أجرى الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة مشاورات مساء اول من امس مع قادة احزاب التحالف الرباعي الذين ساندوه في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 15 نيسان ابريل الماضي، وذلك بهدف التحضير لتأليف حكومة جديدة. وشارك في الاجتماع الأمين العام لجبهة التحرير الوطني الدكتور بوعلام بن حموده والأمين العام للتجمع الوطني الديموقراطي احمد اويحيى ورئيس حركة المجتمع من اجل السلم الشيخ محفوظ نحناح والأمين العام لحركة النهضة الحبيب آدمي. وتحتل هذه الاحزاب الأربعة 322 مقعداً من اصل 380 مقعداً في المجلس الوطني الشعبي، وسيوزع الرئيس بوتفليقة حقائب وزارية عليها الى جانب التجمع من اجل الثقافة والديموقراطية 19 مقعداً في البرلمان، وحركة التحالف الجمهوري بقيادة السيد رضا مالك رئيس حكومة سابق. وأكدت مصادر عدة ان بوتفليقة سيقيم احتفالاً للتوقيع على قانون الموازنة للعام 2000 في 25 من الشهر الجاري، ويتوقع ان ينهي مهمة حكومة السيد احمد اويحيى في هذه المناسبة. ولا تستبعد المصادر نفسها ان يعيد الرئيس تكليفه تشكيل حكومة جديدة. وكشفت تصريحات قادة الاحزاب الأربعة التي استقبلها الرئيس عشية اول يوم من رمضان لبدء المشاورات ان اختيار هذا اليوم مؤشر على تضييق الخناق حول المشاكل التي صارت تواجه الاحزاب بعد وعود الرئيس المتعلقة بتأليف الحكومة في غياب وجهة نظر اصحابها. وأكد بن حموده ان اللقاء مع الرئيس تركز على مقاييس اختيار اعضاء الحكومة من دون الاشارة اليها، علماً بأن الرئيس سبق ان حدد هذه المقاييس وفي مقدمها الخبرة او التجربة والمعرفة المسبقة بالاشخاص المرشحين للمناصب. لكن عملية تعيين السيد حبيب شوقي حمراوي وزير سابق للاتصال والثقافة مديراً للتلفزة، أثار الاستياء لدى رجال القطاع الاعلامي، بسبب ما ينسب اليه من فضائح عندما كان وزيراً، كما ان السرعة التي تمت بها عملية اقصاء مدير التلفزيون بالنيابة السيد عبدالمجيد شيخي 15 يوماً في المنصب فقط اثارت استغراب الاوساط الاعلامية من الأسلوب المتبع في التعيينات. وكان رئيس الجمهورية اقال السيد عبدالعزيز رحابي وزير الاتصال والثقافة وعيّن خلفاً له السيد صلوانجي كاتب الدولة لدى وزير الخارجية، ثم اقاله وهو يرأس مهرجاناً سينمائياً، الامر الذي أثار الكثير من التساؤلات. فالسيد شيخي اقيل لأنه طلب من الصحافيين عدم استعمال كلمة "منحل او محظور" اثناء ذكر الجبهة الاسلامية للانقاذ، اما السيد صلوانجي فقد اقيل، لأنه حاول حذف مشاهد من زيارة للرئيس. لكن مفهوم الرئيس للاعلام الحكومي بدأ يثير الجدل في وسائل الاعلام، ذلك انه يعتبر وسائل الاعلام الحكومية في خدمته وخدمة حكومته فقط، وليس من حق الاحزاب الاحتجاج عن ذلك، وان عليها ان تنشئ وسائلها الاعلامية، رغم ان الرئاسة سحبت من البرلمان قانون الاعلام الذي يخوّل للقطاع الخاص انشاء مؤسسات تلفزيونية. وقالت مصادر قريبة الى بن عودة انه ابلغ الرئيس رغبته في ان يختار من قائمة يكون قد قدمها له سابقاً تضم اعضاء المكتب السياسي. وقال اويحيى عقب اللقاء ان الحوار جرى حول الوضع العام في البلاد، وانه نقل الى الرئيس دعم حزبه لعملية استعادة الأمن والاستقرار، سواء تعلق الأمر بمسار الوئام المدني او الانعاش الاقتصادي وتعزيز مكانة البلاد في الساحة الدولية. وكان حزب التجمع الوطني الديموقراطي الذي يتزعمه اويحيى اثار تساؤلات عن عدم ادانته اغتيال الرجل الثالث في جبهة الانقاذ السيد عبدالقادر حشاني، وبالتالي فقد كان اللقاء مع الرئيس فرصة لتأكيد الدعم. وترى اوساط مطلعة ان الجانب الاقتصادي والمالي للبلاد ستعطى حقائبه للتجمع الوطني الديموقراطي، بينما الجوانب السياسية سيكلف بها حزب جبهة التحرير، في حين يترك الجانب الاجتماعي والديني لحركة مجتمع السلم وحركة النهضة. واعتبر الشيخ محفوظ نحناح استقبال الرئيس قادة