سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة الحادية والعشرون . سكوكروفت : أجمعنا على تشجيع الاصلاح والتحرر في اوروبا الشرقية بحوافز لكننا افتقرنا الى الموارد اللازمة لتقديم مكافآت حقيقية تعالج مشكلاتها الاقتصادية
} يركّز الجزء الاخير من الفصل الثاني من كتاب "عالم تحوّل"، وعنوانه "من النظرية الى الممارسة" على متابعة ادارة بوش ل "القوة" التي أطلقها الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف ولم تكن نتائجها معروفة، وعلى أوضاع بلدان اوروبا الشرقية، وهدف خفض القوات المسلحة السوفياتية هناك، وسبل تشجيع هذه البلدان على الاصلاح والتحرر من دون إثارة موجات قمع من جانب السوفيات وأنظمة الحكم الشيوعية المحلية. كما يتناول قضايا الحدّ من الأسلحة واحتمالات اعادة توحيد المانيا. يقول برنت سكوكروفت: "طلبت من الرئيس تأخير الاجتماع الخاص بأوروبا الشرقية كي نستطيع اولاً عقد جلسة تغطي اوروبا كلها…". ثم يروي الكتاب: في افتتاح النقاش، عرض سكوكروفت القضايا أمامنا. قال ان سياسة اميركا بعد الحرب نحو اوروبا والاتحاد السوفياتي كانت ناجحة، اذ تم احتواء الاتحاد السوفياتي لأربعة عقود وازدهرت اوروبا الغربية. لكننا امام فترة تغيّر سريع مع انحسار المجابهة بين الشرق والغرب. قال ان من المسائل المركزية استقرار الاتحاد السوفياتي ومهما يكن تفكير غورباتشوف فإنه يحرّك قوة بطريقة نتائجها غير معروفة - حتى بالنسبة اليه. ومع تذكّري أن ذلك البلد كان، وسيبقى، قوة عسكرية كبيرة، هناك ثلاثة جوانب على الاقل لما يتكشّف الآن، أوّلها الاصلاحات الاقتصادية: هل نواجه جيلاً من الغليان والشلل، سواء نجحت تلك التغييرات أم فشلت؟ والوجه الآخر هو عملية الاصلاح السياسي. هل ستُنتج حياة خاصة بها أم ستنتهي بمزيد من القمع؟ والثالث هو القومية. هل سيصبح الصراع بين المجموعات القومية والسلطة السياسية المركزية معركة كبرى؟ أما اوروبا الشرقية فطالما كانت قطاع أمن سوفياتياً، وعدم الاستقرار هناك يتخذ أبعاداً قابلة للإنفجار. ما هو هدف الولاياتالمتحدة هناك؟ هل اوروبا الشرقية مجرد أداة لاستهداف الاتحاد السوفياتي، أم نريد التشديد عليها من أجلها هي؟ وأخيراً هناك احتمال الوحدة الاوروبية. هل نحن ننظر الى قوة عظمى جديدة محتملة في اوروبا الغربية؟ لقد كان هناك دائماً قدرٌ من المشاعر الاميركية المتضاربة تجاه الوحدة الاوروبية ولم يكن واضحاً ما اذا كانت مضامين الإندماج والوحدة الاوروبية طيبة او سيئة للولايات المتحدة. قد يجعل عِمادٌ اوروبيٌ حلفَ شمال الاطلسي اكثر كفاءة. هل يمكن ان يكون ايضاً بديلاً للقوات الاميركية؟