} في الملحق الفائت "الحياة" الجمعة 10 كانون الاول ديسمبر 1999 نشرنا الجزء الاول من هذه النظرة الاستعراضية الموجزة التي تحاول ان تطل على بعض ما حدث في السينمات العربية خلال العقد الاخير من السنوات. الجزء الاول تناول السينما المصرية. اما هذا الجزء الثاني والاخير فإنه يحاول، باختصار شديد، ان يطل على بعض السينمات العربية الاخرى، في سورية، كما في لبنان، وفلسطين وبلدان المغرب العربي. تعتبر السينما السورية من أقدم السينمات في المنطقة، ويأتي ترتيبها بعد السينما المصرية، كذلك تعد من أهمها، هي التي خاض عبء التجديد فيها عدد من المخرجين المبدعين في فترة الثمانينات الشبيهة بتلك الفترة السينمائية في مصر. من هنا فإن السينما السورية سينما مخرجين أكثر من أي شيء آخر، وأفلامها على جودتها قليلة العدد، لذا لا يمكن إدراجها تحت بند الصناعة بأي حال من الأحوال، وعلى سبيل المثال، يوجد في سورية مخرجون لامعون حققت أفلامهم القليلة الجيدة نجاحاً كبيراً خارج الحدود، ومنهم محمد ملص واسامة محمد وعبداللطيف عبدالحميد وسمير ذكرى وريمون بطرس ورياض شيا. وتعد "المؤسسة العامة للسينما" جهة الانتاج السينمائية السورية الوحيدة، في حين أحجم القطاع الخاص عن خوض تجربة الإنتاج السينمائي نظراً لخطورتها وعدم وجود منافذ تسويقية توزع الفيلم السوري، في حين دفع بكل ماليته في الإنتاج التلفزيوني. كذلك اتجه عدد من المخرجين الى العمل في التلفزيون أمثال هيثم حقي ونجدت إسماعيل أنزور، وباسل الخطيب. بالنسبة الى السينما تحقق أول انتاج لتلك المؤسسة في الثمانينات مع فيلم محمد ملص الشهير "أحلام المدنية" 1983 والذي تأثر فيه باستاذه المصري يوسف شاهين في ثلاثيته الذاتية. وصنع ملص فيلماًَ شبيهاً بالثلاثية الشاهينية. وجاء راصداً دمشق خلال حقبة التحولات السياسية وصولاً الى لحظة إعلان الوحدة المصرية - السورية 1958 - 1961، ثم حقق ملص بعد ذلك فيلمه الروائي الطويل الثاني "الليل". ثم حقق فيلمين تسجيليين وشارك رشيد مشهراوي في كتابة فيلم عن القدس. وسوف يخرج فيلماً عن الموسيقي المصري سيد درويش يكتبه حالياً الروائي المصري جمال الغيطاني. فيما يشرف على مكتبة السينماتيك العربي في مجمع أبو ظبي الثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة. وهناك أيضاً أفلام سورية مهمة منها مثلاً فيلم اسامة محمد الروائي الأول "نجوم النهار"، واسامة هو الآن في صدد تحقيق فيلمه الثاني "صندوق الدنيا". ويعد المخرج عبداللطيف عبدالحميد من أهم مخرجي التسعينات في السينما السورية، ويعد الوحيد من أبناء جيله الذي حقق وحده أربعة أفلام هي "ليالي ابن آوي" 1989، و"رسائل شفهية" 1992، و"صعود المطر" 1995، ثم أخيراً فيلمه الفذ "نسيم الروح" 1998، وتدور أحداث فيلمه الأخير في دمشق في زمن التسعينات، من خلال قصة حب محبطة، بين امرأة متزوجة وحبيبها السابق، ويتحرك المخرج طوال الفيلم بين الماضي والحاضر والواقع والخيال. وتدور معظم مشاهد الفيلم ليلاً، وامتزجت في هذا الفيلم كل العناصر السينمائية المميزة لسينما عبداللطيف عبدالحميد. وحقق فيلماً أشبه بقصيدة الشعر يتكيء على الجمال والحرية ويحلق نحو تحرير روح الإنسان من مساوئ عصر الحداثة الضاربة. وفي النهاية يرى الكثير من المهتمين بشؤون السينما في سورية انه لاپبد من مساعدة السينمائيين السوريين على تحقيق طموحهم السينمائي من خلال تحديث دور العرض، وزيادة التمويل الانتاجي ومشاركة أفلامهم في معظم دول المنطقة العربية من خلال العرض والمهرجانات، ودخول منتجي القطاع الخاص تجربة الإنتاج السينمائي في سورية. السينما اللبنانية.. الحرب ما تزال تؤرق الجميع علي الرغم من مضي ما يقرب من ربع قرن على بدء الحرب الاهلية اللبنانية 1975، مازال هاجس الحرب مسيطراً على عدد من أهم أفلام السينما