الاحزاب الاربعة يوم الاول من رمضان "لفتة مهمة"، ووصف المشاورات في شأن تشكيل الحكومة ب"البدائية" آملاً في ان يتم الاعلان عن الحكومة قبل نهاية شهر رمضان. وناقش الرئيس مع الاحزاب مسألة "الهدنة" وأبلغهم ان الجيش الاسلامي للانقاذ بدأ في الاستجابة ل"طي الملف" وذلك على مراحل، تبدأ بتسليم المسنين والجرحى لأسلحتهم، ثم يتم اعادة تشكيل جماعة مدني مزراق وقف خصوصيات العمل العسكري داخل الجيش. ونقل الى الاحزاب انه تعهد لقيادة الهدنة تنفيذ الجانب الآخر من التزام السلطات الجزائرية، ومنها اصدار عفو شامل عن الجماعة، وتمكين قيادة جيش الانقاذ من التحرك داخل الجزائر وخارجها، من دون ملاحقة. اما عملية اطلاق الشيخين عباسي مدني وعلي بن حاج، فانها ستكون على مراحل، اذ يتم رفع الاقامة عن الشيخ عباسي، ووضع الشيخ بن حاج في اقامة جبرية بدلاً عن السجن، في انتظار اطلاقه لاحقاً. ويجمع القريبون الى قادة الاحزاب الذين استقبلهم الرئيس على انه ابلغهم عن المشاريع التي يعتزم تجسيدها على ارض الواقع، من خلال برنامج حكومته الذي تكون اللجنة المكلفة باعداده انهت اشغالها. وان أولويات الحكومة الجديدة ستكون طي ملفي "الهدنة" وعودة المسلحين الى بيوتهم مع ضمان تسوية الأوضاع الاجتماعية الناجمة عن الأزمة بشقيها الأمني والاجتماعي. اما بالنسبة الى قانون الوئام، فان بعض الاحزاب عرضت امام الرئيس اقتراحات تتمثل في تمديد فترة القانون ثلاثة اشهر اخرى. وتقول اوساط حزبية ان بوتفليقة رحب بالفكرة وأعرب عن تأييده لها اذا ما عرضت امام ملجس الشعب. ولكن حزب التجمع الوطني الديموقراطي "غير مرتاح" لذلك، ويعتبر تمديد فترة القانون تمديداً للأزمة. لكن حركة مجتمع السلم تصر على التمديد، تقترح بمبادرة لتطوير القانون. تعتبر عملية تأجيل قانون الوئام المدني "تسهيلاً لمهمة الرئيس في عملية طي ملف الهدنة، خصوصاً ان هناك اقتراحين يمكن ان يأخذ بأحدهما، الأول يقضي اصدار مرسوم عفو رئاسي يشمل عناصر الجيش الاسلامي للانقاذ المنضوية تحت لواء السيد مدني مرزاق، على ان يستثنى من سلموا انفسهم في اطار قانون الوئام. وهذا ربما يكون بمثابة "تمييز" بين العناصر الاسلامية. اما الاقتراح الثاني فينص على ان تقدم الحكومة المقبلة مشروع عفو شامل للبرلمان يشمل جميع من سلموا انفسهم على ان يوفر الضمانات لقيادة الانقاذ في التحرك كأشخاص داخل الوطن وخارجه، ويحدد طرق إلتحاق العناصر المسلحة بالمؤسسة العسكرية. وهذا الاقتراح الذي تخشى منه اطراف في السلطة لأنه ينقل اتفاق الهدنة من السرية الى العلنية. ويبقى على الرئيس الاختيار، خصوصاً ان هناك اوساطاً داخل قيادات الحزب المحظور تريد "التشويش" على الرئيس حين نشرت رسالة منسوبة الى الشيخ عباسي مدني. اما ان هناك اطرافاً في المؤسسة العسكرية لا تؤيد تمديد الوئام او اطلاق سراح الشيخين حسب اتفاق الهدنة. واذا تجاوز الرئيس الوضع الأمني بطي ملفه نهائياً، فانه مقبل على أزمات اقتصادية اخفتها الاوضاع الأمنية، وبالتالي فانه أعد خطة انعاش اقتصادي باعادة النظر في قوانين الاستثمار والاستيراد والتصدير، وقانون الخصخصة، واعادة النظر في المصارف. وتفيد مصادر موثوق بها انه كلف فريقاً من المختصين تحت اشراف السيد عبداللطيف بن آشنهو لاعداد مشاريع قوانين للنهوض الاقتصادي. وتحدث الرئيس مع بعض قادة الأحزاب عن العلاقات الجزائرية على الصعيد المغاربي والمتوسطي، وكذلك علاقاتها مع الولاياتالمتحدة وفرنسا وتسريع وتيرة اللقاءات بين قيادات البلدان. ولوحظ انه للمرة الاولى لا تصدر الرئاسة بياناً عن مضامين المشاورات، كما كانت تفعل في عهد الرئيس السابق اليمين زروال، لكن تصريحات قادة الاحزاب للتلفزة الجزائرية، عقب الاستقبال، اظهرت ان الرئيس يريد من احزاب التحالف الرباعي التنسيق فيما بينها للعب ادوار سياسية مقبلة لتنفيذ برنامجه وتنشيط الحياة السياسية.