…. أدى الاحتلال السوفياتي لأوروبا الشرقية بأعداد ضخمة من الجنود الى مواجهة بعضهم البعض عبر الستار الحديد. غير انه كان هناك سبب رئيسي آخر للقوات العسكرية في اوروبا الوسطى - المانيا مقسّمة نتيجة للحرب العالمية الثانية وطال أمد تقسيمها بسبب المواجهة في الحرب الباردة. كان لإعادة توحيدها المحتملة مع انحسار سيطرة موسكو مضامين خطيرة بالنسبة الى كلٍ من الاتحاد السوفياتي وجنوب غربي اوروبا. هل ستستبعد اوروبا موحدة وفقاً لما هو مبيّن في معاهدة ماستريخت كل هذه المشكلات والمخاطر المحتملة؟ في النقاش الذي تلا ذلك كان هناك إجماع على اننا ينبغي ان نغيّر استراتيجينا نحو اوروبا الشرقية وفقاً للخطوط التي أُثيرت خلال عملية الانتقال: سنركّز على تشجيع تحركات نحو الاصلاح وضمان خفض القوات السوفياتية او إزالتها ولكن مبادراتنا يجب ان تكون جريئة. أشار سكوكروفت الى ان الولاياتالمتحدة تخسر المعركة مع غورباتشوف على التأثير في اتجاه اوروبا. فالزعيم السوفياتي يبشّر بأن الحرب الباردة قد انتهت وبأن علينا ان نفكّك بُنياتها بالرغم من انه لم يقل شيئاً عن مستقبل القوات السوفياتية في اوروبا. برنت سكوكروفت قدّمت نسخة عن مبادرة كنت قد قدّمتها للرئيس للمرة الاولى خلال الفترة الانتقالية: سحب كل من القوات البرية الاميركية والسوفياتية الموجودة في اوروبا الوسطى. كان هذا سليماً من الناحية العسكرية لأن حلف شمال الاطلسي من دون معظم قواته الاميركية أفضل من حلف وارسو من دون القوات السوفياتية. ولكن من شأن خطوة كهذه، من ناحية اساسية، ان تخفّض الوجود الخانق للقوات السوفياتية في اوروبا الشرقية - وهذا أحد أهدافنا. بدا ديك تشيني مذهولاً، وأجاب بأن من السابق لأوانه النظر في مثل هذه الخطوة الجوهرية. قال ان علينا ان ننتظر لنرى ما يحدث في الاتحاد السوفياتي. واقترح بدلاً من ذلك ان نتحدى غورباتشوف لعملية حسابٍ للإنفاق الدفاعي، وفق اسلوب المكاشفة غلاسنوست. وتقدم جيم بيكر باقتراحه الخاص…، وقال ان إزالة الدبابات، بعكس سحب الجنود، يمكن عكسه بسهولة واننا لن نفعل بعد شيئاً ذا طبيعة دائمة. أغفلت فكرة بيكر نقطتي الرئيسية…. كان ذلك اول اجتماع للاستراتيجية العامة لنا، وكان مهماً من نواحٍ عديدة. كان هناك إجماع على تشجيع الاصلاح والتحرر في اوروبا الشرقية بأسرع معدل يمكن الاستمرار فيه. وجاءت الممانعة الوحيدة في ما بعد من وزارة الخزانة، لا بشأن قضية الاستراتيجية الكبرى، وانما بسبب مسألة أضيق هي المكافآت لقاء التقدم في الاصلاحات الاقتصادية…. بينما تحدثنا عن تخفيضات الاسلحة التقليدية في اوروبا كجزء من مناقشات مجلس الامن القومي، كان الحدّ من الاسلحة النووية موضوعاً منفصلاً ومعقداً في مراجعاتنا. اذ كان في نهاية الامر يشكّل لبّ سياستنا نحو السوفيات لعشرين عاماً. وحتى الآن كانت المفاوضات في شأن الموضوع تجرى في فراغ سياسي الى حدّ ما، لأن العلاقات بين البلدين كانت علاقات مجابهة الى حدّ كبير. وقد نشأ تناقض عندما حاول الخصوم التعاون في هذا الموضوع الشائك. وتغلبنا على هذه المفارقة بفصل الحد من الاسلحة عن العلاقة السياسية ومعالجتها كمسألة