اللبنانية، ولعل ابرز دليل على ذلك هو فيلم "بيروت الغربية" لمبدعه المخرج اللبناني الشاب زياد الدويري، والذي عرض في مهرجان لندن السينمائي ال 42، وحقق نجاحاً نقدياً كبيراً، وعرض ايضاً في صالات العرض الباريسية. ويعد الفيلم الروائي الطويل الاول لدويري، وامتاز فيلمه بنهله من السيرة الذاتية الخاصة بمخرجنا، إن لم يكن العمل كله سيرة ذاتية أوتوبيوغرافي. في هذا الفيلم يستدعي دويري ذكريات وقوفه على اعتاب بوابة المراهقة، تلك السنوات التي تمتزج فيها الدهشة بحقيقة اكتشاف العالم، يبدأ الفيلم العام 1975، نفس العام الذي بدأت فيه الحرب الأهلية تدق أبواب بيروت مدينة الاحلام العربية المقدسة، ومع كل خطوة يخطوها بطل الفيلم طارق باتجاه فقدان البراءة الجميلة تتساقط عن بيروتالمدينة ورقة اخرى من اوراق التوت، وتتجرد من ارديتها الجميلة لتكشف عن وجه يزداد قبحاً كل ساعة، مع تساقط القذائف وتصاعد اصوات الكلاشينكوف وانتصاب المتاريس والحواجز في الشوارع والازقة، الى ان تعلن طلاقاً بيناً بين شطريها، وتصبح المدينة بين عشية وضحاها مدينتين: غربية متطرفة، وشرقية مسيحية متعصبة، ويعد هذا الفيلم اقل جهامة ودموية من أفلام اخرى عديدة شاهدناها عن الحرب اللبنانية، واستغل دويري شخصية بطله طارق وصديقه عمر في رصد واقع الحرب وتأثيراتها على الحياة اليومية لسكان الحي وتدهورها يوماً بعد آخر. والفيلم في عمومه اقرب إلى مذكرات مراهق تصادف أن التقت لديه صدمة البلوغ واكتشاف عالم الجنس الآخر، مع صدمة اكتشاف اقبح ما في عالم الكبار: الحرب، فتفتحت مداركه على قبح العالم في نفس اللحظة التي استيقظت فيها غريزته المؤرقة بحثاً عن الاشباع وتأكيد الذات. يفضح فيلم "بيروت الغربية" عبثية الحرب اللبنانية في بلاغة آسرة، عبر اقامة هذا التناقض الحاد بين غرائز الحياة وغرائز الموت، وأفضل ما في هذا الفيلم عدم تعمد المخرج ترويع المشاهد بمشاهد من الوقائع الدموية للحرب، إلا حين اقتضت ضرورات البناء السردي في مواضع قليلة. والشيء المدهش في هذا الفيلم هو التناقض الصارخ بين المتحاربين نهاراً والمتحاربين ليلاً في بيت العاهرة "أم وليد" ما يؤكد ازدواجية الإنسان العربي وانتصار سطوة الجسد على الحرب في النهاية. ومن لبنان أيضاً، يجئ فيلمان مهمان آخران يؤكدان حيوية السينما اللبنانية الدافقة، وهما "اشباح بيروت" لغسان سلهب، و"متحضرات" لرندة الشهال الصباغ، وهما نالا استحساناً كبيراً لدى عروضهما المهرجانية او التجارية الأولى في باريس، كذلك مشاركة فيلم الصباغ في عدد من المهرجانات الغربية والاهتمام الكبير بفيلمها، كل هذا يؤكد أهمية السينما اللبنانية داخل نسيج السينما العربية الكبيرة وأهمية أفلامها ومخرجيها ومخرجاتها. السينما الفلسطينية.. ارق وجودي تشكل القضية الفلسطينية المعزوفة الاروع التي نسجها على منوالها المخرجون الفلسطينيون امثال ميشيل خليفي ورشيد مشهراوي وعمر القطان ومي مصري وليانة بدر، إلى جانب أفلام غاب عنها تأثير القضية، ولكنها قلة، واضافت بعض الافلام الى السينما والقضية الفلسطينية، وأضرتها بعض الافلام ذات اللهجة الصارخة المفتقدة ابجديات الفن في الغالب. يعد فيلم "حكاية الجواهر الثلاث" 1994 لميشيل خليفي والذي عرض في مهرجان كان في قسم "نصف شهر المخرجين" العام 1995، من افضل الافلام الفلسطينية وفي تاريخ مخرجه صاحب "الذاكرة الخصبة" 1980، و"معلولا تحتفل بدمارها" 1984، و"عرس الجليل" 1986، و"نشيد الحجر" 1990 الذي شارك به مخرجه في مهرجان كان في قسم "نظرة خاصة" العام 1990، و"نظام اليوم" 1992 واخيراً "زيجات ممنوعة" 1995. وحاول خليفي في هذا الفيلم تقديم خلاصة الفكر الصوفي العربي على المستويين الاسلامي والمسيحي، بلغة الحكواتي الاصيل الذي يحكي حكاية غربة الارواح في الوطن والجسد وعند حدود اللغة، كل ذلك في