لا أظن أنني فرحت بمثقف حصل على جائزة الدولة التقديرية في مصر مثلما فرحت بحصول محمود أمين العالم عليها هذا العام. صحيح أن هناك كثيرين سبقوه إلى هذه الجائزة، ويستحقونها بجدارة، ويسعد المرء بحصولهم عليها. وصحيح أنه حصل عليها في الدورة نفسها التي حصل فيها نجيب محفوظ وعبدالرحمن بدوي وصلاح طاهر على جائزة مبارك التي تمنح للمرة الأولى، واثنان منهما - نجيب محفوظ وصلاح طاهر - حصلا على الجائزة التقديرية منذ سنوات بعيدة. ولكن لمحمود أمين العالم وضع خاص، فهو رمز فكري من رموزنا المضيئة، لا يقل أهمية عن عبدالرحمن بدوي، إن لم يكن يفوقه في الدور العملي والتأثير الفكري في الحياة الثقافية المصرية والعربية. وقد تأخرت عنه الجائزة طويلاً لأسباب سياسية بالدرجة الأولى، ولم يحصل عليها مع أن الكثيرين ممن هم في رتبة تلامذته حصلوا عليها. ولم يرض بهذا الغبن العارفون بفضله، والمقدرون لدوره، فرشحوه للجائزة عن طريق مجلس أكاديمية الفنون في القاهرة. وكانت المفاجئة البهيجة أن محمود أمين العالم حصل على ما يشبه إجماع أصوات أعضاء المجلس الأعلى للثقافة في التصويت على الأسماء المرشحة للجائزة، وفاز وحده في المرة الأولى من التصويت، على رغم أن أكثر أعضاء المجلس الذين صوتوا لصالحه معارضون له في اتجاهه الفكري، ومخالفون له في مواقفه السياسية. ولكن كان واضحاً أنه لا خلاف بين الجميع على ضرورة الاحتفاء بالقيمة التي تفرض نفسها على رغم كل اختلاف، وعلى تقدير الدور الذي يدعو إلى احترام صاحبه حتى بين المعارضين له. وعلت البسمة الوجوه جميعا عندما أعلن عن عدد الأصوات التي حصل عليها العالم، وتناثرت عبارات الاستحسان العفوية التي كانت في ذاتها تعبيرا عن احترام الإنجاز الجليل والريادة الأصيلة، كما كانت تحية تلقائية للمواقف المبدئية الصادقة والعمل المخلص الدؤوب المتواصل لذلك الأستاذ الذي احتفل تلامذته ومحبوه بعيد ميلاده السابع والسبعين في الثامن عشر من شباط فبراير الماضي. وخرجت من قاعة المجلس، بعد انتهاء الإعلان عن الجوائز كلها، في نهاية الجلسة الطويلة التي استغرقت ساعات عدة، واتخذت طريقي إلى مكتبي وأنا أفكر في هذا الموقف، وأقول لنفسي إن ما حدث في هذه القاعة دليل على أن المثقفين الكبار يعرفون معنى حق الاختلاف، ويمارسونه بما يجسّد احتفاءهم بالقيمة، ويؤكد احترامهم لأنفسهم بوصفهم مثقفين حقيقيين، بل بما يتعلم منه غيرهم الأفق الحر لثقافة التنوع الخلاّق التي تغتني بالحوار بين المختلف من الأفكار، والمتباين من الاتجاهات، وأن التسليم بحق الاختلاف وتقديره هو علامة العافية في الثقافة، ودليل على حيوية انفتاحها، وبرهان على استبدالها رغبة الابتداع بخنوع الاتباع. وقلت لنفسي كذلك: إن حضور أمثال هؤلاء المثقفين الكبار هو في ذاته إدانة وتعرية للمثقفين الصغار الذين يريدون أن يكونوا كباراً دون أهلية، ومن غير استحقاق، وأن هذا الحضور، حين يفرض نفسه في كل مجال، هو سكان سفينة الحياة الثقافية الجديرة بأن ننتسب إليها، وندفع