عسكرية تقنية… كنت مقتنعاً بأن الهدف الاول للحدّ من الاسلحة يجب ان يكون الاستقرار، وليس التخفيضات من اجل ذاتها. يجب علينا في المقام الاول ان نسعى الى تجنّب وضع يخشى فيه الجانبان او أحدهما من انه اذا لم يستخدم اسلحته النووية اولاً فسوف يُدمَّر، او، على العكس من ذلك، اذا استخدم أسلحته اولاً فسيُحقق ميزة حاسمة. وهذا النوع من عدم الاستقرار خطير لأنه يشجع تصعيد أي أزمة بين الجانبين الى صراع شامل…. على صلة بالحدّ من الاسلحة كانت مسألة قمة أميركية - سوفياتية…. كان من أركان الإيمان تقريباً بالنسبة اليّ ان اجتماعات القمة المُعد لها إعداداً رديئاً او التزيينية هي قمم خطيرة لجهة انها تخدم في كل الأحيان تقريباً الأهداف السوفياتية. وما لم يتم إحراز إنجازات جوهرية، في ميدان الحدّ من الاسلحة مثلاً، فسيستطيع السوفيات الإفادة من النتيجة الوحيدة المتبقية - أي المشاعر الطيبة التي يولّدها الاجتماع… لقد أوجد خطاب غورباتشوف في الأممالمتحدة، بتأنق لفظي الى حدّ كبير، جواً من التفاؤل العارم. ويمكنه ان يستغل اجتماعاً مبكّراً مع الرئيس الجديد كدليل يُعلن على اساسه ان الحرب الباردة قد انتهت من دون ان يقوم بأعمال ملموسة من جانب اتحاد سوفياتي "جديد" …. خلال ربيع 1989 اشتكى المنتقدون من بطء عملية المراجعة، متوقعين أننا ببساطة سنواصل اتباع السياسات التي ورثناها من ادارة ريغان. كانت الصحافة تسأل يومياً تقريباً متى ستكتمل المراجعات وتكهنت بأنها لا تنتج أي شيء له قيمة. وبدأت تظهر قصص في آذار مارس بأنها غطاء لحقيقة ان الادارة ليس لها فلسفة، او مخطط، او استراتيجية، وانها تتخبّط. غير انه كانت صحيحاً ايضاً ان المراجعات كانت عذراً يمكننا استخدامه بالنظر الى أننا لم نكن بعد مستعدين لكشف استراتيجتنا علناً …. الآن وقد أخذنا نتمكن من القضايا الرئيسية في الاستراتيجية والسياسة، حان الوقت للبدء في التفكير ببرنامج لكشف الستار عن اطارنا الاستراتيجي … قررنا ان يعرض الرئيس بوش استراتيجيته نحو اوروبا والاتحاد السوفياتي في اربعة خطابات: واحد عن كل من اوروبا الشرقية، واوروبا الغربية، والاتحاد السوفياتي، والدفاع والحدّ من الاسلحة. تابعت ادارة بوش تطورات مفاوضات مائدة مستديرة بين الحكومة البولندية ونقابة التضامن. ويقول الكتاب ان المائدة المستديرة "توصلت الى اتفاق كان مؤذِناً بتغيير شامل في النظام السياسي البولندي. أُعطيت التضامن صفة قانونية، وأُوجد منصب جديد وقوي لرئيس جمهورية، والحال كذلك بالنسبة الى مجلس شيوخ جديد مكوّن من 100 مقعد. وسيُسمح للمعارضة بالتنافس على مقاعد مجلس الشيوخ، وعلى 161 من مقاعد البرلمان سيم الحالي ال 460. سُررنا بالنتيجة… كان الاتفاق التاريخي، الذي وُقّع بعد يومين، اشارة الى نهاية احتكار الحزب الشيوعي البولندي للسلطة لخمسة واربعين عاماً. وبدا الآن من المؤكد ان بولندا تتحرك نحو تطور