لندن، القدسالمحتلة - "الحياة"، رويترز، د ب أ - تراوحت ردود الفعل الاسرائيلية تجاه خطاب وزير الخارجية السوري فاروق الشرع أول من أمس في حديقة البيت الأبيض بين وصفه ب"كلمة مليئة بالاكاذيب" و"أهم وأشمل خطاب سلام يلقيه مسؤول سوري". واعرب بعض المحللين الاسرائيليين عن مخاوف من ان يكون موقف الشرع أضر بالرأي العام الاسرائيلي الذي سيصوت في الاستفتاء على السلام مع سورية والانسحاب من الجولان، فيما اشار بعضهم الاخر الى "ذوبان الجليد" خلال المحادثات بين الجانبين بحضور الطرف الاميركي، كما لفت الى الاشارات الايجابية التي وردت في كلمة الشرع، خصوصا عدم ذكر الاشتراط السوري السابق بضرورة الانسحاب الى حدود حزيران عام 1967، والحديث عن سلام مفتوح يتضمن تعاوناً اقتصادياً وثقافياً وعلمياً. وكان الشرع تجنب إبداء أي لفتة تجاه باراك في حفلة الافتتاح، حتى انه وجه كلمته الى الرئيس بيل كلينتون، متجاهلاً باراك ومتجنبا التقاء عيونهما. كذلك أكد في كلمته موقف بلاده من أن السلام بالنسبة الى سورية "يعني عودة كل أرضها المحتلة"، منتقدا التركيز الاعلامي أخيراً على قضية المستوطنين الذين من المرجح اجلاؤهم عن مرتفعات الجولان. وقال أن تلك التقارير تتجاهل كليا أكثر من نصف مليون سوري اقتلعوا من عشرات القرى في الجولان حيث عاش أجدادهم لآلاف السنين، ومحيت قراهم بالكامل. لكنه الشرع ايضا عرض "إزالة حاجز الخوف والقلق" مع اسرائيل، معتبرا ان اتفاق السلام سيؤدي الى انهاء الصراع الاسرائيلي مع العالم العربي، ومشددا على انه سيكون سلاماً مفتوحاً امام التعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي. ووصف وزير الخارجية الاسرائيلي ديفيد ليفي كلمة الشرع بأنها "غير لائقة"، مشيرا الى انها أثارت "بالتأكيد غضبنا وغضب الاميركيين أيضا. وكانت متعارضة مع المناخ الذي وعدونا به ومتعارضة مع تعهدات السوريين". واضاف: "الرئيس نفسه كان غاضبا ... كانت الكلمة غير لائقة... اننا ببساطة نختلف مع هذا المنحى بأكمله. واذا استمر فسنتوقع أنهم غير راغبين في السلام". لكن ليفي الذي حضر جانبا من المحادثات، عاد وصرح لاذاعة الجيش الاسرائيلي من واشنطن بأن "الجليد ذاب" في الجلسات المغلقة، موضحاً: "ضحكنا جميعا وتغيرت النغمة والاجواء". وفي وقت لاحق، صرح ليفي للاذاعة الإسرائيلية بأن الاجواء في المحادثات تحسنت، مشيراً الى أن الشرع "أدرك الخطأ" الذي ارتكبه في كلمته المثيرة للجدل في البيت الابيض. لكن مسؤولين في وزارة الخارجية الاميركية نفوا ان يكون كلينتون غضب من كلمة الشرع، وقالوا: "لقد كانت الكلمة حميمة وتوضح من دون لبس الجدية التي توليها سورية للمحادثات... ولا نتوقع ان يكون هناك قبول واتفاق فوري على أي شيء. لقد قال الشرع ما يفكر به وبدأ فوراً بالحديث في صلب الموضوع". وضمن ردود الفعل في اسرائيل، قال وزير الامن العام الاسرائيلي شلومو بن عامي انه فوجئ بلهجة الشرع، موضحا: "قد يكون المرء منا توقع في هذه المناسبة... مقداراً أكبر من الكرم، لكن سورية تبقى سورية". غير انه أضاف ان كلمة الشرع تضمنت أسساً جديدة: "هذه هي المرة