اطار سينمائي بديع. في هذا الفيلم يحكي خليفي قصة حب في غزة بين صبي في الثانية عشرة من عمره وفتاة غجرية فلسطينية في مثل سنه، ومن خلال قصة الحب هذه، يستعيد خليفي عشقه الارض والبحر والناس في فلسطين، محولاً الحياة اليومية لأهل المخيمات في غزة، إلى قصيدة شعر سينمائية بالغة الرهافة، وأراد خليفي عبر هذا الفيلم التأكيد على جمال غزة وطيبة وروعة وحنان فلسطين، والقمع الذي لا يزال يتعرض له الإنسان الفلسطيني، فليس هناك أسوأ من غربة الإنسان داخل وطنه بين ناسه وأهله. ويقترب من فيلم خليفي، فيلم مواطنه رشيد مشهراوي "حتى إشعار آخر" 1994 والذي عرض في قسم "اسبوع النقاد" في مهرجان كان العام 1994، ومن خلاله يرصد مشهراوي كيف يمكن ان تعيش اسرة فلسطينية في غزة، عندما يفرض جنود الاحتلال حظر التجوال، ثم يتربصون للناس في الشوارع، ويعتقلون الابرياء ويهدمون منزلاً لاشتباههم في تعامل سكانه مع المقاومة الفلسطينية في الارض المحتلة. ويختلف عن خليفي الشاعر، فمشهراوي، واقعي مباشر صريح، عفوي، ينطلق كأطفال الحجارة، فلا وقت لديه في ظل قمع الاحتلال لنظم أية أشعار. وهذا الفيلم اتبعه مشهراوي بفيلم آخر هو "حيفا" 1996 وعرض أيضاً في قسم "نظرة خاصة" في مهرجان كان، وكان اقرب الى روح الافلام الواقعية التسجيلية. وآثار فيلم "سجل اختفاء" 1996 لايليا سليمان المخرج الفلسطيني المقيم في الدولة العبرية باعتباره من عرب 48، قلاقل كثيرة حين منح جائزة افضل فيلم فلسطيني اعده مخرج فلسطيني وصور في اسرائيل، فأتهم المخرج وفيلمه بالتطبيع مع اسرائيل من خلال تمويلها فيلمه. واثار اللغط كذلك مشهد النهاية الذي اظهر العلم الاسرائيلي مرفرفاً على شاشة التلفزيون الاسرائيلي، وأثار سليمان بهذا الفيلم حقيقة هوية فلسطينيي 1948 داخل الارض المحتلة التي تسيطر عليها اسرائيل، فهاجمه الكثير من النقاد العرب، حتى مُنع من المشاركة في بانوراما السينما الفلسطينية التي اقامتها وزارة الثقافة الفلسطينية والمصرية في مهرجان الاسكندرية السينمائي الاخير. سينما المغرب العربي.. تنويعات على لحن واحد تعد سينما المغرب العربي في أقطارها الثلاثة: تونس، والجزائر، والمغرب، سينما نخبوية، تخاطب جمهوراً معيناً في مخيلة صناعها ولا تسعى الى القاعدة العريضة من الجمهور، وحقق بعض افلامها نجاحات كبيرة في عدد من المهرجانات الغربية، والتي تسعى الى مخاطبتها في الغالب، وهي تعتمد في تمويلها على الدعم الغربي في الغالب ايضاً، وهناك اسماء سينمائية كبيرة في هذه الدول الثلاث، ففي تونس نجد نوري بوزيد وناصر خمير ومحمود بن محمود وفاضل الجعايبي وفريد بوغدير ومفيدة التلاتلي، وناجية بن مبروك وعبداللطيف بن عمار وابراهيم باباي وكريم دريدي والطيب الوحيشي، في حين تحفل الجزائر بأسماء كبيرة في دنيا الإخراج السينمائي امثال محمود زموري ومرزاق علواش ومحمد شويخ ورشيد بن حاج، وفي المغرب يوجد جيلالي فرحاتي وفريدة بنليزيد ومحمد عبدالرحمن التازي والطيب الصديقي وسهيل بن بركة وعبدالقادر لقطع وسعد الشرايبي. وتشكل السينما المغاربية في عمومها سينما ذات طابع خاص واسلوب متطور ومستوى فني مرتفع، وهذا نستطيع أن نلحظه في معظم أفلامها مثل "حلفاوين" أو "عصفور السطح" 1990 لفريد بوغرير أو "صمت القصور" 1994 لمفيدة التلاتلي او "السامة" 1982 لناجية بن مبروك، أو "باب السماء المفتوح" 1988 و"كيد النساء" 1998 لفريدة بنليزيد، أو "أطفال الشاطئ الضائعون" 1992 لجيلالي فرحاتي، أو "صفائح من ذهب" 1989 أو "بنت فاميليا" 1997 لنوري بوزي أو "باب الواد الحومة" 1994 و"سلاماً يا ابن العم" 1996 لمرزاق علواش، أو "من هوليوود إلي تمنراست" 1990 لمحمود زموري، و"توشيا" 1995 و"يوسف أو أسطورة النائم السابع" 1993 لمحمد شويخ، أو "طوق الحمامة المفقود" 1994، و"الهائمون" 1984 لناصر خمير.