكيل حزب كتائب آخر، في حال لم تنجح المساعي المبذولة الآن لإيصال مرشح يتبنى طرح والده، مشيراً الى "خيارات كثيرة مفتوحة في هذا المجال". واعتبر ان منع الرئىس الجميّل من العودة الى لبنان في الوقت الذي حدده سابقاً، زاده قوة داخل الحزب وخارجه، فضلاً عن انه "عزز اقتناعنا بدعم العهد الجديد في لبنان في الحركة التصحيحية التي يقوم بها وتوفير كل إمكاناتنا في خدمته، لأنه الرهان الأخير لعودة السفينة اللبنانية الى الشاطئ الأمين". أيام قليلة تفصل الكتائبيين، "موالين" و"معارضين"، عن استحقاق يبدو للبعض عادياً على اساس انه حركة ديموقراطية بحت، وللبعض الآخر مفصلياً، إذ أي كتائب ستكون بعده؟ وفي الإنتظار، أنجزت صورة كبيرة لجورج سعادة ستوضع في صدر قاعة المكتب السياسي في البيت المركزي، الى جانب صورة المؤسس بيار الجميّل صورة سعادة اصغر منها 10 سنتيمترات، ليحتفل بإزاحة الستار عنها، بعد انتخاب رئيس للحزب.