سياسي ذاتي خارج نطاق السيطرة الشيوعية، وان العملية تتطلب دعم الولاياتالمتحدة وتشجيعها…". برنت سكوكروفت بما اننا كنا في نيسان ابريل فقط فإن الخطاب عن السياسة تجاه اوروبا الشرقية لا بد من توجيهه قبل موسم احتفالات التخريج. بحث المخططون في البيت الابيض عن مكان مناسب. واهتدوا الى بلدة هامترامك، ميشيغان، وهي من جيوب ديترويت ومكان طبيعي للخطاب…. كانت مسائلُ طبيعةِ، وكمية، وظروف اي مساعدة سنكون على استعداد لتقديمها الى اقتصادات اوروبا الشرقية اللاهثة اكثر صعوبة. وطوفت كوندي رايس في الجناح التنفيذي بسرعة بحثاً عن برامج يمكن ان نستمدّ منها معونة لبولندا ودول اوروبا الشرقية الاخرى. كانت الميزانيات محكمة في كل مكان، وألقى العجز الاتحادي الهائل بسحابة على أي إنفاق إضافي…. يقول الكتاب بعدئذ: أدى النص النهائي الغرض الذي أردناه، وتحدث الرئيس بوش بشعور في 17 نيسان ابريل في قاعة بلدية هامترامك. وللاعتراف بالاصلاحات الجارية في بولندا وتشجيع مزيد من الخطوات نحو اقتصاد السوق، اعلن بعض الاجراءات التجارية والمالية المحددة. قال اننا سنسعى لاعطاء بولندا فرصة الإفادة من إعفاءات التعرفة، وسنقترح على اصدقائنا وحلفائنا اعادة جدولة لديونها، وسنطلب من الكونغرس السماح لهيئة الاستثمارات الخاصة في ما وراء البحار بالعمل هناك، وسندعم قروضاً من هيئة التمويل الدولي، ونشجع صندوق النقد الدولي على ان يضع مع بولندا سياسات اقتصادية سليمة باتجاه السوق، ونشجع مبادلات الديون بالشراكة ونعرض مفاوضات بشأن اتفاق في مجال مصالح الاعمال يفصّل التعامل بين الشركات الاميركية ومصالح الاعمال الخاصة البولندية، واعلن انه اذا نجحت تجربة بولندا فقد تتبعها بلدان اخرى. وبينما سنظل نميّز في سياستنا بين دول اوروبا الشرقية، فإن بولندا تقدّم درسين. الاول، انه لا يمكن حدوث تقدم من دون تحرر سياسي واقتصادي مهم. والثاني، ان المساعدة من الغرب ستأتي مرافقة للتحرر. وأظهرت قائمة حوافز الاصلاحات الطويلة التي عُرضت في الخطاب بوضوح محرج إفتقارنا للموارد اللازمة لتقديم مكافآت حقيقية لاوروبا الشرقية. وبينما كانت تلك بداية، فإن اي مراقب جدي كان سيرى ان الاستجابة لم تكن كافية في الواقع لمعالجة حجم المشكلات التي تواجه اقتصادات اوروبا الشرقية. جورج بوش زيّنت هامترامك نفسها باسلوب احتفالي وكانت هناك أعلام أميركية في كل نافذة وأعلام أصغر في ما بدا انه كل يد. كانت العواطف مرتفعة وأصغى الجمهور المتحمّس بعناية فيما أزحت الستار عن برنامجنا. كان جمهوراً متنوعاً ومتعاطفاً مهتماً بصورة خاصة بالتضامن التي تم الاعتراف بها رسمياً في نفس اليوم الذي تحدثت فيه. وقد تمتعت باختتام زيارتي بغداء رائع من الطعام البولندي في مطعم محلي. كانت تلك بلدة صغيرة تمثّل تنوّع أميركا العرقي في أحسن أشكاله. غير انه كانت للزيارة حاشية. فعلى مسافة بعيدة خلف الجمهور