عنها هوام الطفيليات التي تعكّر على قيدوم السفينة تركيزه على رؤية إمكانات المستقبل الصاعد وعلامات وعوده الآتية. وكنت واثقا من أن ما شعرت به من فرحة بحصول العالم على جائزة الدولة، واحتفاء كبار المثقفين به، سوف يشعر به كثيرون مثلي على امتداد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، خصوصاً من الذين قرأوا كتبه التي تزيد على العشرين كتابا، أو طالعوا العشرات والعشرات من دراساته ومقالاته التي يواصل نشرها منذ أكثر من خمسين عاماً، أو حضروا الندوات والملتقيات التي أشرف عليها، ممارسا إيمانه بضرورة الحوار بين التيارات المختلفة، أو استمعوا إليهمن المؤتمرات التي أضاف إليها حضوره حيوية المجادلة، أو تابعوا الأعداد العشرين من الكتاب الثقافي غير الدوري - "قضايا فكرية" - الذي يشرف عليه، ويتولى تحريره والكتابة فيه، ملحا على المشكلات الفكرية الجذرية في الثقافة العربية، وعلى تأسيس إمكانات الانفتاح النقدي على تيارات الثقافة العالمية المعاصرة. وأغلب الظن أن هؤلاء الكثيرين يعرفون بعض ما أعرفه عن مواقف العالم الفكرية وممارساته السياسية التي جرَّت عليه السجن والنفي والاضطهاد، وذلك منذ أن حصل على درجة الماُستير في الفلسفة بأطروحته "فلسفة المصادفة الموضوعية في الفيزياء الحديثة ودلالتها الفلسفية" التي نالت جائزة الشيخ مصطفى عبدالرازق في الفلسفة، وترتب عليها تعيينه مدرسا مساعدا للمنطق ومناهج العلوم في جامعة القاهرة التي وافقت على تسجيله لدرجة الدكتوراه في موضوع "الضرورة في العلوم الإنسانية". ولكنه سرعان ما فصل من الجامعة مع غيره من أنصار الديموقراطية قبل أن يمضى عام على تعيينه فيها. وكان ذلك حين أصدر مجلس قيادة الثورة قراره التاريخي الشهير في التاسع عشر من أيلول سبتمبر سنة1954 بطرد أكثر من خمسين أستاذا جامعيا، وضمت قائمة المطرودين - إلى جانب العالم - أسماء لويس عوض وعبدالعظيم أنيس وعبدالمنعم الشرقاوى وفوزى منصور وعبدالمنعم خربوش وغيرهم من الأساتذة الذين خسرت الجامعة المصرية إسهامهم الأكاديمي في أكثر من مجال حيوي، فضلا عما كان يمكن أن يضيفوه إلى ميراثها من عطاء وإنجاز. وأدت كتابات العالم الجذرية ومواقفه المدافعة عن الديموقراطية إلى فصله من عمله الذي انتهى إليه في مؤسسة التحرير الصحافية التي أنشأتها الثورة المصرية. وسرعان ما دخل السجن مطلع عام 1959 مع أقرانه من رموز اليسار المصري الذين انتقدوا الأسلوب غير الديموقراطي لحكومة الثورة، وظل ينتقل من سجن إلى سجن، متحملاً التعذيب الذي أودى بحياة عطية الشافعي وفريد حداد وغيرهما، وظل في معتقل الواحات الخارجة إلى أن أفرج عنه مع أقرانه في منتصف 1964. لكن سنوات الحرية المعدودة سرعان ما انتهت مع قدوم الزمن الساداتي، فدخل العالم المعتقل مرة أخرى وخرج منه إلى المنفى الاختياري، حيث عمل أستاذا في كلية "سانت أنتوني" في اكسفورد في انكلترا، ومنها إلى جامعة باريس في فرنسا ليعمل مدرسا للفكر العربي، وظل فيها من سنة 1973 إلى سنة 