رفضت الروائية المصرية لطيفة الزيات التمييز بين كتابات النساء والرجال على رغم ادراكها ان الطرفين يكتبان في شكل مختلف. خافت ان يساهم مصطلح "الأدب النسائي" في وضع الاعمال النسائية في الدرجة الثانية بعد "الأدب الرجالي"، "تماماً كما تم الابقاء على المرأة في الدرجة الثانية في المجتمع والحياة. ولكن الآن بعدما اصبح من الممكن والمحتمل تحقيق المساواة بين النساء والرجال، يمكننا ان نعترف بالطرق المختلفة التي كتب بها الرجال والنساء دائماً من دون ان يعني هذا بأي شكل من الاشكال ان احدهما متفوق على الآخر". تتحدى الدكتورة بثينة شعبان في كتابها "100 عام من الرواية النسائية العربية"* المسلمات والمخاوف وتختار دراسة الادب النسائي خلافاً للناقدات الشهيرات اللواتي يفضلن تناول الادب الرجالي. حتى ان بعض الكاتبات يخترن بطلاً لا بطلة لكي يضفين خبرة اعمق وأوسع على عملهن، كأن البطلة لا يمكن ان تملك خبرة مشابهة. وتتهم الناقدات بكراهية الرجال والتعصب للنساء، وتشعر النساء بالرعب من تكريس جهودهن للانتاج الأدبي النسائي. غادة السمان ونوال السعداوي وحدهما كانتا موضوعين لكتب تتناولهما مفردتين، تقول شعبان، ولا تذكر مثلاً ان السمان خبيرة من الطراز الاول في بناء علاقات مع الصحافيين والنقاد من الجنسين، وماهرة في الترويج لكتاباتها. وتتحسر المؤلفة لأن دور النشر الغربية المتخصصة بالنساء بدأت العمل منذ اربعة عقود في حين ظهرت دار نشر واحدة مماثلة في مصر في 1996 هي دار الشروق. تعود شعبان الى ما قبل الاسلام لتقول ان التمييز ضد النساء ساهم في اهمال الشعر الشفهي اما لأنه اعتبر ضعيفاً او منافياً للحشمة. لم تتحسن الحال كثيراً اليوم، فبعض النقاد يعتبر مسبقاً ان الاعمال النسائية أدب سيرة يتناول الحب والزواج والاطفال والعلاقات ويبقى دون أدب الرجال الذي يعالج الحرب والايديولوجيا والدين والتاريخ. ولكن من قال ان "الايديولوجيات وشن الحروب هي قضايا اكثر اهمية من انجاب طفل وتربية فرد سليم"؟ بلغ العالم مرحلة يهتم فيها بالأمور الصغيرة بعقلانية لأنها هي التي تشكل الجزء الأكبر في حياتنا. واذا كانت روايات النساء تتهم بأنها مستمدة من التجارب الشخصية فمن اين يمكن أي كاتب ان يستمد موضوعه؟ هناك ادب نسائي، نعم، واذا كان الرجال والنساء يكتبون في شكل مختلف فان ذلك لا يعني تفوق الرجال في الابداع، ويعود الاختلاف الى تميز التجارب التاريخية والنفسية والثقافية. الاستراليون والأفارقة مثلاً يكتبون في شكل مختلف مع انهم يستخدمون اللغة نفسها، تقول شعبان، وتذكرني بهجوم اكاديميات بريطانيات على ادب مواطناتهن: أدب ضيق وقديم يتفوق عليه الأدب النسائي الاميركي الحر الواسع، وهذه هي الصفة نفسها التي تبهر كتاباً بريطانيين وفي مقدمهم مارتن آميز بأدب الرجال الاميركي. تعارض المؤلفة الاجماع على ان "زينب" لمحمد حسين هيكل هي الرواية العربية الاولى 1914 وتقول انها كانت "حسن العواقب او غادة الزهراء" التي صدرت في 1899 للبنانية زينب فواز. وسبقت رواية "زينب" ايضاً "قلب الرجل" للبيبة هاشم و"حسناء سالونيك" للبيبة ميخائيل صوايا في 1904 وكلتا المؤلفتين من لبنان. زينب فواز آمنت بتحرير المرأة ورفع مستوى وعيها، ونشرت المقالات والشعر والمسرحيات والكتب الارشيفية، واتفقت مع كاتبات ذلك العصر في النزعة التربوية. وتقسم شعبان الاعمال زمنياً وتبحث عن المشترك والمتفرد بينها، وتختار عينات من الروايات من مختلف الدول العربية. وهي اكثر اهتماماً بالمضمون منها باللغة علماً ان بعض المؤلفات مثل هدى بركات يمتلكن لغة متينة تتعمد الابتعاد قدر الامكان عن النعومة والطراوة "النسائيتين" اللتين تجدهما عند معظم الكاتبات. وتتجنب مناقشة الخيارات النسائية حتى عندما تتكرر وتؤكد العجز على مواجهة الواقع. روائيات كثيرات فضلن الانتحار على القيود، وبدا ذلك موقفاً مقبولاً للمؤلفة بدلاً من ان يكشف الهروب السهل فيه والفشل في المواجهة حتى النهاية. بعض الروايات بين العشرينات والخمسينات تتوجه الى الرجال لا النساء، ولم يعتبر هؤلاء خصوماً بل ضحايا الفكرة الخاطئة عن النساء. في تلك الفترة تظاهرت العربيات للمطالبة باطلاق سراح القادة السياسيين ومعارضة مخططات تقسيم البلدان العربية، وواكب الوعي السياسي آخر اجتماعي اذ تظاهرت المسلمات ضد النقاب وطالبن بالحقوق المساوية لحقوق الرجال. وعكست الروائيات مناخاً بعيداً عن