عقدت المحكمة العسكرية العليا في القاهرة جلسة أول من امس، بدأت خلالها النظر في قضية "النقابات المهنية" التي اتهم فيها 20 من قادة جماعة "الإخوان المسلمين" على رأسهم النائب السابق أمين الصندوق في مجلس نقابة المحامين السيد مختار نوح. ولعل ما جرى عقب الجلسة كان أهم مما جرى أثناءها اذ كانت هادئة ولم يشعر من حضروها بأنها جلسة لقضية سياسية. وعلى عكس ما اعتاد عليه الجميع في الجلسات الأولى للقضايا التي يُتهم فيها مدنيون أمام دوائر عسكرية، وبينها ثلاث قضايا نظرتها محكمة عسكرية في العام 1995 واتهم فيها أكثر من 80 من رموز "الإخوان" مرّت الجلسة هادئة وفاترة. وكان المحامون والمتهمون في المحاكمات السابقة امام المحكمة العسكرية يركزون هجومهم على القضاء العسكري، والمادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية التي تسمح بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وكذلك انتقاد حال الطوارئ واستخدام الرئيس صلاحياته في إحالة المعارضين على الدوائر العسكرية. وحرص غالبية المتهمين والمحامين في جلسة أول من أمس على ترسيخ الاعتقاد بأنهم مرتاحون لوقوفهم أمام القضاء العسكري، وهو أمر لا يمكن أن يحدث من دون أن يكون قادة "الإخوان" اشرفوا عليه أو على الأقل تم بموافقتهم. ولم يتحدث نوح أثناء الجلسة وأكد في التصريح الوحيد الذي أدلى به للصحافيين اثناء الاستراحة أنه متفائل وأنه لا يعترض على محاكمته أمام محاكم عسكرية. ويعلم من سمعوا كلام نوح أنه كان قاد العام 1995 فريقاً من المحامين الذين تولوا الدفاع في قضيتي الدكتور عصام العريان والدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، وانسحب اعتراًضا على كون المحاكمة تتم أمام القضاء العسكري. وأثيرت تساؤلات بين "الإخوان" في شأن المدى الذي ستصل إليه الجماعة للحصول على البراءة للمتهمين في القضية، والتنازلات التي ستقدم عليها في الفترات اللاحقة، أملا في كسب رضا الحكومة. وأكثر ما أثار استغراب من تابعوا الجلسة الأولى للقضية أن هيئة الدفاع عن المتهمين التي ضمت كبار المحامين من غير المنتمين الى الجماعة، سلكوا السلوك ذاته وكأنهم ابلغوا بالخطوط الحمراء التي لا يمكن أن يتجاوزوها بغض النظر عن الجوانب القانونية التي يجب ألا يفرطوا فيها. فكان لافتاً جداً أن غالبية المحامين اشادوا بالقضاء العسكري، وأكدوا ثقتهم وسجلوا شكرهم للمحكمة "على حرصها على الاجراءات"، لكن الأهم هو أن هيئة الدفاع لم تدفع في الجلسة الأولى بعدم اختصاص المحكمة في النظر في القضية، وهو أحد الدفوع القانونية التي لم تخل قضية واحدة نظرت أمام محكمة عسكرية منها سواء كان المتهمون المدنيون فيها من الاسلاميين الراديكاليين أو "الإخوان" أو حتى من الشيوعيين. وتساءل بعض "الإخوان" عقب الجلسة "الى متى سنظل نسجل شكرنا، ونؤكد ثقتنا في إجراءات المحكمة العسكرية؟ وهل سيتغير الموقف اذا صدرت أحكام قاسية بعد أن نكون فوتنا على أنفسنا والمتهمين فرصة خوض معركة سياسية ضد الحكومة؟". ما حدث في الجلسة لم يكن أول التنازلات التي يقدم عليها "الإخوان" فهي بدأت منذ القاء القبض على المتهمين، إذ كان واضحاً أن "الإخوان" عمدوا الى التهدئة وعدم اتخاذ ردود فعل عنيفة حتى على المستوى الإعلامي. وربما كانت المفاجأة والصدمة التي أصابت "الاخوان" عقب القبض على نوح وزملائه في منتصف شهر تشرين الأول اكتوبر الماضي، تسببت في حال عدم توازن. غير أن الحرص على عدم استفزاز الحكومة ومنع أي تصريحات أو إجراءات حتى لو كانت قانونية، قد يفهم منها أنها بمثابة تحدٍ من "الإخوان" للسلطة يشير الى أن المسألة تتعدى تصرفات جماعة اصيبت بالصدمة الى تنظيم اصيب بالارتباك. ويعتقد بعض "الإخوان" أن الأحداث التي مرت بها الجماعة منذ بداية العام 1996 حين خرج عليها عدد من شبابها وأسسوا "حزب الوسط" والتفاعلات التي جرت بعدها جعلت الأمور تسير داخل الجماعة وفقاً للظروف وحسب الاجواء المحيطة، بغض النظر عن ثوابت وأسس قامت عليها الجماعة وظلت تتبناها وتدافع عنها.