1984، ولقي أثناء ذلك دروساً في النقد التطبيقي لطلبة في دار المعلمين الباريسية، وأنشأ مع زملاء له مجلة "اليسار العربي" الشهرية دفاعا عن الوحدة العربية والديموقراطية والتحرر السياسي والاقتصادي. ولم يغفر له النظام الساداتي مشاركته في الجبهة الوطنية المصرية المناهضة للسياسة الساداتية، منذ بدأ مشروعه للصلح مع إسرائيل، فيقدم غيابياً إلى "محكمة العيب"، وحكم عليه بحرمانه من حقوقه المدنيه والسياسية ووضع تحت الحراسة هو وأسرته. ولم يعد العالم إلى مصر إلا بعد موت السادات، وبداية مرحلة سياسية جديدة، تتميز باتساع هامشها الديمواقراطي. وتفرغ منذ عودته سنة 1984 للإعداد لإصدار "قضايا فكرية" التي لم يتمكن من إصدارها إلا بعد أن عادت إليه حقوقه المدنية مع إلغاء "قانون العيب"، فأقبل على الإسهام في الحياة الثقافية المصرية، فضلاً عن العربية، بكتبه التي واصلت البداية التي مثلها كتاب "في الثقافة المصرية" الذي أصدره بالاشتراك مع عبدالعظيم أنيس سنة 1955، وهو الكتاب الذي حمل أصداء المعركة الشهيرة مع طه حسين والعقاد حول الفهم الجديد للأدب والعلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون، وكان استهلال سلسلة الكتب التي تتابعت على امتداد خمسة عشر عاماً، وضمّت "معارك فكرية" و"الثقافة والثورة" و"تأملات في عالم نجيب محفوظ" و"فلسفة المصادفة" و"هربرت ماركيوز، أو فلسفة الطريق المسدود" و"الإنسان موقف" و"الوجه والقناع في المسرح العربي" و"الرحلة إلى الآخرين" و"البحث عن أوروبا" و"توفيق الحكيم مفكراً فنانا" وغيرهاً. وأخذ العالم منذ منتصف الثمانينيات، بعد عودته من منفاه الاختياري واستقراره، يضيف إلى إنجازه السابق ما أضاف إلى عمق مشروعه الفكري الذي أصبح أكثر اكتمالاً على المستويين الفلسفي والأدبي بإصدار "ثلاثية الرفض والهزيمة" سنة 1985، و"الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي" سنة 1986، و"الماركسيون العرب والوحدة العربية" سنة 1988، و"مفاهيم وقضايا إشكالية" سنة 1989، و"أربعون عاما من النقد التطبيقي" سنة 1994، و"الفكر العربي بين الخصوصية والكونية" سنة 1996، و"مواقف نقدية من التراث" و"الإبداع والدلالة" سنة 1997. وتكشف هذه الكتب، أولا، عن تفرد المشروع الفكري الذي تنطوي عليه، مبرزة أبعاده الفلسفية والاجتماعية والثقافية والسياسة التي لا تنفصل عن ممارسة النقد الأدبي الذي هو تعبير عن موقف فكري ثابت، لاينفصل ، بدوره، عن نظرية الانعكاس في أبعادها المعرفية الفلسفية وأبعادها الأدبية النقدية. وتدل هذه الكتب، ثانيا، على حيوية العالم المستمرة الذي لم تنل منه سنوات الاعتقال أو غربة المنافي، بل زادته إصراراً على مواصلة العمل في مشروعه، والمضي في تعميقه على مستويات التنظير والتطبيق والممارسة العامة التي تحولت إلى نموذج استثنائي للفعل الثقافي الاجتماعي والسياسي والفكري والإبداعي على السواء. وتجسّد هذه الكتب، ثالثاً، خصوصاً في علاقتها بغيرها من الدراسات والمقالات التي لم تنشر