الصراع مع الرجل وحساب الربح والخسارة والقوة والضعف، ولفتن الى الانعكاس الايجابي للمساواة على الجنسين. لكن الكتاب لم يغيروا موقفهم وصوروا المرأة ملكاً للرجل لا حق شخصياً لها توفيق الحكيم ومجرد جسد يمتع وينجب احسان عبدالقدوس وجنساً يحدد في ذاته القيم الاخلاقية والاجتماعية يوسف ادريس. ويسخر ناقد من محاولة وداد السكاكيني اعادة الاعتبار الى بطلتها في "أروى بنت الخطوب" الصادرة في 1959. جمالها جعلها فريسة في نظر الرجال ومنهم زوجها وشقيقه، لكن هذين يحاولان الاعتذار منها بتقبيل قدميها فيتساءل حسام الخطيب: "هل هذا تعويض عن الاحباط الجنسي لبطلتها ام تصعيد له من الأسفل؟" واذا كنت اجد التساؤل مشروعاً، ترد شعبان، ان عمل سكاكيني "جاد ولا يمكن الاستخفاف به بعبارات مؤذية كهذه". صحيح ان نظرية فرويد في التحليل النفسي صبت في مصلحة الموقف الرجعي، لكنه ركز على اولوية الجنس لدى الجنسين، وما الذي يمنع حق اروى في الحصول على الاشباع هي ايضاً؟ وتدافع شعبان عن اختيار كثير من البطلات الانتحار في الأدب الممتد الى اوائل الستينات رداً على اعتبارهن زانيات محتملات: "وبما انهن بطلات في قضية اعظم من خلاصهن الشخصي، فانهن يقدمن مغفرة صادقة وقدرة على نسيان المحن". لكن لماذا تصحح الصورة بالشهادة في حين تكمن قوة المرأة في قبولها كما هي من دون اعلاء او نمذجة، وماذا تربح قضية النساء والمرأة كفرد اذا صورت القوة في التضحية بالنفس؟ اليس الأجدى ان تكون ضحية التغيير وتعيش لتعيش قضيتها معها بدلاً من ان تموت وتغيب هذه؟ روايتا "انا احيا" للبنانية ليلى بعلبكي و"ايام معه" للسورية كوليت خوري لا تزالان الأجرأ في تحدي النظام الأبوي وطلب المساواة في الوجود الانساني. "انا أحيا" احدثت دوياً واتهمت مؤلفتها بالبذاءة والفجور فدافعت عن نفسها في رواية ثانية "الآلهة الممسوخة" ثم ابتعدت عن الاضواء واحتفظت بالصمت. ويسهل ان نعرف افكار كوليت خوري عندما سألها صحافي من "البعث" في 1988 بعد ثلاثين عاماً من نشر "ايام معه": "هل كانت بطلاتك يعملن ما كنت عاجزة عن عمله في ذلك الوقت، وهل كانت هذه وظيفة الأدب الذي تكتبه النساء في سورية؟" بطلة "انا احيا" تقول: "انا العبدة، وهو السيد المطاع. لي التلبية، وله الطلب. لي الجوع، وله الشبع، لي الانتظار، وله ساعة التنفيذ". لكنها تريد رجلاً يشاركها الاستماع الى نشرة الاخبار وقراءة الكتب والذهاب الى السينما وتدخين لفافة واعداد المائدة. هذه المرأة الجديدة صدمت نهاية الخمسينات ولا تزال تشكل صدمة لبعض المجتمعات العربية بعد نصف قرن. وأجهل سبب توسع شعبان في الأثر السلبي الذي تركه مثل هذه الاعمال على حياة المؤلفات الشخصية. روايات الستينات كانت سياسية ومشت ضد التيار السائد للمصرية الدكتورة لطيفة الزيات و"طيور ايلول" للبنانية املي نصرالله. تشدد الزيات على اختلاف موقف الرجال النظري من تحرير النساء وموقفهن العملي خصوصاً اذا كانت المناضلات بناتهن وشقيقاتهن. وتركز نصرالله على الهجرة والقرية وحياتها الضيقة المدمرة التي تجعل المجتمع ضحية لطرف تفكيره. ومن ابرز روايات الحرب النسائية "عصافير الفجر" للبنانية ليلى عسيران، "وداع مع الأصيل" للفلسطينية فتحية محمود البائع، "وتشرق غرباً" للأردنية ليلى الاطرش و"ليلة المليار" للسورية غادة السمان. وفيها خيبة من مطالبة الرجال النساء بالعودة الى البيت بعد اشتراكهن في النضال الوطني، والاحباط العام بعد هزيمة 5 حزيران يونيو وارتكاب قادة المقاتلين الاخطاء نفسها التي ارتكبها القادة السياسيون. وتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ الرواية مع خمس روايات هي "الوطن في العين" للفلسطينية حميدة نعنع و"حكاية زهرة" للبنانية حنان الشيخ و"حجر الضحك" للبنانية هدى بركات و"شجرة الدفلى" للبنانية املي نصرالله و"ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي، وهي الروائية الجزائرية الاولى التي تكتب بالعربية. وعززت ترجمة اعمال روائيات كثيرات الى الانكليزية شعبيتهن في الوطن وبين القراء العرب في المهجر. وتتميز الفلسطينية سحر خليفة بذكر خاص اذ تعتبرها المؤلفة الروائية العربية الاولى في النصف الثاني من القرن العشرين التي مهّدت لرواية نسائية تحررية سياسية متقنة فناً وموضوعاً. * "100 عام من الرواية النسائية العربية" عن دار الآداب، بيروت. الغلاف لنجاح طاهر والمقدمة لمحيي الدين صبحي.