سدّد اغتيال القيادي الإنقاذي عبدالقادر حشاني ضربة شديدة لمسار المصالحة الوطنية في الجزائر، ولم تكن الضربة موجهة فقط الى خطة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لتكريس الوئام المدني وانما استهدفت الجريمة بالأساس إرباك مسار الحل السياسي وكسر موجة الأمل بإعادة السلم والأمن الى البلد بعد الاستفتاء الذي أجري على "قانون الوئام". والثابت ان خيار المصالحة الذي انتهجه بوتفليقة وضع الأزمة الجزائرية على سكة الحل السياسي للمرة الاولى منذ إلغاء الانتخابات في العام 1992، وكرس تالياً التخلي عن المعالجة الأمنية العسكرية التي قادها الاستئصاليون طوال سبعة اعوام والتي انتهت الى طريق مسدودة. كان منطقياً امام تقدم الحل السلمي والتفاعل المتزايد الذي أظهره الفرقاء السياسيون مع خيار الوئام ان يسعى المتضررون في جانب الجماعات المسلحة وداخل دوائر الحكم على السواء الى وضع الاحجار في طريق الحل وتعفين المناخ السياسي مجدداً بعد الفرز الذي تكرس خلال الاشهر الاخيرة في جميع التيارات بما فيها التيار الاسلامي. لم يكن حشاني فقط الرجل الثالث في "الجبهة الاسلامية للانقاذ" وانما احتل عملياً موقع القائد الأول للجبهة منذ خروجه من السجن بسبب الحصار المضروب على زعيمها عباسي المدني ونائبه علي بلحاج، وهو استطاع تليين مواقف المتشددين وتطويع الجسم التنظيمي للجبهة وذراعها العسكري "الجيش الاسلامي للانقاذ" لقبول الحلول الوسطى حقناً للدماء ومنعاً لمزيد من التدهور على الرغم من كونه أبدى ملاحظات وحتى تحفظات على قانون الوئام المدني. من هنا، لا يمكن ان يكون اصحاب المصلحة في اغتياله انصار الحل السياسي الجزائري وانما هم حتماً من احد الفريقين اللذين ما زالا يصبان الزيت على نار الحرب لمحاولة تأجيجها وكأن سقوط اكثر من مئة الف ضحية لا يكفي لوقف النزف، وبتعبير اوضح هما الجناح الاستئصالي في المؤسسة العسكرية و"الجماعة الاسلامية المسلحة" اللذان يعتقد كثير من المحللين ان بينهما جسوراً خفية. والأخطر من جريمة الاغتيال كونها تؤشر الى اسابيع مليئة بالعنف والدماء قبل حلول الموعد المحدد لانتهاء مفعول قانون الوئام ما يعكس السعي لضبط ساعة الجزائر مجدداً على دوامة الارهاب وارجاع مسار الوفاق خطوات الى الوراء. طبعاً أتى الاجماع على استنكار الجريمة دليلاً على اصرار الجسم السياسي الجزائري بجميع اطيافه على رفض اجهاض المصالحة وعدم الخضوع لابتزاز مناهضي الوئام. ويُشكل موقف جبهة الانقاذ هنا عنصراً حاسماً في تكريس هذا الاجماع لأن عليها ان لا تتزعزع بفعل الضربة القاسية التي تلقتها وان تتشبث بخيار المصالحة الى آخر المطاف، خصوصاً والجزائر مُقبلة على ربع الساعة الاخير الذي يُرجح ان يشهد مزيداً من التحديات والإستفزازات.