غاب لبنان عن المفاوضات في واشنطن بين سورية واسرائيل، واذا مثّله في اي مفاوضات قادمة وزير الداخلية السيد ميشال المر فسيظل غائباً. الديبلوماسية اللبنانية تراجعت كثيراً منذ ايام كميل شمعون وشارل مالك وفيليب تقلا وغسان تويني، الا انه لا يجوز ان يصل بها الافلاس الى درجة تكليف وزير الداخلية التفاوض مع اسرائيل. ليس هذا انتقاصاً من الوزير، فهو سياسي قديم قدير، الا انه ليس ديبلوماسياً، ولو كانت امور لبنان سويّة لربما كان المسؤول عن المفاوضات النائب نسيب لحود، فهو عمل سفيراً في واشنطن يوماً وله من الخبرة ما يؤهله للتفاوض مع الاسرائيليين على قدم المساواة. المفاوضون الاسرائيليون يجمعون بين السياسة والمحاماة وكل منهم خبير في حقله، وعندما تفاوض الصديق سهيل الشماس معهم، ووجد امامه اوري لوبراني، اصيب بالسكري. ربما استطاع الوزير المر بما نعرف عن "ثقله" ان يصيب الاسرائيليين هذه المرة بالسكري، فهو رجل ملفات دقيق، ومرة اخرى فالاعتراض هو على قلّة خبرته الديبلوماسية وهو نقص تعوّض عنه ثقة السوريين به، فهذه الثقة سبب قوة الوزير المر لبنانياً وضعفه. واقدّر الاسباب المعلنة لامتناع رئيس الوزراء وزير الخارجية الدكتور سليم الحص عن التفاوض، الا انني أحيّي فيه الاسباب غير المعلنة، فكلنا يجد صعباً الجلوس الى مائدة مع العدو للتفاوض على تسليم القضية، فقد تحدثنا عن حل شامل عادل، حتى كدنا نصدّق انفسنا، مع ان الواقع هو اننا خسرنا الحرب والسلام، وان المفاوضات نابعة من هذه الخسارة، والحل لن يكون عادلاً حتى لو حقق المفاوضون العرب كل ما يطالبون به، لأن الحل العادل الوحيد هو ان تعود فلسطين الى أهلها. ومع ذلك فالسيد فاروق الشرع وزير الخارجية السورية، ألقى خطاباً جريئاً "خرج على النص"، ورفض ان يكتفي بكلمة احتفالية كما أراد الاميركيون، ثم اغفل اي اشارة الى الفلسطينيين وحقوقهم في خطابه. الجولة القادمة من المفاوضات السورية - الاسرائيلية ستبدأ في الثالث من الشهر القادم، ويمكن القول منذ الآن ان الجانبين يريدان لها النجاح، ومستعدان لتقديم التنازلات المطلوبة، لذلك اذا سارت الامور بشكل ايجابي بين السوريين والاسرائيليين سارت بالشكل نفسه مع اللبنانيين، واذا تعقّدت بين سورية واسرائيل تعقّدت مع لبنان. هل تتعقّد الامور مع سورية فينفذ رئيس وزراء اسرائيل وعده، او تهديده، بالانسحاب من جنوبلبنان في تموز يوليو القادم؟ وهل تسمح سورية بمثل هذا الانسحاب في حال تعقّد المفاوضات؟ او هل تسير المفاوضات سيراً حسناً فيصبح الانسحاب بادرة حسن نيّة من الاسرائيليين؟ او هل يبدون حُسن نيتهم بتأخير الانسحاب حتى لا يغضب السوريون الذين يصرّون على تلازم المسارين؟ المسار اللبناني يخدم المسار السوري بالتصاقه به، في حال تقدم المفاوضات او تعثرها، غير ان المسار السوري لا يخدم المسار اللبناني الا في حال تقدم المفاوضات. اما تعثرها فيعني ان يعود لبنان حلبة للصراع بين سورية واسرائيل، بشكل اكثر تدميراً عما عرفنا حتى الآن. غير اننا نتفاءل بالخير لنجده، ونرجو ان تنتهي المفاوضات باتفاقات على جميع المسارات، ثم نرجو ان تضمن الاتفاقات حداً ادنى من الحقوق العربية. وفي حين ان ثقتنا كاملة بأن الاتفاقات ستضمن انسحاباً كاملاً من الجولان، وانسحاباً كاملاً من جنوبلبنان، ما يعني تحصيل حقوق السوريين واللبنانيين، فإن الثمن الضمني سيكون نهاية حقوق الفلسطينيين، فيبقى ابو عمار وحده في الميدان يفاوض من دون اوراق او وسائل ضغط. ابو عمار اختار ان يفاوض وحيداً، ووصل الى حيث هو الآن، الا انه ليس موضوع هذه السطور اليوم، وانما الموضوع هو المفاوضات السورية - الاسرائيلية، واللبنانية - الاسرائيلية، وهي مفاوضات ستنتهي خلال اشهر على طريقة "صبي او بنت" فإما اتفاقان سوري - اسرائيلي ولبناني - اسرائيلي، او لا اتفاق. وبما ان النتيجة ستُعرف خلال أشهر فالأفضل ان ننتظر لنرى، بدل الحديث عن الغيب مثل المنجمين.