بعد عشرة ايام من اعلان الجنرال جاروزلسكي، حالة الطوارئ في بولندا، اثر اشتداد المعارك بين السلطات الشيوعية الحاكمة، ونقابات "التضامن" التي باتت يومها ذات شعبية هائلة، تحرك البيت الابيض في واشنطن ليعلن موقفه، هو الذي كان - منذ البداية - مؤيداً للتضامن بقوة، راغباً في استخدامها لإضعاف النظام الشيوعي هناك. جاء تحرك البيت الابيض، يوم 23 كانون الاول ديسمبر من ذلك العام 1981، على شكل قرار اتخذه الرئيس رونالد ريغان، وسيسجل له تاريخياً، انه كان واحداً من اقسى وأعنف القرارات التي اتخذتها واشنطن في ذلك الحين، ازاء دولة اجنبية وتتعلق بالشؤون الداخلية لتلك الدولة. والحال ان ريغان لم يكتف يومها باتخاذ قراراته، بل اعلنها بنفسه، موجهاً في الوقت عينه سلسلة من التهديدات والعبارات القاسية، ليس الى سلطات وارسو وحدها، بل كذلك الى سلطات موسكو، هو الذي كان يرى في مجيء جاروزلسكي الى السلطة في بولندا، واعلان هذا الاخير حالة الطوارئ، تدخلاً خطيراً من موسكو في الشؤون الداخلية لبولندا، وإمالة للميزان لما فيه صالح سلطات هذه الاخيرة، بعد ان كان ذلك الميزان مائلاً لما فيه صالح "التضامن" المدعومة من الغرب بقوة. وكان من خصائص ذلك الموقف الرئاسي الاميركي، انه سجل، بصوت ريغان، لكي يذاع ضمن رسالة عيد الميلاد التي يستمع اليها عشرات ملايين الاميركيين عادة، ناهيك بأنه سجل ايضاً باللغة البولندية لكي يبثها راديو صوت اميركا الذي يبث في بولندا بلغة هذه الاخيرة. في خطابه العنيف، وغير المعتاد ذاك، ندد الرئيس الاميركي ب"الاغتيالات والاعتقالات الجماعية" كما ندد بفتح "معسكرات للاعتقال" في بولندا متهماً سلطات هذه الاخيرة بأنها "خرقت اتفاقية غدانسك المتعلقة بالحرية النقابية وبحق الاضراب" وبأنها داست بأقدامها "ميثاق الأممالمتحدة واتفاقيات هلسنكي". غير ان هذا كله ظل في حدود المعقولية، لأن ما استوقف الناس يومها كان ما يتجاوز ذلك: كان الاتهام الذي وجهه ريغان الى موسكو عبر قوله: "ان الاحداث المأسوية التي تعيشها بولندا، تسببت بهذا الشكل السريع عن الضغوطات العلنية والسرية التي مارسها الاتحاد السوفياتي … ولم يكن من قبيل المصادفة،" قال ريغان مؤكداً، "ان الماريشال السوفياتي كوليكوف، قائد قوات حلف وارسو، وغيره من كبار ضباط الجيش الاحمر، كانوا في بولونيا حين راحت تقترف تلك الاعمال العنيفة. كما انه ليس من قبيل المصادفة ان الاعلان عن فرض قانون الطوارئ، الذي اصدرته الحكومة البولندية في شهر كانون الاول ديسمبر، كان طبع في موسكو منذ شهر ايلول سبتمبر". هذا من ناحية موقف ريغان. اما بالنسبة الى الخطوات الفورية التي اتخذتها السلطات الاميركية رداً على ما يحدث، فنذكر ان هذه السلطات قررت على الفور وقف تسليم المواد الغذائية الى الحكومة البولندية. ومع هذا اعلن الرئيس ريغان ان الشحنات المتفق عليها سلفاً والمبرمجة، هي وحدها التي سوف تسلم "شرط ان تصل الى الجهات الحقيقية التي تُرسل اليها". اما بالنسبة الى المساعدة الرسمية فإنها لن تستأنف قبل الحصول على ضمانات جدية "اننا نريد ان نكون واثقين"، قال ريغان، "ان كل حبة غذاء تقدمها اميركا سوف تصل الى الشعب البولندي، لا الى قامعيه". وفي هذا الاطار نذكر ان واشنطن اعلنت في اليوم نفسه ثلاث عقوبات جديدة: - اولاها ان بولندا لن تستفيد بعد الآن من قروض اميركية للصادرات. - ثانيتها، ان الطائرات البولندية لن يسمح لها بالهبوط في المطارات الاميركية. - وثالثتها، ان مراكب الصيد البولندية لن يسمح بها بالتجول في المنطقة البحرية الاقتصادية الاميركية. وهو ما كان مسموحاً به لتلك المراكب، استثنائياً، منذ العام 1977. وأعلنت هنا ان المحللين اشاروا يومها الى ان اياً من هذه العقوبات لا يمكن ان يكون له تأثير حاد على بولندا، لأنها تطاول مجالات ليست ذات اهمية اقتصادية قصوى بالنسبة الى البولنديين. مهما يكن في الأمر فإن ريغان لم يفته، في خضم ذلك، ان يوجه رسالة الى جاروزلسكي ينبهه فيها الى الموقف الاميركي وينذره ب"النتائج الوخيمة" التي سوف تترتب على مواصلة قمع الشعب البولندي، كما بعث برسالة الى بريجنيف يقول له فيها انه "اذا تواصل القمع، فان الولاياتالمتحدة ستضطر الى اتخاذ اجراءات ملموسة، سياسية واقتصادية، تضر بعلاقات البلدين". الصورة: رونالد ريغان، غاضب.