"التنظير لا يكفي لحل مشكلات شباب الضواحي الفرنسية المهمشة سياسياً واعلامياً على مدار السنة تقريباً، ويجب انتهاج مقاربة تسمح بملامسة واقع آلاف الشبان مع تعامل ميداني يرتكز على مبادئ مجتمع تتداخل مع مبادئ مجتمعات اخرى لاسباب تاريخية، وهذه المبادئ يمكن ان تنقذ شباب الضواحي المهمشة من الضياع اذا عرفنا كيف نمزج بين خلفياتها الحضارية". هكذا ردّ علينا المحافظ جيرار ديرديان الايطالي الاصل ورئيس جمعية "من اجل مواطنة شبابية افضل" والمشرف على "الاخوة الكبار" ذوي الاصول العربية والافريقية الذين يحاربون العنف ويطاردون العبث في اخطر الضواحي الفرنسية المشرعة على "قوانين الغاب"! ديرديان مجيباً على سؤال "الحياة": لماذا شبان من نفس الاحياء الخطيرة - او الصعبة كما يطلق عليها الاعلام الفرنسي لاصلاح شباب آخرين تمردوا على ابسط القواعد الاجتماعية اليومية الى درجة تعكير صفو حياة الفرنسيين وغير الفرنسيين؟ تعميقاً للاجابة… اضاف ديرديان الذي عمل مستشاراً لوزير الداخلية الفرنسي السابق شارل باسكوا قائلاً ان مفهوم الاخوة الكبار له مرجعية اخلاقية عربية واسلامية عالية تدفع بالمؤمنين بها انما المؤمنون اخوة الى اصلاح امر الذين ضلّوا الطريق لاسباب تتجاوزهم، و"لا معنى لشعارات الحرية والمساواة والعدالة في جمهورية فرنسية عمّها العنف". تجسيداً لهذه الرؤية… راح ديدريا الى جانب نورالدين زناتي التونسي المسؤول الاول عن "الاخوة الكبار" يخوض تجربة غير مسبوقة زارعاً حساً مدنياً وحضارياً، ومازجاً بين قيم ابناء المجتمعات المهاجرة وابناء الجمهورية المستقبلة، ومنطلقاً من معطيات سوسيولوجية تعطي صورة غير فلكلورية عن المسلمين والعرب والافارقة الشباب الذين وجدوا انفسهم في مجتمعات اوروبية ولم يختاروا مصيرهم: "والاخوة الكبار ما هم الا احدى صور التعايش الحضاري الذي من شأنه الحد من توسع رقعة العنصرية والافكار المسبقة اللصيقة بالعرب المسلمين الاجانب، ووحدها المشاركة الايجابية والفعّالة في اصلاح المجتمع الام قادرة على كسر طوق التهميش الشبابي الذي تعرفه الضواحي الفرنسية الفقيرة". لقد سمحت معرفة المحافظ ديرديان - ابن العائلة الايطالية المهاجرة - بتاريخ وقضايا الهجرة بتبني "الاخوة الكبار" الذين يتحدرون من اصول عربية وافريقية مختلفة، وجمعهم بشبان فرنسيين آخرين في مدرسة المواطنة التابعة لمصلحة النقل العمومي الباريسي وكوّنهم كوسطاء اجتماعيين لمحاربة العنف والرذيلة… ولترسيخ قيم السلام الاجتماعي: "اعتماداً" على ثقافتين أضحتا قدراً تاريخياً لا مفر منه على حدّ تعبيره، وانطلقت تجربة "الاخوة الكبار" في البداية عبر وسائل النقل والحافلات اساساً: "التي حرم بعض الشباب المنحرفين دخولها الى بعض الاحياء بسبب اعتداءاتهم المتكررة على سائقيها ورفضه دفع ثمن التذكرة وعدم ترددهم في تشويه صورة الحافلة ناهيك عن ضرب الركاب الذين يتجرأون على التدخل والنهي عن المنكر والفحشاء على حد تعبير نورالدين زناتي الذراع الايمن لرفيق دربه المحافظ ديرديان. وقال نورالدين معقباً على