لم تبق غير أيام معدودة على حلول السنة الفين، او Y2K بالانكليزية، اشارة الى اول حرف من السنة، ثم العدد، ثم الحرف الأول من كيلو، او ألف. ولا نزال نسمع تحذيرات من كارثة كومبيوترية محتملة. الكومبيوتر يعود الى الاربعينات غير انه لم ينتشر حتى الستينات، وقرر خبراؤه في حينه ان يشيروا الى السنة بآخر رقمين فيها، فمثلاً 1965 تكتب 65، وهو ما يفعل كثيرون منا في رسائلهم العادية. وهكذا كان ووصلنا الى مشارف السنة الفين، وآخر رقمين فيها صفر صفر، ما يعني ان الكومبيوتر قد يقرر ان المقصود 1900، او اي رقم آخر ينتهي بأصفار. اذا حدث الخطأ في البيت، فالكارثة محدودة، بصاحب الكومبيوتر، ولكنه قد يحدث في بنك فتضيع حسابات الزبائن، او ينتقل الى زبون مفلس حساب سلطان بروناي... او أحد حساباته لأن الارجح ان له في كل بنك حساباً. اخطر من هذا وذاك ان يقع الخطأ في قاعدة صواريخ نووية، في اميركا او روسيا. والبلدان على اتصال منذ اشهر للتنسيق بينهما مع نهاية السنة، خشية ان يؤدي خطأ كومبيوتري الى حرب عالمية ثالثة، كنا اعتقدنا ان خطرها انحسر مع زوال الحرب الباردة. اذا حدث هذا فهو سيؤكد ان المجانين هم العاقلون الوحيدون بيننا، فكثيرون من هؤلاء يصرون على ان العالم سينتهي بنهاية العقد هذا والقرن والألفية، وقد توافد بعضهم على القدس للانتحار في المناسبة، بدل ان ينتظروا لينتهوا مع العالم طالما انهم واثقون من قرب نهايته. وأعرف اني لن اقنع احداً من هؤلاء برأيي، غير انني اصرّ مرة اخرى، وهو اصرار سأبقى عليه حتى لو انتهى العالم، ان القرن لا ينتهي بنهاية هذه السنة، بل بنهاية السنة القادمة، ما يعني ان الألفية الثالثة تبدأ في السنة 2001. وكنت سجلت هذا الرأي في هذه الزاوية غير مرة في السابق، وإذا كان القارئ لم يصدقني لأنني لا املك من الفلوس ما عند سلطان بروناي، فانني اعود اليه اليوم مسجلاً ان مكتبة الكونغرس والمعهد الوطني الاميركي للمقاييس والتكنولوجيا قررا رسمياً ان الألفية الثالثة تبدأ بأول يوم من السنة 2001 ميلادية. هل ينتهي العالم في آخر يوم من السنة الفين، او السنة ألفين وواحد؟ يبدو ان القدرة على انهائه، ان لم ينته طوعاً، متوافرة من دون "ارمجدون"، اي تلك المعركة الخرافية الفاصلة بين الخير والشر، بل من دون سلاح نووي. وربما فات القارئ خبر تردد خلال حرب كوسوفو الاخيرة، فقد قرأنا ان لدى الولاياتالمتحدة التكنولوجيا اللازمة لتدمير يوغوسلافيا كومبيوترياً، باقتحام اجهزة الكومبيوتر كافة في الدولة وتعطيلها، ما يوقف الكهرباء والماء والمعاملات المصرفية وحركة الطيران، وكل ما له علاقة بالحياة العصرية. بكلمات اخرى الولاياتالمتحدة كانت قادرة على ان ترد يوغوسلافيا الى العصر الحجري الا انها لم تفعل، خشية ان تفضح هذا السلاح الذي تريد توفيره لمعركة اهم. مع ذلك التكنولوجيا موجودة، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية سي آي ايه جورج تينت قال في خطاب عام في تشرين الأول اكتوبر ان ثمة خطراً حقيقيا من مواجهة الولاياتالمتحدة "سايبر وور"، او حرب كومبيوترية تستهدف خطوط حياة البلاد، من امدادات كهرباء وماء وأنظمة اتصالات ومواصلات. اشهر اسلحة الكومبيوتر هو ما يطلق عليه تعميماً "فيروس" الكومبيوتر، غير ان اكثره حتى الآن من فعل هواة، اخترقوا اجهزة بنك، او ادارة رسمية اميركية، اما هواية او انتقاماً. غير ان الشركات الكبرى تملك من انواع "الفيروس" هذا اسلحة حقيقية، لها اسماء محددة، وتستطيع ان توقع خراباً حقيقياً. ويبدو ان الولاياتالمتحدة تخشى ان يلجأ الارهابيون الى الكومبيوتر في المرة القادمة فينجحوا حيث اخفقت الاسلحة التقليدية. لي ملاحظتان على هذا الموضوع، الأولى ان الحديث الاميركي المتكرر عن خطر الحرب الكومبيوترية يكاد يكون تحريضاً للارهابيين المحتملين على اللجوء الى هذا الاسلوب، او تنبيهاً لهم الى وجوده. والثانية ان حرب الكومبيوتر تحتاج الى عقول تنظمها وتخوضها، والارهابيون "بتوعنا" ليس لهم مثل هذا العقل، والا لوجدوا لأنفسهم صنعة اخرى، لذلك لا اتوقع ان اسمع في المستقبل ان منظمة ارهابية عربية اخترقت كومبيوتر البنتاغون، وحولت مرتبات الضباط الى حساب سري في سويسرا. وهكذا فالعالم لم ينته بحرب نووية خلال الحرب الباردة، الا ان اسلحة هذه الحرب قد تفلت في نهاية السنة بسبب الرقمين صفر صفر في السنة الفين. وإذا لم يحدث هذا فالعالم قد ينتهي بنهاية الألفية، لأن الف مجنون او اكثر يقولون هذا. وبما ان الألفية الحالية لن تنتهي حتى نهاية السنة الفين، في رأيي وأنا أقل جنوناً، فربما كانت نهاية العالم مع نهاية السنة القادمة. وإذا لم يحدث شيء من هذا فهناك حرب كومبيوترية محتملة لا تبقي ولا تذر. بما انني لا أتوقع نهاية العالم لأي سبب، فانني ادعو القارئ الى التمتع بآخر يوم من هذا العام وأول يوم من العام الجديد، وهو يستطيع ان يفعل اذا كان يملك طائرة خاصة. الشمس ستغرب في 31 من الشهر الجاري للمرة الأخيرة على قرية فاليالوبو في ساموا، وتشرق للمرة الأولى في أول الشهر القادم على شاطئ غيزيوم، وهي بلدة في جزر نيوزيلندا. والمكانان متقاربان يفصلهما خط الوقت الدولي. طبعاً اذا كانت الألفية الثالثة لن تبدأ حتى نهاية السنة القادمة، فما على القارئ سوى أن يعود بطائرته الى ساموا ونيوزيلندا، غير انني أرجح ان الذين يملكون طائرات خاصة لا يقرأون مقالاتي، وانما يقرأون دفتر شيكات.