في العامين 1904 و1905 حصد الروس الهزيمة اثر الهزيمة في مواجهاتهم المتعاقبة مع القوات اليابانية الزاحفة. فالحرب الروسية/اليابانية في ذلك الحين كانت منذ بداياتها وبالاً على جيوش القيصر الروسي، في وقت كانت فيه الاوضاع الروسية الداخلية نفسها شديدة السوء والخطورة. وفي شهر كانون الثاني يناير 1905 استسلمت القوات الروسية امام الزحف الياباني في بورت - آرثر، ما اسفر يومها عن مصرع 7700 جندي وعن جرح 15 ألفاً آخرين، وما اسفر كذلك عن استيلاء اليابانيين على كميات هائلة من الاعتدة الحربية الروسية. وفي شهر اذار مارس التالي، اصيب الروس بهزيمة اخرى، في مجابهة جديدة مع اليابانيين، حين اضطرت القوات الروسية الى الانسحاب من مدينة موكدن الاستراتيجية بعد ان بذلت مقاومة عنيفة لم تجدها نفعاً في نهاية الامر. وهذه المرة كانت الخسائر البشرية اكبر، لدى الطرفين، حيث قتل للروس 92 ألف جندي بينما فقد اليابانيون نحو خمسين ألفاً. غير ان هذا كله لم يكن شيئاً أمام الهزيمة الساحقة التي حلت بالروس يوم 27 ايار مايو من العام نفسه. اذ هذه المرة كانت الهزيمة من نصيب اسطول البلطيق الروسي، ذي السمعة الذهبية قبل ذلك. فهذا الاسطول الرهيب اندحر بشكل مفزع امام البحرية اليابانية عند مضيق تشوشيما الواقع في بحر اليابان بين الجزر اليابانية وكوريا. والاسطول كان قد قام برحلة بحرية مثيرة قبل ان يصل الى تلك المنطقة ليجد فيها نهايته. فهو انطلق من بحر البلطيق نحو المحيط الاطلسي، وهناك انقسم قسمين احدهما دخل البحر الابيض المتوسط والثاني التف حول رأس الرجاء الصالح في جنوب افريقيا، ثم التقى القسمان في شمال مدغشقر، بعد ان عبر القسم الاول قناة السويس. ومن مدغشقر توجه الاسطول بكامله نحو بحر اليابان، حيث تجابه مع الاسطول الياباني بقيادة الاميرال هيها شيرو توغو. ومنذ بداية المعركة تجلى، في الواقع، التفوق الياباني، على مستوى التسلح والتدريب، وكذلك على مستوى الاندفاع الوطني. وكان هذا التفوق المثلث العامل الحاسم الذي قرر سير المعركة البحرية الرهيبة، التي اسفرت يومها عن الحاق هزيمة فادحة. آنذاك، اثر انقضاء المعركة العنيفة، اعلن اليابانيون ان خسائرهم في القتال لم تتجاوز 116 قتيلاً. وفي المقابل تبين ان خسائر الروس عظيمة. فهم فقدوا 5 آلاف جندي، فيما وقع منهم في اسر اليابانيين ستة آلاف آخرين. اما بالنسبة الى الاسطول الذي كان، حين انطلاقه، يعدّ ستة وثلاثين قطعة تعتبر من جواهر قطع البحرية الروسية، فقد غرق من قطعه تلك عشرون قطعة، وتمكن اليابانيون من الاستيلاء على ست قطع. واما القطع الباقية فتمكنت من الفرار لاجئة اما الى مدينة فلاديفوستوك البحرية في الشرق الروسي، او في اتجاه العديد من المرافئ المحايدة. هذا بينما وقع قائد الاسطول الروسي الاميرال روجد ستفنسكي، في أسر اليابانيين. كانت تلك المعركة حاسمة، يومها، في مسار الحرب الروسية/اليابانية، حيث ان اليابانيين ضمنوا لانفسهم التفوق الكلي في اعالي البحار، اضافة الى النصر التام على الروس. وهذا النصر الياباني، ادى الى ضعضعة المعنويات الروسية، لا سيما لدى البحارة، حيث عمت الفوضى التي اسفرت عن الكثير من الحوادث ومنها مثلاً حادثة تمرد بحارة الدارعة "بوتمكين" في مرفأ اوديسا على البحر الاسود وهو التمرد الشهير الذي خلده السينمائي ايزنستاين في فيلم "الدارعة بوتمكين".