في كتب بعد، التجاوب بين الناقد التطبيقي والمنظرِّ الأدبي، وتفاعل إنجاز الناقد الأدبي مع أبعاد المشروع الفكري التي تضيف إليه وتفيد منه، فالعالم واحد من المفكرين العرب القلائل الذين يمارسون مشروعهم الفلسفي في نقدهم الأدبي، وواحد من نقاد الأدب النادرين الذين يؤسسون مشروعهم في النقد الأدبي في علاقة جدلية بمشروعهم الفكري العام الذي هو - في التحليل النهائي - نوع من التمرد المستمر على كل شروط الضرورة المفروضة على الإنسان. ومن منظور مواز، تدل كتب العالم، في تتابعها مع مقالاته ودراساته، على علامات دالة، تلفت الانتباه إلى طبيعة العقل الحجاجي الذي يصوغها، فهو عقل لا يفارق ثوابته، ولا يتنكر لأصوله، ويظل مخلصاً لمنطلقاته الفكرية التي بدأ منها، وتحيزاته الاعتقادية التي لم يتخل عنها، ويغدو أكثر ما يكون حماسة وتوقداً في دفاعه عن هذه المعتقدات والتحيزات، وذلك في خطاب لا تخلو عناصره الثابتة من صلابة يناوشها بعض التصلب. ولكن هذا العقل، من ناحية مقابلة، يتمتع بدرجة عالية من التسامح الذي يقبل المخالف دون نفي له، ودرجة عالية من المرونة التي تنقذ صاحبها من التصلب الذي قد ينقلب إلى جمود، أو التعصب للمعتقد الذي يمكن أن يتحول إلى دوغما. يضاف إلى ذلك حيوية التجدد التي تفتح أمام هذا العقل أبواب الاجتهاد الدائم، كما تدفعه إلى متابعة كل جديد والتعرف النقدي على وعوده، ومن ثم إقامة علاقة متصلة بمتغيرات المجالات المعرفية التي لا تكف عن التحول والتبدل. والنتيجة هي انفتاح هذا العقل على ممكنات جديدة، مجاوزة القيود التي كان قد وضعها لنفسه. ولولا هذه الحيوية ما انتقل العالم من المنظور الضيق للواقعية الاشتراكية التي غلبت على مقالات "في الثقافة المصرية" سنة 1955، أو تعليقه النقدي على "ألوان من القصة المصرية" في العام نفسه، أو تقديمه الحماسي الصاخب لمجموعة محمد صدقي "الأنفار" سنة 1956، أو هجومه على بدايات التشاؤم الوجودي في شعر صلاح عبدالصبور، أو نظرته الدوجماتية المتحزبة - مع زميله عبدالعظيم أنيس - إلى أعمال نجيب محفوظ الذي وصف بأنه روائي البرجوازية الصغيرة الذي لا يرى أبعد من مأساة طبقته، ويعجز عن أن يرى جنين الثورة وبذورها الطالعة من صراعات الواقع. لقد أنقذت حيوية التجدد العالم من الغوص عميقاً في الرمال المتحركة لمعيارية الواقعية الاشتراكية، ودفعته إلى الأفق الأرحب لنظرية الانعكاس في الصياغة المتطورة التي أسهم جورج لوكاش إسهاما جذريا في تأصيلها، جنبا إلى جنب الجدل مع الاتجاهات الحديثة التي ارتبطت بالتمرد على توثين واقعية القرن التاسع عشر. وكانت النتيجة النظر إلى نجيب محفوظ بعدسات جديدة، أتاحت قدرا أعمق وأشمل من الرؤية في كتاب "تأملات في عالم نجيب محفوظ" سنة1970، حيث نقرأ بداية الاكتشاف الجدلي لرؤية العالم عند المبدع الكبير، وبداية النفاذ إلى تفاصيل "المعمار الفني" الذي سرعان ما أصبح "بنية" في الكتابات اللاحقة. وليس من قبيل المصادفة أن تكون كتابات محمود أمين العالم رائدة فيما