الاولى التي نسمع فيها من السوريين عن تعاون اقتصادي وثقافي وعلمي". وقال الرئيس الاسرائيلي عيزر وايزمان إن تصريحات الشرع "خيبت أمله"، واضاف: "هذه ليست بداية جيدة". كذلك، انتقدت المعارضة الاسرائيلية تصريحات الشرع، وقال أفيغدور ليبرمان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتشدد أن الشرع "بصق في وجه باراك". وطالب بعودة رئيس الوزراء الاسرائيلي إلى تل أبيب في الحال. وقالت الوزيرة السابقة من تكتل "ليكود" ليمور ليفانت، أن كلمة الوزير السوري كانت "مليئة بالاكاذيب" والمغالطات التاريخية. وعكست الصحافة الاسرائيلية أجواء الغضب في اسرائيل من موقف الشرع، فكتب المعلق ناحوم بارنييا في صحيفة "يديعوت احرونوت": "ليس من السهل على السوريين ان يتم تصويرهم مع الشيطان الصهيوني"، لكنه اضاف: "وفي كل الاحوال، عليهم ان يبذلوا مجهودات علنية وسرية، وإلا فإن هذا القطار ايضا قطار السلام سيفوتهم". ولخصت الصحيفة نفسها الانطباعات الاسرائيلية، معتبرة ان الشرع أدلى بعبارات مهمة عن عملية السلام. وأوضحت: "الشرع ترك انطباعا سيئاً جداً لدى الاسرائيليين، لقد سرق دقائق من الوقت المخصص لاحتفال افتتاحي وألقى خطابا ايديولوجيا بدل تحية قصيرة". واضاف: "لقد تجنب اي اتصال، ولو حتى التقاء العيون، مع باراك. وهذه ليست الطريقة التي يعامل بها شريك في السلام". وزادت: "لكن كلمات الشرع كانت ذات مدلولات مهمة. لقد انطوت على قبول سوري كامل بوجود دولة اسرائيل وعلى استعداد لسلام غير مشروط يتضمن سلاما مع لبنان مع استعداد لاقامة تعاون ثقافي وعلمي واقتصادي". وتابعت: "كانت هذه رسالة واضحة للعالم العربي لجعل مجتمعاتها ترتكز الى شيء غير العداء لاسرائيل". واضاف: "ومن ناحية المضمون، كانت كلمة الشرع أهم وأشمل خطاب سلام يلقيه مسؤول سوري علناً". وقالت انه يتوجب على اسرائيل ان تقوم ب"تبادل مدروس" مع الشرع والحكومة السورية، "تبادل يستطيع ان يستفيد منه الجانبان حتى في ظل غياب الاستلطاف في ما بينهما". كذلك كتب المعلق السياسي حيمي شاليف في "معاريف" ان الاجواء الجليدية التي أوجدها الشرع بالتأكيد "ستصلب قلوب الاسرائيليين" وتجعل امكانات اقناع الغالبية بالتصويت على الاستفتاء لصالح الاتفاق "تقريباً مستحيلة". "ثلاثة خيارات" الى ذلك، قالت الاذاعة الاسرائيلية في نشرة أخبارها أمس ان الوفد الاسرائيلي قال انه يتوقع من سورية ان توقف نشاط "حزب الله" في جنوبلبنان. وأضافت ان الوفد عرض ثلاثة خيارات لنوع الاتفاق الواجب السعي اليه كهدف أول: إعلان مبادئ، أو اتفاق - اطار، أو اتفاق سلام مفصل. ونسبت صحيفة "معاريف" الى الشرع انه قال لباراك خلال اجتماعهما في حضور الرئيس الاميركي: "سورية لن تتنازل عن سنتيمتر واحد من أرضها المحتلة" وان باراك رد بالقول: "لا نية لدي للتنازل عن ملليمتر واحد من أمن اسرائيل". واضافت ان كلا منهما سارع بعد ذلك الى تحديد مبادئ السلام من وجهة نظره، فتحدث باراك عن ترتيبات أمنية واسعة، وجدول زمني وعلاقات عادية كاملة في المرحلة الأولى من العملية. أما الشرع فتحدث عن انسحاب كامل وجدول زمني سريع الوتيرة.