كان هناك قاتل مسلّح جاء ليقتلني. وقد رُدع عن الاقتراب بآلات اكتشاف المعادن. وبعد الخطاب ذهب الى واشنطن حيث حاول، وهو كامن في انتظاري، اعتراضي في مطعمين مختلفين كنا، باربرا وأنا نزورهما احياناً. ومن حسن الحظ أننا لم نخرج قط بينما كان منتظراً. وقد غادر البلدة وأُوقف على الساحل الغربي حيث اعترف. برنت سكوكروفت لقد اتخذنا خطوتنا الرئيسية الاولى بشأن اوروبا الشرقية. كانت تلك مجرد بداية لكنها كانت خطوة حاسمة الاهمية نحو محاولة الإفادة من علائم الذوبان في الدول الشيوعية في اوروبا وتوجيه الأحداث في اتجاهات مثمرة، ولكن بسرعة يمكن لموسكو ان تقبل بها. كان جهداً جدياً لمعالجة المسائل المركزية في الحرب الباردة. وبالرغم من ان هذا كان الخطاب الاول للرئيس عن السياسة الخارجية، فإنه لم يستحق في الولاياتالمتحدة مجرد نظرة عابرة تقريباً.… بالتأكيد لم يكن الاستقبال على ذلك النحو في اوروبا والاتحاد السوفياتي حيث أُعطي الخطاب تغطية حذرة. وانقسمت صحافة اوروبا الشرقية وفقاً للمواقف التي اتخذتها أنظمة الحكم المتنوعة من قضايا الاصلاح وجاذبية تقاسم المساعدة من الولاياتالمتحدة. وهكذا كانت ردود الفعل البولندية والهنغارية ايجابية بحذر، بينما كانت بلغاريا غير مهتمة وكانت تشيكوسلوفاكيا والمانياالشرقية سلبيتين ورومانيا صامتة. وكان رد الفعل السوفياتي مختلطاً. كانت برافدا محبّذة بصورة عامة…، كانت اذاعة موسكو الدولية اكثر انتقاداً واعلنت ان الخطاب ككل كانت له صبغة مواجهة وأوحت بأن الرئيس قد عاد بوضوح الى نظرية دحر الشيوعية في اوروبا الشرقية …. استغرقت الدعاية لخططنا للسياسة المستقبلية نحو الاتحاد السوفياتي وقتاً أطول… وأعلنا الاستراتيجية في خطاب الرئيس يوم 12 ايار مايو في جامعة تكساس "أيه اند إم" في كولدج ستيشين. وعكس قسم كبير من خطاب تكساس لغة مذكرات مجلس الامن القومي: ستنتقل الولاياتالمتحدة الى ما وراء احتواء التوسع السوفياتي. سنسعى الى دمج الاتحاد السوفياتي في أسرة الأمم. سنعلن التزاماً مساوياً للتحركات السوفياتية نحو مزيد من الانفتاح والسلوك المسؤول بخطوات من جانبنا. وفي النهاية، سيكون هدفنا الترحيب بالاتحاد السوفياتي من جديد في النظام العالمي ولكن سيتعين على موسكو ان تُظهر إخلاصها: يقول الاتحاد السوفياتي انه يسعى الى التوصل الى سلام مع العالم وينتقد سياساته في فترة ما بعد الحرب. هذه كلمات لا يسعنا إلا ان نطري عليها، ولكن علاقة جديدة لا يمكن ان تأتي بمجرد إعلان من موسكو او ان يمنحها آخرون. يجب اكتسابها. يجب اكتسابها لأن الوعود ليست أبداً كافية. سيتعين على السوفيات اتخاذ خطوات ايجابية، مثل تخفيض قواتهم التقليدية، والسماح بحق تقرير المصير لأوروبا الشرقية كلها إزالة الستار الحديد، والعمل مع الغرب على تنفيذ اجراءات عملية لتحقيق حل ديبلوماسي للنزاعات الاقليمية في انحاء العالم، وإحراز