تباينت مواقف الإسلاميين المصريين من التطورات الأخيرة في السودان بشدة، فوكيل مؤسسي "حزب الوسط" المهندس أبو العلا ماضي، الذي يعبر عن جيل من الاسلاميين الذين عملوا ضمن إطار جماعة "الإخوان المسلمين" لأكثر من عشرين عاماً قبل أن ينفصلوا عنها، أيد قرارات الرئيس السوداني عمر البشير الأخيرة اعلان حال الطوارئ وحل البرلمان السوداني الذي كان يرأسه الدكتور حسن الترابي. في حين تطلب الأمر بالنسبة الى "الاخوان" بعض الوقت حتى يُبلوروا موقفاً من الازمة، فانتظروا موقف "إخوانهم" في السودان وبعدها أيدوا مثلهم البشير. لكن الراديكاليين من الإسلاميين المصريين رأوا أن ما حدث في السودان "سيؤثر سلباً على مستقبل الحركات الاسلامية التي وجدت في الترابي لسنوات مؤيداً وداعماً بالقول والعمل"، وهو الرأي الذي طرحه محامي الجماعات الإسلامية في مصر السيد منتصر الزيات وأيده فيه وكيل مؤسسي "حزب الشريعة" السيد ممدوح اسماعيل الذي زاد وعبر عن اعتقاده بأن "مخططاً بدأ منذ سنوات لتقويض الحركات الأصولية تقوده الولاياتالمتحدة، بدأ خطوات لتطبيقه في السودان". واللافت أن هناك من الاسلاميين المصريين من حمل على الاثنين البشير والترابي ودانهما معاً، وهناك من فضل التزام الصمت واكتفى بترديد عبارات انشائية تتحدث عن "ضرورة تجاوز الخلاف والحفاظ على استقرار السودان"، وهو الموقف الذي يمكن رصده لحزب العمل ذو التوجه الاسلامي، إذ أن العدد الأخير من صحيفة "الشعب"، الناطقة باسمه، خلا من أي مقال أو تحليل عن التطورات في السودان، على خلاف ما اعتادت الصحيفة على اتباعه في الترويج لنظام الحكم في السودان قبل حصول الازمة التي اطاح خلالها البشير الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان الدكتور الترابي. ووصف أبو العلا ماضي الإجراءات التي اتخذها البشير بأنها "إيجابية في اتجاه المحافظة على جنوب السودان والحؤول دون انفصاله"، ورأى أن استمرار الصراع الداخلي في السودان بين أطراف عدة، الترابي والبشير والمعارضة على السطح، وبين كل من الترابي والبشير خلف الستار، مع تزايد الضغوط الخارجية كان سيؤدي حتماً الى انفصال الجنوب، واعتبر أن موقف مصر من التطورات الأخيرة "إيجابي ومنطقي"، بعدما لاحظ "أن حرص مصر على عدم انفصال الجنوب كان أكثر وضوحاً من حرص بعض دوائر الحكم في السودان". لخص ماضي تجربة عشر سنوات من نظام الحكم في السودان بقوله "كان هناك نظام حكم برأسين واحد خفي والآخر ظاهر في مناخ ساد فيه الاعتقاد بأن البقاء على مقعد الحكم أهم من قضايا مصيرية أخرى مثل قضية الجنوب". واعرب عن اعتقاده أن الصدام وقع بين البشير والترابي "بسبب إقدام الاخير على هدم قواعد اللعبة بالحد من صلاحيات الرئيس، وربما إهانته للتأكيد على أن من يحكم من وراء الستار هو الأقوى وأن رئيس البرلمان أقوى من رئيس الدولة". والتقط ماضي تصريحاً أدلى به الترابي قبل أيام قال فيه إن البشير خان الإسلام بإعلانه حال الطوارئ وحل البرلمان، ورأى ماضي أن التصريح "يعكس خطأ بعض رموز الاسلاميين وبينهم الترابي ما بين انفسهم والاسلام". وأشار الى أن الاسلام "لم يكن طرفاً في المشكلة التي كانت في جوهرها صراعاً على السلطة بين البشير والترابي". وتمنى على البشير أن يتخذ قرارات حاسمة لحل التناقضات بين كل فصائل المعارضة ويحقق وفاقاً وطنياً حقيقياً "حتى لا يفتح الباب أمام الضغوط الخارجية". وعلى الرغم من أن ابن مؤسس جماعة "الإخوان المسلمين" السيد سيف الإسلام حسن البنا رفض الإعلان صراحة عن تأييد الجماعة لإجراءات البشير إلا أنه أكد ثقته بقرار قادة "الإخوان" في السودان الوقوف الى جانب البشير ورأى أن موقفهم "جاء لاسباب منطقية تتعلق بالطريقة التي تعاطى بها الترابي مع حركة الإخوان طوال عشر سنوات". ولم يكن الخلاف بين "إخوان" مصر والترابي خافياً على أحد، ولم تقتصر التناقضات بينهما فقط على أمور فقهية ولكنها تحولت إلى ما يشبه صراع من أجل الوجود بين "الجبهة" و"الجماعة الأم". وهم رأوا أن الترابي "مارس خدعةً حينما دعا الى تأسيس جبهته لتنصهر فيها كل الحركات والتيارات الاسلامية الأخرى بما فيها الإخوان، ثم قام في وقت لاحق باستبعادهم من الملعب". البنا رفض الحديث عن أخطاء الترابي أو الاسباب التي افضت الى وقوع الصدام بينه وبين البشير، وقال: "يجب ألا نظهر بمظهر الشامتين"، لكنه أعرب عن اعتقاده بأن التيار الغالب في السودان "يسوده عدم رضا عن الترابي وسياساته ما يجعل انتصاره في المعركة احتمالاً بعيداً". أما الاسلاميون المصريون المحسوبون على "الحركات الجهادية" فصبت مواقفهم في اتجاه الاعتراض على إجراءات البشير. فالزيات لاحظ أن الرئيس السوداني "انقلب على مرشده" واعتبر أن ذلك "يثير الشبهات في توجهات البشير في المستقبل"، ووصف ما حدث بأنه "انقلاب يعكس نوازع ديكتاتورية وسلطوية". ولفت الى أن البشير "جاء من داخل الحركة الإسلامية السودانية، وكان عليه إذا ضاق بازدواجية السلطة أن يستمر في محاولات لاجتذاب مؤيدين له من داخل الحركة أيضاًَ الى أن يصبح صاحب القرار أما إذا فشل فكان عليه أن يتنحى ليترك للحركة الفرصة لفرز الشخص المؤهل لتنفيذ السياسات الاسلامية". لكن الزيات اعترف بأن الترابي وقع في خطأ فادح حينما تعامل بمنظور فوقي ما أحرج البشير الذي كان يفاجأ بقرارات سيادية تصدر وتبلغ الى "الأجهزة الرسمية" من دون علمه. ورجح أن البشير كان سيقبل قرارات الترابي وتوجهاته باعتبار أنه عضو في الحركة ملتزم بما يصدر عنها بغض النظر عن رأي الأول فيها أو مدى اقتناعه بصحتها. وبدا ممدوح اسماعيل قلقاً على مستقبل حركات إسلامية "فقدت واحداً من أكبر أنصارها"، ولفت الى أن غالبية قضايا العنف الديني التي نظرت فيها محاكم مصرية اثبتت أن الاصوليين المصريين وجدوا في السودان لسنوات أرضاًَ خصبة تجمعوا فيها ولجأوا إليها بعدما رفضت دول أخرى استقبالهم. ورأى أن الترابي كان وراء سياسة احتضان الاسلاميين المصريين. وأبدى اسماعيل خشيته من أن يتحول البشير "إلى مخلب في ايدي آخرين يهدفون الى تصفية الاصوليين"، ورجح أن يكون هدف البشير من وراء الإجراءات الأخيرة "إحداث توازنات داخل البلاد لمصلحة الدول الغربية". أما مدير "مركز يافا للدراسات السياسية" الدكتور رفعت سيد أحمد فكان موقفه مخالفاً للآخرين فهو دان البشير والترابي معاً واعتبر أنهما نموذجان سيئان لا يصح أن يحسبا على الاسلام. وتساءل: "كيف قبل البشير أن يحركه الترابي من خلف الستار؟". لكنه اعتبر أن ما أقدم عليه البشير "كان متوقعاً"، واضاف: "لدينا تجربة الإخوان مع عبدالناصر في مصر فهم تخيلوا في بداية حكم القوة أن بإمكانهم السيطرة على الحكم، وعبدالناصر في المواجهة لكن انقلب عليهم ونكّل بهم".