الجمهور الكبير الذي ضاقت به قاعة مبنى "الأونيسكو" والباحات الخارجية جاء يستمع بحماسة الى محمود درويش الشاعر العائد الى بيروت بعد غياب قرابة 17 عاماً، وكذلك الى مارسيل خليفة الفنان الذي بدأت "محاكمته" أخيراً. لكن الشاعر فاجأ جمهوره ولم يقرأ شعراً حماسياً بل مقاطع من قصيدة أخيرة عن الموت لم يضع عليها لمساته الأخيرة، وبدت القصيدة ذات بنية درامية تحفر في عمق التجربة التي خاضها الشاعر في مواجهته الموت. وقرأ درويش أيضاً من شعره السابق. أما خليفة فلم يغنّ أغنيته "المحظورة" أنا يوسف يا أبي تحاشياً لإثارة الحماسة بل أدّى أغنيات أخرى بعضها حماسي جواز السفر وبعضها وجدانيّ صرف. أما المفاجأة فكانت في الكلمة التي ألقاها درويش وحيّا بها بيروت على طريقته ومخاطباً "أهل لبنان" قائلاً لهم "اسمحوا لنا أن نحبّكم"، وأضاف "وان لم تأذنوا لي بذلك سأنصرف وأقول: أحبكم". واستهلّ درويش كلمته قائلاً "لعلّ بيروت أكثر المدن تعرّضاً لمديح تستحقه لا لأنها كريمة البحر والجبل. ففي العالم كثير من الجغرافية الناطقة، بل لأنها تهدي الزائر والغريب طريقاً عليه وحده أن يعرف الى أين يفضي به، الى هداية أم الى تيه". وتحدث درويش عن "خبرة بيروت الطويلة مع الآخر". وقال "تعود الطيور المهاجرة الى فضائها أو الى شتاتٍ آخر وتبقى بيروت في مكانها، مدينة ذاتها". وأشار الى العلاقة بين بيروتوالقدس قائلاً "القدس الآن تبكي في عيون بيروت التي ترى في القدس مرآة روحها". واعتبر في الختام أن "وجودي الآن دمعة". و"أن القلب واحد والوجع واحد والأمل واحد". وأمسية محمود درويش ومارسيل خليفة جذبت جمهوراً لم يشهده مركز الأونيسكو طوال سنوات إذ بلغ عدد الجمهور قرابة ثمانية آلاف جلسوا أو وقفوا في الهواء الطلق يصغون ويصفقون لشاعرهم حيناً ولمغنيهم حيناً آخر. أما الأمسية فقدمها الروائي الياس خوري راسماً صورة جميلة وحقيقية للشاعر الفلسطيني الذي حمل بيروت في قلبه.