اليوم وبعد مرور ما يزيد على عقدين على الصرخة التي فجرتها سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، في فيلمها "أريد حلاً" معبرة عن مآسي آلاف النساء، لا تزال نحو 20 ألف امرأة مصرية يطلقن الصرخة نفسها كل عام دون جدوى، بحثاً عن طوق النجاة الذي ينتشلهن من الركض في أروقة محاكم الأحوال الشخصية ساعيات وراء طلاق، أو نفقة، أو حكم بحضانة الأبناء وغيرها من البنود التي تدخل في اختصاص محكمة "الاحوال الشخصية" أو "الأهوال الشخصية"، كما يسميها كثيرون. والمآسي التي ترويها تعيسات الحظ ممن دفعتهن أقدارهن إلى محاكم الأحوال الشخصية أخصب من خيال أي مؤلف أو كاتب سيناريو. فهناك من مكثت 17 عاماً تنتظر صدور حكم بالطلاق، وأخرى ظلت وأطفالها تسعى للحصول على نفقة لأولادها بعد ما تركها زوجها دون قرش، وغيرها وغيرها... شهدت القوانين الخاصة بالأسرة في مصر حركة اصلاحية أولى في مطلع القرن الحالي، وأدخلت تعديلات أخرى في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. وفي العقدين الأخيرين، خضعت قوانين الأحوال الشخصية لحركة أخرى من التعديلات، تدور جميعها في فلك الشريعة الاسلامية. وأشهر تلك التعديلات كانت في 1979، حين صدر قرار جمهوري ب "تحرير" قوانين الأحوال الشخصية، عرف ب "قانون جيهان"، نسبة الى قرينة الرئيس أنور السادات التي كانت النصيرة الرئيسية للتعديل الذي قوبل بموجة عارمة من الاستياء، أغلبها من قبل الرجال، حتى اضطرت الدولة في 1985 الى إلغائه، والإبقاء على صورة مصغرة منه. ويشير تاريخ الشرق الأوسط إلى أن التغيير الذي يطرأ على قوانين الأحوال الشخصية مؤشر فعال للتغير الاجتماعي في المنطقة، وبمثابة باروميتر للجدل الدائر في وقت ما في دولة معينة. كما أنه دليل صادق على المساحة المتاحة للتعديل، وعلى الدور الذي تلعبه الدولة في شؤون الأسرة. ويشير الباروميتر في مصر حالياً إلى أن هناك مشروع قانون مقدم للمناقشة أمام مجلس الشعب من قبل وزارة العدل بالتعاون مع اللجنة القومية للمرأة، لتعديل قانون الأحوال الشخصية، لكن التغيير هذه المرة لا يهدف الى تعديل الفحوى بقدر ما يهدف الى تقليص الوقت الذي تستغرقه إجراءات التقاضي، إذ يسعى القانون الجديد إلى وضع حد أقصى ستة أشهر لإنهاء إجراءات التقاضي في قضايا الاحوال الشخصية، وهو ما يعتبر بُشرى لآلاف من المنتظرات إما للطلاق أو للنفقة أو لحضانة أطفالهن. كما أنه - في حال تطبيقه - سيقطع الطريق أمام رجال يستخدمون "كارت" استغراق قضايا الأحوال الشخصية سنوات طويلة، وسيلة لإذلال زوجاتهم، لا سيما أن في قدرة الرجل الذي ينفصل عن زوجته دون طلاق أن يستأنف حياته سواء بالزواج من أخرى، أو إنجاب أطفال، أو السفر إلى الخارج، بعكس الزوجة التي لا تستطيع أن تسافر إلى خارج مصر دون موافقة الزوج، ناهيك عن وضعها غير المحدد: فلا هي متزوجة ولا يحق لها الزواج لأنها على ذمة رجل آخر. والهدف الآخر من القانون الجديد هو إنشاء محكمة الأسرة في مصر، ويكون اختصاصها قضايا الأحوال الشخصية. وكان وكيل اللجنة