تعددية سياسية ذات ديمومة واحترام لحقوق الانسان، واخيراً، الانضمام مع الولاياتالمتحدة في معالجة المشكلات العالمية مثل الاتجار بالمخدرات والبيئة…. يوضح الكتاب ان "خطاب الرئيس في جامعة بوسطن في 21 أيار مايو كان الثالث في السلسلة. وكانت هناك حفلة تخريج غير اعتيادية، لجهة ان الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران تحدّث ايضاً. سافر الرئيسان معاً الى بوسطن من اجتماعاتهما في كينيبنكبورت وعقدا مؤتمراً صحافياً مشتركا في ما بعد. وبالرغم من ان خطاب بوسطن كان في صورة رئيسية عن اوروبا، فقد شدّد الرئيس بوش على تفاؤلنا المعتدل في التعامل مع السوفيات، مثنياً على التغييرات التي كانوا يجرونها، ولكن مشدداً على انه بينما تعد التغييرات في الاتحاد السوفياتي دراماتيكية، فإنها بعيدة عن ان تكون كاملة. كانوا ما يزالون يملكون آلة عسكرية هائلة، وسنعطي أولوية عالية للتفاوض على اوروبا منزوعة السلام. وقال للطلبة: اننا نريد "سلاماً حقيقياً، سلام تفاؤل مشترك، لا سلام معسكرات مسلحة". برنت سكوكروفت ألقى الرئيس بوش الخطاب النهائي من الاربعة في أكاديمية حرس السواحل في 24 أيار مايو …. على نحو يليق بالمكان، تعامل النص مع الاستراتيجية العسكرية والحدّ من الاسلحة لفترة التسعينات، موضحاً اننا نعتزم الاحتفاظ برادع نووي فعّال لكننا سنسعى الى مقاربة لخفض الأسلحة من شأنها ان تسمح باستقرار عند أدنى عدد من الاسلحة نعتبره متعقلاً. وأجمل الرئيس جوهر مراجعتنا لسياسة التسلّح، لكنه وضع الآن الحدّ من الاسلحة في سياق التغييرات في الاتحاد السوفياتي والحاجة الى انتهاز كل فرصة لبناء علاقة اكثر استقراراً مع موسكو في كل المجالات، وليس فقط في مجال القوة العسكرية. وفّرت معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى INF وتعهد غورباتشوف بتخفيضات من جانب واحد في القوات التقليدية فرصة لإزالة تهديد الحرب من اوروبا كلياً. وانسجاماً مع خطابه في تكساس، دعا الرئيس الاتحاد السوفياتي تنفيذ وعوده، والابتعاد عن الاستراتيجية العسكرية الهجومية، وتحويل حلف وارسو الى حلف دفاعي مماثل لحلف شمال الاطلسي…. أكمل خطاب اكاديمية حرس السواحل الشرح العلني لاستراتيجيتنا نحو مقصورة ادارة المجابهة بين الشرق والغرب. كان خطاباً حذراً ومتعقلاً، وسياسة ملائمة في فترة اضطراب وتغيّر سريع، ولكنه اثبت في صورة مدهشة طول جدواه وأرسى إطاراً قيماً لتسيير السياسة. كنا نزيح السياسة من التركيز القديم والضيّق على الحدّ من الاسلحة الاستراتيجية الى حوارٍ أعرض مُصَممٍ لتقليص خطر الحرب وتحقيق سلام حقيقي - بما في ذلك تقدم في اوروبا الشرقية، والقوات التقليدية في اوروبا CFE، والقضايا الاقليمية. وكان هذا كله موجهاً نحو تشجيع اتحاد سوفياتي "مُصْلَح"، مستعدٍ للعب دور يمكن الثقة به في أسرة الامم - دور أقل تهديداً للولايات المتحدة وحلفائها.