"ما حصل فظيع، فظيع، فظيع... الذين حضروا اليوم امس لم يأتوا ليتضامنوا مع مارسيل خليفة، بل مع حقوقهم ووجدانهم وآخر ما تبقى من حريتهم، والجدار الاخير المتبقي لهم، وقد جاءوا ليحموه". بهذه العبارات لخص خليفة ل"الحياة" انطباعه عن اللقاء الذي عقد تضامناً معه ظهر امس في نقابة الصحافة اللبنانية، في ضوء طلب قرار ظني صادر عن القاضي عبدالرحمن شهاب السجن له بتهمة "تحقير الشعائر الدينية"، لتضمينه أغنية "أنا يوسف يا أبي" التي لحنها وغناها هو وكتبها الشاعر الفلسطيني محمود درويش، آية من القرآن الكريم. حشد اللقاء ما لم تألفه دار النقابة في تاريخها. نحو ألفين تقدمهم سياسيون تجاوزوا ما يصنفهم به الاعلام، موالاة ومعارضة، ومخرجون وممثلون وملحنون ومغنون وكتّاب وصحافيون ومثقفون ومواطنون وطلاب وحزبيون. فلا قاعة الندوات اتسعت لهم، ولا القاعات والردهات الاخرى والادراج والباحة الخارجية. وحدها قضية خليفة التي اعتبرها قضية الناس، لم تضق بهم، فوقعوا بياناً مكتوباً يتبنون فيه العمل ويتحملون تبعات ما يترتب عليه. وجاء فيه: "نحن الموقعين ادناه، نصرح اننا شاركنا في اعداد الشريط الغنائي "ركوة عرب" الذي صدر باسم مارسيل خليفة، وخصوصاً أغنية "أنا يوسف يا أبي"، عبر الترويج له وتوزيعه. وشاركنا في اختيار نص الاغنية المذكورة بالذات، متبنين تلحينها وأداءها مع تخت موسيقي، بالشكل الذي صدرت به. وإذ نصرح بهذه الواقعة، نعلن مسؤوليتنا الكاملة عن كل ما يترتب عن موقفنا هذا، انتصاراً لحرية الفكر والتعبير، وتمسكاً بتراث العقلانية. وندعو السلطات، بما فيها القضائية، الى اتخاذ الموقف القانوني والعادل حيالنا". وفي قاعة الندوات التي اعتلى منبرها خليفة، ورئيس تحرير "السفير" طلال سلمان الى يمينه، والنقيب محمد البعلبكي والروائي الياس خوري والقيادي الشيوعي كريم مروّة الى يساره، كانت ثلاث كلمات. البعلبكي اعتبر ان "هذه التظاهرة تشرّف لبنان لإنقاذ ما تبقى من احترام وتقدير للفن"، مذكراً بأن "بعض الظن إثم"، في تعليقه على القرار الظني. وخوري أكد "اننا نشترك في ما يسمونه جرماً وسنذهب جميعاً الى المحكمة مطالبين بحكم بالبراءة، لا كما فعلوا من قبل، لأن المتّهم هو الذي اتَّهمنا". وقال انه تلقى اتصالاً من محمود درويش حيا خلاله اللقاء. وأخيراً خليفة الذي شكر للوافدين حضورهم مرتين: كلاماً... وإنشاداً، على عوده، الأغنية موضوع الدعوى القضائية، وقد قوبلت بالتصفيق الحاد والمطالبة بإعادة مقطعها الاخير. انتهى اللقاء، بعد اقل من ساعة على انعقاده، وضاع خليفة المبلل من رأسه الى اخمص قدميه بعرقه، عرق الناس الذين غنى لهم ربع قرن، في بحر المحتشدين. هذا يقبّله، وذاك "يشد على يديه"، وذلك يستصرحه. وهو، وسط هذا الجو، قد أحس انه بين "أخوته الذين يحبونه"...