التشريعية في مجلس الشعب المحامي إبراهيم النمكي وعدد من زملائه طالبوا في العام الماضي بإنشاء محكمة في هذا النوع تعرض عليها كل القضايا المتعلقة بالطلاق والنفقة والحضانة وغيرها، وذلك تيسيراً على المتقاضين بدلاً من التشتت في غير محكمة، فتكون قضية النفقة لزوجة ما منظورة أمام محكمة في الشرق، وقضية حضانة أمام أخرى في الغرب. وينبه النمكي إلى مسألة مهمة تعترض نساء عدة في إطار القانون المعمول به حالياً، وهي زواجهن عقب صدور حكم من محكمة الاستئناف بالطلاق، وانقضاء مدة العدة، في حين أن الزوج الأول قدم طعناً في الحكم أمام محكمة النقض. وفي حالة قبول الطعن، وحكم المحكمة بعودة الزوجة إلى الزوج الأول، هل يكون زواجها من الثاني أو انجابها منه شرعيين؟ ويوضح النمكي أن وزير العدل اقترح في المشروع الجديد إلزام المحكمة بالفصل في الحكم في حال الطعن في حكم الطلاق في مدة لا تتجاوز شهرين. ويتضمن القانون في طياته أفكاراً جديدة عدة، منها التزام الهيئات المختصة بدفع النفقة الشهرية التي حكمت بها المحكمة للمطلقة، وذلك فور صدور الحكم، على أن يلتزم الزوج بالسداد بعد ذلك. وهذا النص يضمن للمطلقة الحصول فوراً على مستحقاتها ومستحقات أولادها التي حكم بها القاضي، دون الحاجة الى انتظار الاجراءات الكثيرة، ومنها إدعاء الزوج عدم القدرة على دفع النفقة، ثم رد الزوجة برفع الدعوى لإجبار الزوج على الدفع، ما قد يستغرق شهوراً عدة. ويتولى بنك ناصر تسديد المستحقات على موظفي القطاع العام، فيما تتولى جهات أخرى، مثل الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية، الدفع حين لا يكون الزوج موظفاً في القطاع العام. كما يمنع القانون الجديد إقامة الدعاوى في غير دائرة قضائية. وثمة نقطة شائكة في مشروع القانون، إذ أنه ينص على أن يكون الحكم في قضايا النفقة والطلاق نهائياً منذ صدور الحكم الأول، أي أنه يغلق الباب أمام إمكان الاستئناف، ما قد يعتبر خرقاً للقانون الدولي، وهذه النقطة لم تحسم بعد. ويعيد مشروع القانون الجديد الصادر في العام 1925، الذي ألغي في العام 1979 والخاص "بشهادة الوسيط"، والمقصود به أنه في حال حدوث خلاف بين الزوج والزوجة، كان كلاهما يوسط شخصاً من أهله للصلح. فإذا فشلت محاولاتهما، كان القاضي يأخذ بشهادتيهما في المحكمة، ليثبت استحالة حياتهما المشتركة. لاستحالة الحياة بينهما. ويؤكد النمكي، بعكس ما نشرت صحف مصرية وأجنبية عدة أن مشروع القانون لا يتضمن نظام "الخُلْع"، والمقصود به تطليق الزوجة في مقابل تقديمها مبلغاً من المال لزوجها. وهو يختلف عن "الإبراء"، إذ "تبرئ" الزوجة زوجها بتنازلها له عن حقوقها المالية، فتحصل على الطلاق. مشروع القانون الجديد نوقش العام الماضي في مجلس الشورى المصري، وذلك في إطار تقرير عن تبسيط إجراءات التقاضي عموماً، وأبدت الحكومة وقتها ارتياحاً للفكرة. ويقول النمكي إن المشروع ارسل الى مجلس الدولة للمراجعة، وتمت الموافقة عليه، كما أرسل الى المفتي وشيخ الأزهر للتأكد من مطابقته لنصوص الشريعة الإسلامية.