ينظر الروائي طاهر الزهراني للتجارب المحلية في السينما، نظرة سلبية، ويصفها بأنها كرست الإسفاف، في الوقت الذي ينتظر أن يظهر عمله الروائي المعنون ب"نحو الجنوب" في فيلم سينما خلال الأشهر المقبلة، لتكون أول رواية سعودية تظهر سينمائيا، وفي الحوار مع "الوطن" جوانب أخرى تتعلق بالكتابة السردية وتعالقها مع الفن السابع، فيما يلي نصه: كيف تنظر إلى تحول الروايات إلى أفلام سينمائية؟ وهل السينما قادرة على أن ترسم ملامح الرواية بالشكل الصحيح؟ الصورة السينمائية تختلف عن الصورة النصية تماما، لهذا ستكون هناك مفارقات عديدة في أي عمل يتحول من نص إلى صور مرئية، فكما أن الروائي لديه رؤية وطريقة في سرد فكرته وعرضها، فكذلك المخرج يتعامل مع فيلمه بنفس الطريقة، والتي قد تكون مغايرة أحيانا، وليس في هذا خيانة للأصل وإنما تدخل تفرضه أجواء العمل السينمائي، وحتى يخرج لنا المخرج عملا إبداعيا سينمائيا فإنه سيتعامل مع الرواية كمصدر لفكرة أو إلهام، وليس مرجعا يقيد تحركاته، وهنا يأتي السيناريو الذي يلعب دورا حيويا في صناعة الفيلم، وبين الفيلم والرواية يختلف الانطباع فمن قرأ الرواية في الغالب لا يعجبه الفيلم لأنه ينتظر أن يكون المخرج مخلصا مع تفاصيل الرواية، لهذا من يشاهد الفيلم قبل قراءة الرواية في الغالب يكون راضيا عنه لأنه شاهد شيئا جديدا ولم يُقيد بقراءة سابقة. بالنسبة لي في السابق كنت أشاهد بهذه الطريقة وكنت حريصا على مشاهدة الأفلام التي كانت رواية في الأصل، وأرجع خائبا، والذي آراه أن الفيلم لا بد أن يشاهد بعيدا عن الشكل الأصلي، ويتعامل المشاهد مع الفيلم كشكل مستقل تماما، وأن المخرج حر فيما يعرضه، أتوقع لو أننا شاهدنا الأفلام بهذه الرؤية سنرتاح من مأزق المقارنة الذي لا ينتهي، ثم إن العبرة بمدى جودة الفيلم وجماله وليس بالإخلاص للرواية. هل الرواية لدينا ناضجة حتى تتحول إلى فيلم سينمائي؟ لا أبدا، لا علاقة للنضج بهذا، قد يجد المخرج فصلا في رواية سيئة أو فكرة أو حوارا ويكون بذرة لعمل سينمائي مذهل، المخرج له قراءة خاصة تختلف عن قراءتنا التقليدية تماما، أتمنى أن تكون روايتي سيئة لتصنع فيلما رائعا، لكني أخشى أن تكون سيئة وتصنع فيلما سيئا!. ما الذي يخدم الآخر؟ الرواية تخدم السينما أم العكس؟ الفنون تخدم بعضها البعض بشكل فاتن جدا، ولا يكون هذا إلا في الفن - المكان لا يتسع لنتحدث بإسهاب في هذه النقطة - ففيلم ك(الآمال العظيمة) والتي هي رواية مشهورة لتشارلز ديكنز، تضافرت في الفيلم الفنون (الرواية والصورة والشعر والموسيقى والتشكيل) فخرجت لنا تحفة سينمائية رائعة، كما أن السينما تحتفي بكُتّاب الرواية بشكل لافت فروائي مثل ستيفن كينغ يعرض اسمه بالبنط العريض في البوسترات، وفي بداية عرض الفيلم قبل أي شيء، وكم من رواية كادت أن تنسى وبعثتها السينما من جديد كرواية سيد الخواتم. ماذا قدمت لك السينما كروائي؟ الكثير.. الكثير، فمنذ طفولتي وأنا مهووس بالسينما، السينما قدمت إرث الإنسانية بشكل ساحر جدا، أتحدث هنا عن السينما الإنسانية الملهمة، خاصة تلك الأفلام التي تروى بضمير المتكلم تأسرني جدا. لا شك أن السرد، التقنيات، الحوار، المشاهد، الصورة، البداية، النهاية، الأداء المؤثر، كل هذه الأمور تترك أثرا هائلا على المشاهد، والنتيجة حصيلة هائلة من المشاهد والأصوات كم هائل من القصص والغرائب التي ترسخ في الذاكرة، ثم تكون لها انعكاساتها الإبداعية على الكاتب؛ لهذا حتى في كتابتي تأثرت بالفن السينمائي، ربما يجد القارئ هذا في (نحو الجنوب) فمن الأسباب التي رشحت الرواية، أنها متأثرة بأجواء السينما، لهذا كانت مادة خام وعجينة سهلة لتكون فيلما سينمائيا، من يقول إن السينما ليست ملهمة؟! كون روايتك ستتحول إلى فيلم سينمائي، كيف تقيم هذه التجربة؟ في البداية وبما أني كاتب الرواية أنيط بي كتابة السيناريو، لكني فشلت في ذلك، ثم قامت الكاتبة نهلة محمد بكتابته ونجحت في ذلك وكانت مخلصة للرواية أكثر مني لأني كتبت السيناريو برؤية مختلفة، لكنها رأت في الرواية عملا خاما واضح المعالم، ثم كانت مهمتي في الفيلم مراجعة السيناريو والمشاهد، الآن تم الانتهاء من تصوير المشاهد، والفيلم حاليا في مرحلة المونتاج، وبهذا تكون أول رواية سعودية تحوّل إلى فيلم سينمائي طويل. وبصراحة لم أشاهد الفيلم إلى الآن، لكن الذي أعرفه أن هناك كادرا جيدا وطاقما من الشباب متحمس جدا، ننتظر فقط وقت عرض الفيلم، الذي آمل أن يقدم شيئا للسينما المحلية، لا أريد أن استبق الأمور وأدعي أنه سيكون فيلما مميزا، المشاهد في النهاية هو من يقرر، وانطباعه هو الأهم. ألا تعتقد بأن وعي الناس أحد أهم الأسباب في تراجع العمل السينمائي من التعاطي؟ أو حتى في خشية الحديث فيه؟ بلا شك، وهذا كله له أسبابه ومبرراته، فإغراق السوق قبل 30 سنة وحتى وقت قريب بالأفلام الرخيصة سبب قوي جدا، حتى لا نعرف عن الفيلم العربي إلا الإسفاف، والأميركي إلا العنف، والهندي إلا الرقص الذي يستمر إلى ثلاث ساعات. للأسف حتى تجاربنا المحلية كرست هذه النظرة، ففي الوقت الذي كان علينا أن نكون أكثر ذكاء وحكمة إذ بنا ننتج أفلاما مخيبة مثل: (كيف الحال) و(مناحي)، في وقت كان من المفترض أن ننتج شيئا مختلفا مؤثرا يمنحنا أملا في تغيير نظرة الناس لهذا النوع من الفن؛ لهذا ستتعب جدا عندما تقنع الناس بأن هناك أفلاما إنسانية رائعة ومدهشة في كل بقاع العالم، ستتعب أن تقنع هؤلاء أن السينما الإيرانية أصبحت الآن تقدم أفلاما ذات قيمة إنسانية وفنية عالية، وأصبحت تنافس في جوائز عالمية، وهي سينما بعيدة كل البعد عن الإسفاف والمجون والأدلجة. رغم هذا فإن ما يحدث الآن من تجارب محلية لبعض الشباب السعوديين لهو أمر يدعو للتفاؤل والإعجاب، فأسماء ك: موسى آل ثنيان، وعبدالله آل عياف، وعبدالرحمن عايل، وبدر الحمود، سأراهن عليها في المرحلة المقبلة، وستكون هناك أعمال مذهلة ومختلفة، وستساهم في إزاحة الغبار عن كثير من الأشياء التي كنا نتوقع أنه لن يجرؤ أحد على إثارتها.