قامت به من تعريف بالبنيوية الشكلية والاتجاهات الفرنسية المعارضة لها. ويلفت الانتباه في ذلك المجال النقد الباكر الذي وجهه محمود العالم إلى البنيوية الشكلية في مقالته "نقد جديد أم خدعة جديدة". وهي المقالة التي استعار لها عنوان دراسة ريمون بيكار الذي كثّف الهجوم العاصف على كتاب رولان بارت "عن راسين". وكانت أصداء دراسة بيكار التي نشرها في فرنسا سنة 1965 لا تزال مدوية إلى الدرجة التي دفعت بارت إلى الرد عليها بدراسته "النقد والحقيقة" التي نشرها سنة 1966، أي السنة نفسها التي نشر فيها محمود العالم مقالاته عن اتجاهات الحركة البنيوية التي أسماها "الهيكلية" في فرنسا، ضمن السلسلة التي أطلق عليها عنوان "البحث عن أوروبا". ومن الجدير بالذكر أن مقالة العالم عن "الأدب وقوانين السوق" التي نشرت في هذه السلسلة أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر 1966 كانت تقديماً موجزاً للمدرسة الاجتماعية الجديدة لدراسة الأدب في فرنسا من خلال مدرسة لوسيان غولدمان التي عرضت المقالة لبعض أفكارها عن رؤية العالم، خصوصاً الأفكار التي تشير إلى كتابيّ "الإله الخفي" و"من أجل علم اجتماع للرواية". ويبدو أن حماسة العالم للوكاش جعلته لا يرى في عمل لوسيان غولدمان جديدا يذكر بالقياس إلى أعمال أستاذه لوكاش الذي تأثّر العالم بمنطلقاته النظرية. هكذا، كان كتاب "البحث عن أوروبا" بداية المتغيرات الإيجابية في وعي العقل النقدي الذي تمثل البنيويات المعاصرة، وأخذ عنها بعد ذلك - رغم رفضه الفلسفي لمنطلقاتها - بعض أدواتها الإجرائية في التحليل، وذلك على نحو ماظهر في قراءة روايات صنع الله ابراهيم سنة 1985، وكانت قراءة رواية صنع الله ابراهيم، بدورها، محطة أخرى من المحطات الدالة على حيوية التجدد التي أظهرت توقدها باشتباكها الفكري مع أفكار مابعد الحداثة ونقد التفكيك وأطروحات العولمة، فانتقلت من ماركيوز إلى هابرماس، ومن كلود ليفي شتراوس إلى جاك ديريدا، واصلة قراءة الماضي والحاضر بتطلعات المستقبل في كتب من صنف "الفكر العربي بين الخصوصية والكونية". وهي كتب تبرز إحدى الميزات التي تباعد بين العالم وأبناء جيله الذي توقف معظمه عن القراءة والمتابعة والاشتباك الفعلي مع الجديد منذ ربع قرن على الأقل. ولكن بقدر ما تبرز كتابات العالم قدرته المذهلة على تطوير أفكاره وتعميقها، في مختلف مستويات الممارسة التي تجمع بين التنظير والتطبيق، خصوصاً حين نقرأ تجلياتها على نحو متعاقب، فإنها تبرز توتراً متصلاً بين عناصر الثبات والتحول في هذه التجليات، خصوصا حين نسقط القراءة التعاقبية على القراءة الآنية. أعني بذلك أنه لا يصعب على المتأمل المدقق في التجليات الكتابية للعقل الحجاجي للعالم أن يلمح نوعاً من التوتر القار بين النظرة المتحزبة والحدس الداخلي الذي ينقض هذه النظرة، وبين المنطلق النظري الاعتقادي والتجربة الحية في معايشة النص الأدبي الذي يتأبى على هذا المنطلق في حالات كثيرة. وتفصيل ذلك يحتاج إلى دراسة موسّعة.