لم تروِ الحفلة الوحيدة التي أحياها المغني جورج موستاكي في كازينو لنبان بدعوة من "شركة الفتريادس للإنتاج"، ظمأ الجمهور اللبناني وحنينه الى الأغنية الفرنسية الأصيلة والتي يعتبر موستاكي أحد رموزها الأخيرة، وحرم كثر من سماع صوته الآتي من زمن النوستالجيا والأصالة بسبب نفاد البطاقات وارتباطات المغني التي حالت دون التمديد له. وكان موستاكي التقى عشاق صوته وقصائده الرومنطيقية والوجودية والإنسانية في صالون الكتاب حيث احتشد حوله جمهور عرفه في الحقبة الذهبية للأغنية وجمهور من شباب ومراهقين حملوا ديوانه الأخير En Ballades واسطواناته، وراحوا يتهافتون عليه لتوقيعها في مزيج مدهشٍ بين جيلين يدحض مقولاتٍ تعلن أن الشباب فقدوا حسّ الأصالة الفنية. وموستاكي اليوناني الأصل المولود في الإسكندرية عام 1934، استوطن فرنسا وكان في السابعة عشرة، هناك بدأ الغناء على أرصفة المقاهي وفي الملاهي وعمل في الصحافة. كان هنري سلفادور أوّل من أخذ قصائده ثم كتب لتينو روسّي وإيف مونتان وكوليت رينان وداليدا، وحين التقى ايديت بياف نسج معها علاقة حب وأعطاها احدى أهم أغنياتها "ميلور" عام 1958. ولما وصل الى الأولمبيا بعد 10 أعوام اختار غناء الريو مع صديقته باربرا، وسجل عام 1969 Le Mژteque وسافر الى بلدان عدة منها اليابان، البرازيل، كندا وبعض أفريقيا حيث أدى أغنياته ذات الطابع المتوسّطي الإفريقي الجامعة ثقافات الأغنية الفرنسية التقليدية المختلفة على أنغام أفريقية كوبية أو أميركية لاتينية. "الحياة" اختطفت موستاكي من بين عشاق صوته في ال"بيروت هول" وسجّلت معه الحديث الآتي: بم تشعر حين ترى شباناً ومراهقين يتهافتون على شراء اسطواناتك وليس فقط جيل الكبار الذين عرفوك في بيروت في الستينات والسبعينات؟ - هذا الأمر يملأني بكثير من الفخر والتأثر إذ يعني أنني أصبحت من الكلاسيكيّات وليس لجيل دون آخر. نعلم أنك عملت في الصحافة المكتوبة، أخبرنا عن هذه التجربة؟ - صحيح لقد عملت صحافياً لعامين في فرنسا حيث كتبت في صحف مصرية وبعض الصحف الفرنسية، أما مهمّتي فكانت تغطية النشاطات الثقافية وتحرير قراءات للكتب الصادرة ونقداًً للأفلام السينمائية والحفلات الموسيقية والغنائيّة. لم تركت الصحافة؟ - كنت أكتب لصحيفة مصرية حين اندلعت حرب 1956 التي شنّتها فرنسا وانكلترا واسرائيل ضدّ مصر، فقطعت العلاقات الديبلوماسية بين البلدين وهكذا فقدت عملي. بعد 50 عاماً من الغناء كيف تعرّف الأغنية؟ - انها فنّ الانفعال بامتياز. عندما أشعر بالانفعال تنتابني حاجة الى الكتابة وهذه الطريقة لا تزال تحثني على كتابة القصائد منذ 50 عاماً، وقد جاوز عدد أغنياتي ال350 أغنية. ماذا تذكر عن لبنان الستينات والسبعينات؟ - ذكريات فريدة عن حرارة استقبال شعبه، ومناخه ونكهة مأكولاته وهناءة العيش فيه. ان لبنان بالنسبة إليّ بلد خلاب ورائع. لم أتوقع يوماً أن تمزّقه الحرب كما فعلت. هل ترى تغيّراً في لبنان الذي عرفته؟ - طبعاً فهو تغيّر مثلي. هل أصبح أفضل؟ - في مثل سني لا أرى أن التغيير يكون نحو الأفضل. ولبنان كان أفضل سابقاً، إنها قصة حنين وذكريات. أنت تتكلم العربية فلم لم تغني فيها؟ - غنيت بضع أغنيات مصرية قليلة. هل تسمع الأغنيات العربية؟ - حسب مزاجي، وحين أقرر الاستماع أختار أم كلثوم وكذلك فيروز التي التقيتها مرة وهي امرأة تغني بشكل رائع، كما أستمع أيضاً الى ماجدة الرومي. كيف ترى الى مستوى الأغنية الفرنسية اليوم؟ - الأغنية فنّ يرتقي الى عصور غابرة وأرى أن الأغنيات اليوم تماشي عصرها وهذا أمر طبيعي، فالراب والروك وسواهما أبواق للعصر الحاضر. هل تسمع هذا النوع من الأغنيات؟ - البتّة. لماذا؟ - لأنني أحب البقاء مع ذكرياتي وهي مهمة جداً بالنسبة إليّ. هل تعيش في عالم الماضي والذكريات؟! - لا، أعيش الحاضر لكنني أفضل سماع الأغنيات القديمة. فموزار مثلاً لا تزال موسيقاه عصرية الى غاية اليوم. ما الذي يوحي اليك بأغنياتك حين تكتب وتؤلف؟ - انها الحياة والانفعال. والمرأة - بالطبع انها مصدر وحي مهم بالنسبة إليّ؟ هل أحببت كثيراً في حياتك؟ - طبعاً ولا زلت أحب كيف تصف المرأة بكلمات؟ - لقد وضعت 300 أغنية لها ولا أستطيع أن أزيد شيئاً. هل ترى أن المرأة مخلوق معقّد؟ - طبعاً أجدها مخلوقاً "غريباً" والرجل يجد دوماً صعوبة في فك طلاسم المرأة واكتشاف أسرارها، لذا هي مثيرة للشغف. كانت لك علاقات وطيدة بإيديت بياف وبابرا كيف تصف كلاًّ منهما؟ - انهما امرأتان خارجتان عن المألوف وهذا الأمر هو القاسم المشترك بين الإثنتين. ما هي الصفات التي عرفتها في هاتين المرأتين ولا يعرفها الآخرون أو يتحدّثون عنها؟ - انهما تخرجان عن الطبيعة، امرأتان صاحبتا شخصيتين غريبتين. زرت بلداناً كثيرة، أي بلد هو الأقرب الى قلبك؟ - لكل بلد ميزاته، أحب البلدان المتوسطية لكنني حين أزور بلدان أميركا اللاتينية أشعر بفرح عميق. هل تشعر أنه ينبغي على الفنان التوقف يوماً حين يتقدم في السن؟ - لا أدري، سأجيب حين يأتي موعد اعتزالي ولا أعرف ان كنت سأنتهي سريعاً. هل تخاف من الشيخوخة؟ - لا أخاف لكنني آسف لأنّنا نكبر. أعتقد أننا مع التقدّم في السن نخسر أشياء ونربح أخرى. لقد عشت في حياتي أشياء جميلة آسف أنني لن أستطيع استعادتها مجدداً. لكن لن أجعل الأمر دراماتيكياً. علمت أنك شعرت بالحزن للدعوى التي رفعت ضد الفنان مارسيل خليفة. - في الواقع لقد شاهدت خليفة يغني على التلفزيون ولا أدري بالتحديد فحوى الدعوى ضدّه. بأيّ حال أنا ضدّ أن ترفع دعاوى على الفنانين، وأتمنى ألا يسيء هذا الأمر الى الفنان خليفة. هل حصل لك أمر مشابه؟ - لم ترفع عليّ دعاوى لكنني كنت ضحية رقابات عدة وأنا بالمناسبة ضد الرقابة مهما كانت صفتها. مرة حاولوا رفع دعوى قضائية ضدي ولم ينجحوا. بم تشعر حين تحظر الرقابة اغنياتك؟ - هذا الأمر يبرهن ضعف أجهزة الرقابة. ان منعوا أغنياتي فهذا يعني أن هؤلاء الأشخاص ليسوا واثقين من أنفسهم، وقد كنت ضحية الرقابة في اسبانيا وكوريا واليونان وايطاليا والبرازيل.