ملاحظتنا الخاصة بقلة الشبان البيض في صفوف "الاخوة الكبار" مؤكداً: "ان ذلك يعود الى كثرة الشبان السمر والأفارقة السود في الضواحي الفرنسية المهمشة"، والاصلاح الذي ينشده شبان "الاخوة الكبار" لا يعني هذه الفئة "وليست هي الفئة التي تعاني من التفرقة العنصرية اليومية في الشغل وفي المجالات الحياتية الاخرى، وكثرة العنف في الضواحي التي تقطنها الجاليات المهاجرة تؤكد التهميش المبرمج، ولا تكشف عن انحراف متأصل وطبيعي في نفوس الشبان العرب والأفارقة" والدليل ان هذا التفسير غير صحيح - اضاف زناتي موضحاً: "وجودي على رأس "الاخوة الكبار" الى جانب شبان عرب آخرين سمحت لهم الظروف بتجاوز ظروف الحياة الاجتماعية القاسية في الضواحي وعلى رأسها البطالة التي تنتشر اساساً في صفوف الشبان العرب". ويُمثل التكوين عن "الاخوة الكبار" حجر الزاوية في عملهم الارشادي اليومي ويشمل الشبان الذين تتراوح اعمارهم ما بين الثانية والعشرين والثلاثين، ويوظفون لمدة تصل الى خمسة اعوام، ويتلقون بشكل منتظم تكويناً في الاتصال واللغة الفرنسية والرياضيات والمواطنة، وحسب نورالدين فان بعض الاخوة الكبار كانوا لا يعرفون الكتابة والقراءة حينما التحقوا بمدرسة المواطنة. وتعد مادة المواطنة العمود الفقري في التكوين، وتحوي التاريخ والتيارات الفكرية الكبرى التي ادت الى الاعلان عن حقوق الانسان والنزعة الانسانية والتنوير بوجه عام. وعقّبت سيفولان دييردان على زميلها نورالدين قائلة: "هذه المفاهيم غير معروفة في اوساط الشبان الذين تركوا المدارس وراحوا ضحية محيط اجتماعي قاهر ليسوا مسؤولين عن تدهوره" و"بلغت فعالية التكوين - تدخل نورالدين مجدداً قائلاً - درجة دفعت عدداً غير قليل من الشبان الى تسجيل انفسهم في قوائم انتخابية وتأدية واجبهم لاول مرة في حياتهم بعد ان فقدوا الثقة لمدة طويلة في رجال السياسة". اصبح العمل في صفوف شبان "الاخوة الكبار" وظيفة حقيقية تحدّ من البطالة وتنشر الفضيلة وقيم السلام الاجتماعي وثقافة التعايش الحضاري في كنف الاحترام المتبادل للقيم المختلفة، كما تحول هذا العمل الى محطة مهنية تسمح بضمان آفاق جديدة لخريجي مدرسة المواطنة، واكثر من 50 في المئة من الاخوة الكبار الذين تركوا الجمعية تمكنوا من الالتحاق بمؤسسات متخصصة "واذا كانت الحكومة الفرنسية الحالية تسعى جاهدة الى تطبيق خطة ايجاد 350 ألف وظيفة للشبان فعليها تشجيع "الاخوة الكبار" على حد تعبير فريد احد الاخوة الكبار البالغ من العمر 23 عاماً". ان ارتفاع عدد "الاخوة الكبار" من عام 1993 الى اليوم واستمرارهم في العمل كأعوان أمن في وسائل النقل… وتمكنهم ن القضاء على ظاهرة الاعتداء في الحافلات في الضواحي الباريسية المهمشة: "اكثر من انتصار حضاري، واجتماعي وثقافي… وبعد ثمرة لقاء بين المحافظ ديرديان الايطالي الاصل ونورالدين زناتي التونسي الاصل ومسؤول "الاخوة الكبار" ويذكر ان نورالدين بطل سابق في رياضة الكونغ فو وهو ابن ضاحية "مونمافرماي" اخطر الضواحي الفرنسية الشرقية في لاغة اعلام الاثارة المجانية!!