في اليوم الثاني للقمة الخليجية المنعقدة في الرياض، والتي يتوقع أن تختتم اليوم، حسم قادة دول مجلس التعاون مسألة التعرفة الجمركية، فجاءت نسبها حلاً وسطاً، لتمهد لولادة الاتحاد الجمركي، ولكن في عام 2005. وطغى الاقتصاد على مداولات القادة، كما برزت قبل الاتفاق معلومات متضاربة عن "خلاف" مع الامارات على موعد الاتحاد، وسط شح المعلومات. وقدمت السعودية اقتراحات لتفعيل مؤسسات مجلس التعاون، وأجرى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز محادثات ثنائية مع زعماء دول الخليج، بعد دعوته إلى وحدة عسكرية واقتصادية، مما ترك أصداء واسعة في القمة. وعلمت "الحياة" ان القادة الخليجيين ناقشوا أمس اقتراح السعودية اتخاذ القرارات بالغالبية بدل الإجماع، وان قطر قدمت "ورقة" لتفعيل دور الأمانة العامة للمجلس. وقال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل للصحافيين مساء أمس أن القادة الخليجيين لم يستكملوا معالجة جدول أعمال القمة. وبعد يوم من المداولات المكثفة ومعلومات متضاربة عن طلب إماراتي بتأجيل موعد تطبيق الاتحاد الجمركي بين دول مجلس التعاون، أعلن الأمير سعود الفيصل في مؤتمر صحافي أن الموعد سيكون بداية آذار مارس 2005، مشيراً إلى أن المجلس الأعلى أقر في شكل نهائي تصنيف السلع بما يسهل ولادة الاتحاد، على النحو الآتي: سلع معفاة من الرسوم، وسلع تفرض عليها نسبة 5،5 في المئة، وأخرى تطبق عليها الرسوم بنسبة 5،7 في المئة. وأضاف وزير الخارجية السعودي أن دول الخليج ستستكمل بحلول آذار 2005 إجراءات مثل بت "نقطة الدخول الواحدة، وإعادة التصدير وتوزيع الايرادات ودور المنافذ الجمركية". وكلفت لجنة التعاون المالي والاقتصادي درس هذه الاجراءات. ويعتقد بأن نسبة التعرفة الجمركية التي أقرت جاءت حلاً وسطاً علماً أن النسبة الحالية في الامارات 4 في المئة وفي السعودية مثلاً 12 في المئة. يذكر أن قمة أبو ظبي التي عقدت العام الماضي أقرت آذار 2001 موعداً مبدئياً للاتحاد الجمركي. إلى ذلك أكد الأمير سعود الفيصل أن السعودية قدمت اقتراحات لتفعيل مؤسسات مجلس التعاون، وأوضح رداً على سؤال أن دعوة الملك فهد إلى وحدة عسكرية خليجية "ستأخذ حقها" في مداولات القمة. وعلمت "الحياة" من مصدر موثوق به أن قطر "طرحت أفكاراً لتفعيل دور الأمانة العامة للمجلس"، وأن الامارات هي التي طلبت تأجيل موعد تطبيق الاتحاد الجمركي. وقالت مصادر خليجية ل"الحياة" ان قادة دول المجلس ناقشوا في وقت متقدم ليل أمس عقب مأدبة عشاء أقامها الملك فهد، الاقتراح السعودي أن تتخذ القرارات بالغالبية بدل الإجماع، في سبيل تفعيل عمل المجلس، لكن المصادر استبعدت أن يصدر القادة في قمة الرياض قراراً في هذا الشأن. وعلِم أن لجنة خليجية عكفت أمس على النظر في قرار أصدره المجلس قبل سنوات، يحض على تسهيل تنقل مواطني الدول الست بالبطاقة الشخصية. كما درست اللجنة العوائق أمام العمل بالجواز المقروء آلياً الذي أقرته قمة الكويت عام 1997. واستقبل الملك فهد كلاً من القادة الخليجيين، وتناولت المحادثات جدول أعمال قمة الرياض وقضايا دولية وإقليمية في مقدمها عملية السلام في الشرق الأوسط. كما أجرى ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني الأمير عبدالله بن عبدالعزيز محادثات مع قادة دول مجلس التعاون الذين عقدوا في اليوم الثاني لقمة الرياض، جلسة مغلقة في قصر الدرعية بعد لقاءات ثنائية مكثفة، بينها اجتماع ضم أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وأمير البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة. وكانت دعوة الملك فهد إلى وحدة عسكرية خليجية ووحدة اقتصادية ترتبط بها دول مجلس التعاون كتكتل موحد "لمواجهة القوى العملاقة"، تركت أصداء واسعة، إذ اعتبرت مصادر مطلعة أن كلمة الملك فهد حددت أطراً جديدة للعمل الخليجي المشترك، من شأنها أن تساعد في تفعيل مؤسساته من جهة، ومواكبة مفاهيم جديدة لعلاقات المجلس بالجوار الإقليمي وبالعالم. وشددت مصادر على "واقعية" الاعتراف بالمصالح الدولية التي لا تتقاطع دائماً مع مصالح دول الخليج. وقال مصدر ديبلوماسي ل"الحياة" ان الدعوة إلى وحدة عسكرية تجمع الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون "لم تكن مفاجأة بمقدار ما تعكس حاجة هذه الدول إلى تثبيت موقعها في خريطة المتغيرات، في الألفية الثالثة، كي لا تواجه بمفاجآت". على رغم ذلك اعتبر المصدر أن بعض دول الخليج استعجل الحديث عن توقيع اتفاق دفاعي "لم يحسم على مستوى القادة بعد". وشدد على أولوية الهموم الاقتصادية الملحة "فيما تستعد دول المجلس للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية". واستبعد أن تشكل مسألة تقويم جهود اللجنة الثلاثية المكلفة تهيئة المفاوضات بين الاماراتوايران على الجزر، "عقدة" في قمة الرياض، علماً أن المرجح هو التريث في مراجعة هذه الجهود بانتظار موعد القمة التشاورية الخليجية منتصف عام 2000. واللافت أمس على هامش القمة نبأ الرسالة التي بعث بها ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز إلى الرئيس الايراني محمد خاتمي، في وقت نقل عن وزير الخارجية الايراني كمال خرازي تأكيده أن كل "القضايا العالقة بين دول المنطقة ستكون قابلة للحسم في ظل أجواء ايجابية وثقة متبادلة". وجاء كلام الوزير بعد تأكيد الامارات عشية القمة الخليجية أنها ستواصل جهودها من أجل "حل سلمي وعادل لقضية الجزر" الثلاث التي تحتلها ايران، علماً أن الامارات كانت طلبت قبل شهور ربط تفعيل التعاون الخليجي مع طهران بتحقيق تقدم باتجاه ذلك الحل. ويتوقع أن تجدد قمة الرياض موقف قادة دول مجلس التعاون المؤيد لسيادة الامارات على الجزر، وتشدد في الوقت ذاته على اتاحة وقت لجهود اللجنة الثلاثية الوزارية. وسيعقد وزير الخارجية السعودي والأمين العام لمجلس التعاون السيد جميل الحجيلان مؤتمراً صحافياً اليوم في نهاية جلسات القمة.