"زيديني عشقاً زيديني يا أحلى نوبات جنوني زيديني غرقاً يا سيّدتي علّ البحر يناديني زيديني موتاً علّ الموت إذا يقتلني يحييني..." من لا يعرف أن هذه الكلمات هي من شعر نزار قبّاني؟ ومن لا يعرف أنّها أغنية لكاظم السّاهر؟ منذ العام 1992 ارتبط اسما الشاعر والمطرب، بعدما غنّى كاظم قصيدة "إني خيّرتك فاختاري"، واشتهرت ودخلت قلوب الجميع كباراً وصغاراً... حتى الذين لا يقرأون الشّعر دخلت قلوبهم. كاظم السّاهر شاعر وموسيقي ومطرب: يكتب قصائده بألمه ويلحّن بأحاسيسه ويغني بصوت مضيء مجروح يكسو نبراته حنان يزرع في قلوب العشاق سعادة، وينتزع من عيون المتخاصمين دموعاً... وربما نجح كاظم الساهر في أغاني نزار لأنه شاعر يحيا كما الشعراء، في عزلة محببة الى قلبه، انه "ناسك الأغنية". يحيا في قلق دائم يبعده عن الأضواء الإعلامية. صاحب إحساس مرهف تقرأه في عينيه العسليتين وترصده في عباراته اللطيفة التي يجلّلها بلكنته العراقية.... ولأنه قلق، لا يحب القيود حسبما يقول، ويشعر بالاضطراب عندما يضرب موعداً صحافياً الى حين يأتي الموعد. كان هذا اللقاء في لبنان من دون موعد، بينما هو عائد من البحر وهو يعشق السباحة ويعتبر نفسه صديقاً للشمس: كيف فكرت في غناء قصائد نزار قباني؟ ولم اخترته هو بالذات؟ - نزار هو صديقي الوفيّ رافقتني دواوينه مذ كان عمري 14 عاماً. كان منقذي الأول كلما خانني التعبير مع حبيبتي. وطالما أبحرت في دواوينه وتعلمت منه الكثير، حتى أنه دفعني الى كتابة خواطري في ذلك السن. أول ديوان أمسكته يداي كان لنزار، شدني كثيراً. صحيح أنني أحببت الشعر وقرأت لشعراء كبار أمثال بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وسواهما، لكن نزار كان مميزاً، يعبّر بشفافية، واعياً كان وجريئاً وصريحاً، يدخل في الموضوع ويتناوله من زواياه كافة. كيف تعرفت اليه شخصياً للمرة الأولى؟ - عبر أغنية "إني خيّرتكِ فاختاري"، كنت في العام 1992 قد لحّنت بداية القصيدة وغنيتها في حفلة خاصة في سورية، وعبّرت في تلك الليلة عن رغبتي في التعرّف الى الشاعر والاتصال به، وشاءت الصدف أن يتواجد أحد أقاربه في الحفلة فسهّل الأمر. ولمّا اتصلت به قال لي: "قبل اتصالك كنت أفتش عنك، وعلمت أنك سألتَ عني مراراً"، وهنأني على الأغنية وتمنّى أن تكون بداية تعاون في ما بيننا. عندها عاودت كتابة موسيقى القصيدة مجدّداً وبأكملها مع توزيع موسيقي مختلف، واعتبرت الأمر حدثاً كبيراً جداً بالنسبة إليّ نظراً الى اعجاب نزار بها. أنجزت الأغنية وسجلتها في استديو الياس الرحباني. ولما ارسلت له الشريط اتصل بي مهنّئاً وقال لي "برافو كاظم الآن علمت لمَ لمْ أعطِ القصيدة لأحد منذ 25 عاماً". لقد فرح بها جداً وكانت من أعزّ الأعمال الى نفسه، تليها "مدرسة الحب"، و"زيديني عشقاً" وسواها... كيف كان ردّ فعله بعد كلّ أغنية؟ - كان يناديني "حبيب القلب"، ويردّد كلمة "برافو" دوماً. وان لم يرضَ على عمل يسكت أو يقول لي "لم يعجبني". وعندما أدندن له الأغنية على العود يسارع الى ابداء إعجابه أو عدم رضاه. كنت تأخذ رأيه دوماً في التلحين؟ - طبعاً، دائماً، وأحياناً عندما أسمعه الموسيقى ويعبّر عن عدم اعجابه بسطر معيّن كنت أشعر بالموت، كان الأمر يميتني ولا أنام الليّل، أسهر، وأبذل جهدي لأؤلف لحناً ينال اعجابه. ولمّا اسمعه اياه في اليوم التالي يقول لي: "هذا هو المطلوب يا كاظم". هل كنت تراه في شكل مستمر؟ - كان بعيداً منّي، أنا في القاهرة وهو في لندن. وكلما زرت لندن كنت أزوره في المنزل أو المستشفى لكن الاتصالات الهاتفية كانت مستمرة في ما بيننا. هل رأيته في أيّامه الأخيرة؟ - نعم، في بداية دخوله الى المستشفى، عدته، وجلست الى سريره ولما خرج زرته في المنزل. وما أثر فيّ أنه على الرّغم من وضعه الصحي المتردّي كان يجهد نفسه مصراً على اكمال كتابة أغنية "الحب المستحيل" وهي آخر أغنية كتبها لي، ولم يأبه الى طلبات أهله وأبنائه اليه بالراحة وكان يقول لهم "عليّ أن أكمل كتابة الأغنية". بمَ شعرتَ عندما رحل نزار؟ - لم أصدق الأمر ولا أصدقه، حتى اليوم أجد نفسي أهرب من عملٍ له. لقد عوّدني على الاتصال به ما أن أدخل الى الاستديو... بكيته كثيراً كثيراً شعرت بأن طفلاً قد غاب لأن من يتعامل مع نزار يشعر بأنه طفل كبير. هل ستستمر في غناء قصائده بعد وفاته؟ - إن شاء الله، لقد ترك لي مجموعةً من قصائده، لأغنيها، والأسطوانة الجديدة تحمل عنوان "قولي أحبّك" ويتضمن أغنيات لي ولكريم العراقي لكن معظم القصائد هي لنزار. ثمة من يعتبر أنه بعد موت نزار مات الشعر، ما رأيك؟ - لا يمكننا أن نطلق هذا الحكم القاسي على الشعر والشعراء، حرام، هناك أشخاص مبدعون ولكن يبقى نزار قباني هو الأول. نلاحظ أنك ركزت دائماً على اختيار القصائد الغزلية، فغنّيت المرأة والحب بينما لم تعط القصائد السياسية أو الوطنية حقها لماذا؟ - لقد غنيت مع لطيفة التونسية قصيدة "القدس" لنزار على أكبر مسرح في أوروبا وحضرها آلاف الأشخاص. كاظم الساهر المطرب العراقي، ماذا يشعر إزاء المأساة الإنسانية التي يعيشها العراق؟ - مأساة العراق ترافقني يومياً، انه بلدي حيث جمهوري وأهلي هم ربّوني وأدبوني وعلموني كيف أقدِّم للناس فناً ملتزماً، أحمل معي دوماً رسالة الأطفال في العراق في أغنية "تذكّر" التي نالت جائزةً عالمية في بريطانيا من منظمة إنسانية تسلمتها في الأكاديمية الملكية البريطانية، ويقول مطلع الأغنية: لتتذكر كلما صليّت ليلاً ملايينا تلوك الصخّر خبزا... هذه الأغنية كتبها كريم العراقي وأغنيها دوماً في المهرجانات. من هي المرأة التي تتوجه اليها في أغنياتك؟ - أنا أرسمها في خيالي. انها المرأة التي تحمل من أمي أشياء كثيرة مثل الطيبة، العفوية، أحبها أن تكون "دائمة الطفولة" كما يصفها نزار، أجمل شيء عندي في المرأة هو كثرة الحنان الذي تحتضنه، أريدها أن تمتص ألمي في ساعات حزني. يجب أن تفهمني من عينيّ وإذا لم تفهمني من نظرة أحزن كثيراً كثيراً. أنت مرهف الإحساس؟ - نعم، هذا صحيح وما أطلبه صعب جداً، يجعل المرأة تعيش في حالة ألم ويجعلني أنا أيضاً أحيا في ألم وحزن. أنت تلحن وتكتب قصائد هل تفكر يوماً في اصدار ديوان لك؟ - قد أكتب خواطري لديّ زهاء 14 قصيدة مغنّاة. ما رأيك في الأغنية الشبابية السريعة الرائجة اليوم؟ - أنا معها ان تضمنت موضوعاً جميلاً وموسيقى حلوة. ولكنني لست ناقداً موسيقياً، بل أنا أعمل على أعمالي كي تعجب الناس. بعد النجاح الكبير الذي حققته في أغنياتك إلام تطمح بعد؟ - لديّ الكثير لأحققه، اعتبر انني خطوت الخطوة الأولى من أصل عشر خطوات... أريد أن أثبت للعالم كله أنني امتلك في داخلي أشياء كثيرة لأعبر عنها في أعمال ستصدر تباعاً. هل تفكر في خوض تجربة المسرح الغنائي؟ - منذ زمن أفكر في الأمر وأبحث عن النص الجميل والموضوع المناسب، المسرح والسينما هما من أحلامي. هل تلقيت عروضاً؟ - جاءتني عروض كثيرة لأفلام لكن للأسف لم تكن مناسبة. كيف هي علاقتك بالصحافة والإعلام خصوصاً أننا نلاحظ ندرة ظهورك الإعلامي؟ - أنا أحب العزلة لا أسهر ولا أجالس أحداً بل أعمل في المنزل مع آلاتي الموسيقية وبين أوراقي المبعثرة. هذا أجمل أمر في حياتي وهذه صفة أعتبرها سيئة، لكنني اعتدت على ذلك ولست وحدي، حتى تركيبة أهلي واخوتي مشابهة، أحياناً أبقى في المنزل شهراً لا أغادره، هذه حالة غريبة لديّ. وأنا انسان قلق لا أحب التقييد. حتى عندما أعطي موعداً صحافياً أعيش حالة قلق الى حين يأتي الموعد وهذا ما يجعلني أهرب من العلاقات الاجتماعية. ماذا لديك من أعمال جديدة تعد بها جمهورك؟ - لدي اسطوانة جديدة بعنوان "قولي أحبك" وهي قصيدة لنزار وتصدر في شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل وتتضمن أغنيتين لي وأغنيتين لكريم العراقي والأغنيات الأخرى هي لنزار قباني. الاشاعات التي تطاردك كثيرة والناس يريدون الاطمئنان الى صحتك فماذا تقول لهم؟ - الله يسامح من يصدر الاشائعات، أنا في أفضل صحة وأمارس الرياضة لساعة ونصف يومياً والرياضة هي من الأمور الأساسية في حياتي