بحثت فاطمة زهرة بو شرف عن ابنها في أقسام الشرطة والسجون والمشارح والمقابر منذ أن اقتادته الشرطة عام 1995 الذي شهد ذروة انتفاضة المتشددين في البلاد. وقالت بوشرف في مكتب جماعة (اس.او.اس ديسبارو) التي تعمل بها والتي تشن حملات لمساندة الأسر التي تبحث عن العدالة «بحثت عن الحقيقة وعن المسؤولين عن اختفاء ابني لكن في كل مرة أعود محطمة القلب وخالية الوفاض.» وأضافت «أتمسك بالأمل في أن يكون رياض حيا بعد كل هذه السنوات.» وبو شرف مثل ألوف غيرها رأوا السلطات تقتاد أقاربهم الذين تشتبه في أنهم يساندون المتشددين إلى مراكز الشرطة لاستجوابهم ليختفوا بعد ذلك دون أثر. وكانت الحكومة تقاتل المتشددين العاقدين العزم على إقامة دولة إسلامية أكثر تشددا والذين كانوا يقتلون عشرات الألوف من المدنيين كل عام. وبدأت أعمال العنف عام 1992 عندما أعلنت الجبهة الإسلامية للانقاذ الجهاد بعد أن الغى الجيش الذي كان يخشى من ثورة على غرار الثورة الإسلامية في إيران انتخابات كانت الجبهة على وشك الفوز فيها. ولا أحد يعرف حقا كم عدد المختفين. أغلبهم كانوا رجالا تتراوح اعمارهم بين 14 و80 عاما. وتقول جماعة اس.او.اس ديسبارو إن عددهم قد يصل إلى ثمانية آلاف. وتلقي هذه المسالة بظلالها على الحكومة منذ سنوات. وقالت بو شرف «حكايتي مثل حكاية الكثيرين غيري. أخذ ابني مع اثنين من الجيران أطلق سراحهما بعد 16 يوما من التعذيب. لكن لم يره أحد بعد ذلك.» وعلى مدى السنوات العشر الماضية نفذت عشرات الامهات اعتصامات كل اسبوع أمام مقر اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الانسان وهي لجنة حكومية يرأسها فاروق قسنطيني للمطالبة بعودة ابنائهم أو بمعلومات عما آل اليه مصيرهم. وقال قسنطيني الذي حقق حتى الان في 5200 حالة «اتفهم معاناتهم وألمهم. من حقهم أن يعرفوا الحقيقة عن أفراد اسرهم.» وتقول الجماعات المدافعة عن حقوق الانسان انه يخشى أن يكون ما بين 150 الف و200 الف شخص قد قتلوا منذ عام 1992. وتعتقد الحكومة أن عدد القتلى يبلغ مئة ألف. ولم يتم التعرف على جثث ألوف المتشددين. ويتعهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يرجع إليه الفضل في انهاء أغلب أعمال العنف الذي كان يجتاح الجزائر عن طريق إعلان عفو عام 1999 بكشف الحقيقة. وأمر الرئيس الجزائري قسنطيني بالتحقيق في حالات المفقودين وعرض تعويضات على أسر الضحايا. ومن المقرر ان ترفع اللجنة تقاريرها المنتظرة في أواخر مارس /أذار. والحديث علنا عن المفقودين ومن يكون المسؤول عن اختفائهم كان من المحرمات في الجزائر البلد ذي الماضي الطويل من الحكم العسكري والذي يسعى حاليا لبناء نظام ديمقراطي. لكن تصريحات بوتفليقة وعلي تونسي قائد الشرطة وغيرهما تشير إلى أن الجزائر جادة الآن بشأن إلقاء بعض الضوء على ما جرى في الماضي وإن لم يكن الحقيقة الكاملة. لكن مريم بلعلا الناشطة في مجال حقوق الإنسان قالت «الشجاعة السياسية لكشف الحقيقة مثلما حدث في جنوب افريقيا (بعد انتهاء سياسة الفصل العنصري) غائبة في هذا البلد.» ويعتقد قسنطيني أن قوات الامن التي كانت تخوض حربا عنيفة هي على الأرجح المسؤولة عن حالات الاختفاء وما تلاها من وفيات لكنه يقول إنها كانت تتصرف بشكل فردي. وأبلغ رويترز «حاربوا الارهاب بالارهاب... يجب ان تفهموا ان التجاوزات التي رتكبها مسؤولون بالأجهزة الأمنية لم تتم بأوامر من الدولة بل من أنفسهم.» ووعد بتقديم ملفاته للاسر إذا أرادت إحالة القضايا للمحكمة. وقال «لكني أعتقد إن الغالبية العظمى من الأسر ستطوي هذه الصفحة وتتطلع للمستقبل.» لكن اس.او.اس ديسبارو التي تقول السلطات إنها لا تمثل بشكل شرعي مصالح الأسر مازالت متشككة. فهي تطالب بمحاكمة الجناة وتقديم اعتذار. وكل يوم تأتي المزيد من الأسر لمكاتبها المكدسة في وسط الجزائر العاصمة حيث تغطي صور مئات المفقودين الجدران. ولم يجر تحقيق مستقل في مزاعم جماعات حقوق الانسان عن انتهاكات ارتكبها المتشددون أو ميليشيات سلحتها الدولة أو قوات الأمن. والجماعات الرئيسية المستقلة المدافعة عن حقوق الإنسان تريد التحقيق في جرائم محتملة ضد الانسانية وما إذا كان القادة متورطين فيها. وفي إطار اتجاه «المصالحة الوطنية» للتوصل إلى سلام نهائي في الجزائر يعرض بوتفليقة عفوا ثانيا على مئات المتشددين الذين مازالوا يقاتلون. وقال قسنطيني إن العفو الجديد المتوقع عام 2005 سيستفيد منه أفراد قوات الأمن والمتشددين المستعدين لتسليم أنفسهم والذين لم تلطخ ايديهم بالدماء. وأضاف «يجب أن نطوي الصفحة لان الكثير من الدماء أريقت في هذا البلد. عشنا حربا تشبه حرب الخمير الحمر حيث كان الناس يقتلون لمجرد القتل.» وتابع «الجزائريون لا يريدون الثأر بل يريدون السلام والمستقبل.» لكن الكثيرين الذين مستهم أعمال العنف بشكل مباشر يرفضون العفو. وقالت ممرضة تبلغ من العمر 38 عاما «زوجي وكان يعمل صحفيا اغتيل أمام منزلنا لانه كان على قائمة المستهدفين من جانب الجبهة الاسلامية للانقاذ.» وقتل المتشددون 58 صحفيا بين عامي 1993 و1996. وأضافت «اعتقدت ان القتلة سيحاكمون وسأمضي قدما في حياتي مثل اسر أخرى كثيرة. وبدلا من ذلك تم العفو عن أعضاء الجبهة الاسلامية للانقاذ عام 1999 لينعموا بحياتهم. فكيف يمكنني أن أؤيد عفوا آخر عن المزيد من القتلة.»