ارتسم السيناريو... يعود السوريون والاسرائيليون الى التفاوض في الثالث من الشهر المقبل، وستكون المهمة الأولى للجانب السوري ان يتثبت من التزام الجانب الاسرائيلي الانسحاب الى حدود الرابع من حزيران يونيو 1967. اذا حصل ذلك، وهو سيحصل، تتأكد دمشق ان المفاوضات سالكة وآمنة. عندئذ تُعطى الاشارة للبنان كي يعلن وفده واستعداده للتفاوض. ويفترض ان يتقدم المساران، اللبناني والسوري، متوازيين، وان يبقيا متلازمين حتى لحظة التوقيع على الاتفاقات. المجهول في السيناريو هو لحظة الافتراق، اذا كان هناك افتراق وإذا جاز الحديث عن افتراق، أي لحظة التنفيذ وهل ان الانسحابات ستكون متلازمة، وكيف، وهل ان الاسرائيليين سيخضعون لهذا التلازم بعد أن يضعوا على الورق التزامهم الانسحاب من الجولان ومن جنوبلبنان؟ الارجح انه لن تكون لدى الاسرائيليين أسباب جوهرية لرفض جدول زمني لانسحابات غير متلازمة لا بد أن تبدأ في الجولان، شرط أن يكونوا لمسوا على الأرض وأن يكونوا حصلوا على تعهد مكتوب بأن المقاومة في جنوبلبنان قد بلغت نهايتها طالما ان هدفها في صدد أن يتحقق. غير أن لحظة انتهاء المقاومة قد لا تأتي في الوقت الذي يشاؤه الاسرائيليون أو يتصورونه. إذ لم يحصل حتى الآن، ولن يحصل في الجولات الأولى من التفاوض، ما يشجع السوريين أو اللبنانيين على وضع ورقة المقاومة على الطاولة. على العكس، ستكون هذه الورقة احدى أهم أدوات التفاوض، خصوصاً بالنسبة الى سورية. فلا أحد يجهل ان هذه المقاومة يمكن أن تكون "لبنانية" فعلاً، لكنها موجودة بإرادة سورية، وينتفي وجودها بانتفاء تلك الارادة. قال الوزير فاروق الشرع في بيروت ان سورية لن تتحدث باسم لبنان ولن تفاوض بالنيابة عنه، وانها لن تتحدث عن المقاومة لكون هذه شأناً لبنانياً... هذا صحيح تقنياً، لكن الأمر يختلف سياسياً. إذ أن لبنان سيكون له - تقنياً - وفد منفصل يفاوض في ملفه، إلا أن هذا الوفد سيكون مقيداً سياسياً. طبعاً، لا أحد يتصور أن وفد لبنان سيتقدم بأطروحات غير مناسبة لسورية، ولا أحد يرغب في ذلك، بل يمكن القول ان تحرير الجولان بات مطلباً لبنانياً كونه مدخلاً الى استقرار لبناني موعود. لكن أحداً لا يرى المفاوضات اللبنانية - الاسرائيلية المقبلة انها مفاوضات بين دولتين. وليس سراً ان الأميركيين والاسرائيليين يتعاملون مع هذه المفاوضات على أنها بين دولة هي اسرائيل وبين محمية هي لبنان. فالأساس في واشنطن، كما في تل أبيب، هو ارضاء سورية والتفاهم معها. وليس في ذلك استقراء فئوي مغرض، أو افتراضات لبنانية "انعزالية"، وانما هو تسجيل لما يقول مسؤولون أميركيون بعيداً عن الديبلوماسية. يستحسن ان يضع اللبنانيون في حسابهم أموراً ثلاثة لئلا تفاجئهم نهاية المفاوضات بإحباطات جديدة هم في غنى عنها. أولاً، ان الانسحاب الاسرائيلي من جنوبلبنان لا يعني انسحاباً سورياً من لبنان وانما "إعادة انتشار" سوري في لبنان. ثانياً، ان الدور السوري سيكون مطلوباً اميركياً واسرائيلياً لترتيب شؤون الأمن في لبنان ولسحب المقاومة ونزع سلاحها. ثالثاً، ان الدور السوري سيكون مطلوباً، اميركياً واسرائيلياً أيضاً، للاشراف على مصير الفلسطينيين في لبنان. وإذا تبنى لبنان حق العودة للفلسطينيين كشرط من شروط "السلام الشامل" فيستحسن أن يضع اللبنانيون في حسابهم أيضاً أن رفضهم "التوطين" لا ينفي احتمال التوطين متى أقرّ في "صفقة" السلام الشامل. سيفاوض لبنان مستنداً - فقط - الى تلازم المسارين. ولكن لهذا التلازم ثمناً سيدفعه هو وحده. كل المؤشرات تنبئ بأن المفاوضات ستفضي الى "اتفاق طائف" جديد يثبّت ما جاء به "الطائف الأول" في جانبه "الاقليمي"، مضافاً اليه هذه المرة التوقيع الاسرائيلي.