في القرن التاسع عشر لم تكن البشرية تعرف فن السينما ولا فنون التلفزيون والفيديو.. ومع البدايات الأولى للقرن العشرين بدأت السينما، وتطورت تطوراً هائلاً في الثلث الأخير من هذا القرن، حتى ليمكن القول انها صارت فناً من أخطر الفنون، كما انها صارت صناعة من أكثر الصناعات قدرة على تحقيق الأرباح الى جوار خطورتها في التأثير على الناس. في مجال الربح المادي وحده صارت بعض الافلام تحقق ارباحاً تزيد على بليون دولار.. بعد ان كانت تحقق آلاف الدولارات في بدايتها.. إن عدد سكان الكرة الارضية بلغ 6 بلايين انسان، ثلث هؤلاء من هواة السينما وزبائنها في الوقت نفسه. نحن امام جمهور يبلغ عدده بليونين، وهؤلاء يمكن لهم مشاهدة السينما في صالات العرض او مشاهدة الافلام على شرائط الفيديو في منازلهم. وقد أسفر الصراع بين السينما الاوروبية والسينما الاميركية عن فوز الأخيرة في السباق.. ربما بسبب الامكانات الهائلة التي وضعت في خدمة السينما الاميركية وقدرتها على تسويق افلامها في العالم. في البداية اخترعت هوليود ما أسمته بنظام النجوم، ورسمت لأبطالها صورة لا ينهزم فيها البطل رغم وفرة أعدائه وكثرتهم، انما يخرج في النهاية منتصراً. وقد استغلت السينما الاميركية التي شارك فيها اليهود بأموالهم في تبرير المذابح الكبرى التي وقعت لسكان اميركا الأصليين من الهنود الحمر، واستغلت ايضا في الدعاية لشعب اسرائيل الذي عثر أخيرا على وطنه في فلسطين.. كانت النظرة الى اميركا قبل هجرة الغرب اليها انها ارض بلا شعب، وكذلك كانت النظرة الى فلسطين.. انها ارض بلا شعب، بينما كانت اسرائيل شعباً بلا وطن.. وتحت ستار المدنية والتقدم والحضارة صار ذبح الهنود وإبادتهم عملاً من اعمال الحضارة.. في البداية .. جرى الصراع بين السهم والبندقية، او بين التخلف والبدائية، والتقدم والمدنية. ووسط هذا الإطار صار تطهير الارض من التخلف عملاً بطولياً لا مذبحة ضد الانسانية. وهكذا خرجت مئات الافلام التي ترسم صورة للصراع بين الهنود الحمر وهم رمز التخلف والبدائية والرجل الابيض الذي جاء مهاجراً من اوربا ليحمل التقدم والمدنية ويغير شكل الحياة في الارض الموعودة.. ونجحت السينما الاميركية ان ترسم صورة للهندي الوثني الذي يوقد النار ويرقص حولها مستدعياً أرواح أجداده الموتى، وألقت السينما بآلاف الظلال على هذه الصورة. إن الهندي الأحمر رجل بلا كلمة.. انه يعد بأشياء لا يفي بها، وهو غادر اذا استوجب الموقف الغدر، وهو بلا قلب اذا حارب او خاصم، وهو ليس كالمهاجرين رجلاً يبشر بالعلم والحضارة، إنما هو مشكلة نابعة من البربرية والتخلف، وأفضل حل لمشكلته هو إبادة جنسه وتطهير الارض منه وتسليمها للرجل الابيض. وهكذا تم تلويث صورة الهنود الحمر لمصلحة المهاجر الاوربي، وصارت المجازر التي وقعت للهنود الحمر عملاً من اعمال التقدم والبطولة.. وقد حدث الشيء نفسه مع اسرائيل والعرب، نجحت السينما الاميركية ان ترسم صورة لفلسطين باعتبارها وطناً بلا شعب، اما اليهود فهم شعب بلا وطن. اما اغتصاب الارض فقد كان في حقيقته تحريراً للأرض وتطهيراً لها من التخلف.. ايضا استغلت السينما الاميركية في الترويج لقيم المجتمع الذي صدرت عنه، كحرية السوق والمنافسة والافكار الجديدة والحلم الاميركي.. وكان هذا كله أمراً طبيعياً.. الأمر غير الطبيعي هو الصورة التي رسمتها للعالم العربي والعالم الاسلامي.. إن صورة العربي في هذه السينما هي صورة مجموعة من الغرائز التي تسعى على قدمين.. إن العربي لا يفكر الا في النساء، ولا يسعى الا للجنس، والحياة عنده لا تجاوز شهوة البطن والحواس.. ولقد صدرت كتب في مصر عن صورة العربي في هذه السينما، وهي صورة مجسدة للتخلف والبدائية والفوضى.. وهي صورة يمكن القول باختصار ان أهلها لا يستحقون الحياة.. ما هو موقفنا كعرب ومسلمين من هذه السينما؟، أين الأفلام العربية المشتركة التي تظهر الجوانب الإيجابية لصورة العربي، ومبلغ حظه من التقدم الروحي.. لا شيء في الأفق ولا شيء وراء الأفق، ولا أحد يعرف متى يدرك العالم أهمية استخدام السينما في رسم صورة لحضارته ورسالته.