أعادت الإعتداءات الأخيرة التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس، الحديث عن معاناة ضواحي العاصمة، والتي غالباً ما تصوّر على أنها أرض خصبة للإرهاب، وعن التهميش الذي يتعرّض له سكانها، بالإضافة إلى حالتي الفقر والبطالة المستشريتين فيها. وزاد الخوف من امتداد الإرهاب بعد إعلان تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) أن حادث الإعتداء هو «أول العاصفة»، ما قد يجعل مسلمي فرنسا كبش فداء للمرة الثانية في عشرة أشهر، بعد الهجوم الذي وقع على صحيفة «شارلي ايبدو» الساخرة في كانون الثاني (يناير) الماضي، والتي أثارت الكثير من الجدل بسبب الرسوم المسيئة للإسلام. وأفاد مرصد حقوقي فرنسي وقوع 32 حادثاً ضد المسلمين في فرنسا بعد أسبوع على وقوع الاعتداءات، بينما وثقت جمعية أخرى 29 حادثاً مماثلاً، ما يدفع المسلمين في فرنسا، والذين يمثلون أكبر جالية مسلمة في أوروبا، للخوف من تزايد هذه الحوادث التي لم تتوقف طوال العام. وأوضح استطلاع للرأي أن نسب البطالة في الضواحي الباريسية المهمشة، والتي يشكل الفرنسيون من أصل عربي والمسلمون غالبية سكانها، لم تتغير منذ العام 2005 وأن وجود اسم عربي يجعل الحصول على وظيفة أكثر صعوبة. وعقدت الحكومة الفرنسية برئاسة مانويل فالز اجتماعاً حكومياً مصغّراً الشهر الماضي في ضاحية لي مورو الباريسية، وتم خلاله إقرار مجموعة إجراءات تهدف إلى إزالة «غيتوات» الفقر والبطالة. ويفترض أن تؤدي الإجراءات التي أقرت خلال اجتماع لي مورو إلى تعزيز الخطوات التي كانت اتخذتها الحكومة في آذار (مارس) الماضي، في مجال السكن والتعليم والإعداد المهني من أجل القضاء على «الغيتوات» التي باتت قائمة في عدد من الضواحي، وذلك وفقاً لتعبير استخدمه فالز نفسه في كانون الثاني الماضي. وتزامن الاجتماع مع الذكرى العاشرة لمقتل الشابين زياد بنة (17 عاماً)، وبونا تراوري (15 عاماً) صعقاً بالكهرباء خلال ملاحقة الشرطة لهما في ضاحية كليشي سوبوا، ما أدى إلى اندلاع أعمال عنف في العام 2005، شارك فيها حوالي 2900 شخصاً معظمهم من المراهقين والعاطلين عن العمل في 274 حياً من أحياء باريس. وقام المتظاهرون آنذاك بإشعال النيران في السيارات وعشرات المباني والمدراس ومراكز الرعاية الاجتماعية والقيام بتكسير نوافذ المحال التجارية، وأسفرت التظاهرات عن إصابة 126 من أفراد الشرطة. وأعلنت رئيسة الحكومة حينذاك دومينيك دوفيلبان حال الطوارئ للسيطرة على الأوضاع. وقررت محكمة الإستئناف الفرنسية، في العام 2010، إعادة فتح القضية ومحاكمة الضباط بتهمة «عدم مساعدة شخص في خطر»، بينما أشار مكتب المدعي العام الإقليمي إلى عدم وجود أدلة تثبت معرفة الشرطة بدخول الشابين إلى محطة توليد الكهرباء، الأمر الذي أدى إلى وفاتهما بصعقة كهربائية. في موازاة ذلك، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريراً قالت فيه إن عدد الأشخاص القادمين من فرنسا للإنضمام إلى تنظيم «داعش» هو الأكبر في العالم، بعد انضمام 1200 من مواطنيها إلى صفوف التنظيم بين تشرين الأول (اكتوبر) 2014 حتى كانون الثاني 2015.