"كل هذا الكلام المؤرخ هذا الكلام الذي لم يوثّق... هذا الكلام الذي نتنبأه ونصادر أرواحنا كي نقول الذي نتكبّد من وجعٍ وحروف عندما العشق، عشق الحقيقة، يملأ روحي أنادي: "وُبار"... "وُبار" إطِلّي على زمن الصمت كي نقرأ الحقّ في النحت أسرار ذاك الوجود الأنوف إذا ما تراجع في وجدِنا كاد يطفئ شمس الحقيقة فينا ليشرق ملتبساً بهوانا ومعتذراً بالأفول. حين غادرنا ما توقف كي يتهجّى جوامحنا ويقرأنا في الذي كان ذات العماد "وُبار"1 التي تشرق الآن في وجعي كلاماً تسرمد في الصخر يقول: "عليكم مع الرمل إثم الرماد"2 * الآثار سجل التاريخ... ومهم أن نحافظ على هذا السجل الحافل... لا لتكريس الماضي ولا البشر الذين شيدوا صروحهم ومعابدهم وغابوا، بل لكي نقرأ في هذا السجل مسيرة حضارة الإنسان وتطور طموحاته وتطلعاته الروحية. الآثار هي المدرس الأعظم الذي يستثير أعمق الانفعالات البشرية. يذكر الإنسان بماضيه ويدفعه إلى التفكير في حاضره ومستقبله. بكيت من قلبي يوم زرت آثارنا العربية في الأندلس. أكان كل ذلك المجد لنا؟ فلم لسنا بذلك المستوى من الريادة الثقافية والحضارية وهذه الآثار تشهد اننا قادرون عليها؟ ولكن أليس ذلك حال غيرنا أيضاً، الرومان والفينيقيون والفرس والصينيون والهنود والمايا والإنكا سادة الامازون؟ لم نكن وحدنا من اختصنا التاريخ بالمجد أو بالهزائم... وللتاريخ دوراته. الأطلال كثيرة، وخارطة مواقعها عالمياً تغطي القارات كلها محفورة في الصخور ووجدان أهلها كسجل يشهد بالحضارات التي كانت، من الإنكا والمايا في القارة الأميركية الجنوبية إلى معابد البوذيين وقصور المغول والفرس في آسيا، حتى مدافن الفراعنة في شمال افريقيا وجنائن مونتوزوما في جنوبها. ومع هذا فلعل منطقة الشرق الأوسط هي الأحفل بالآثار، إذ ترتبط بالديانات وبمستوى أعلى من الطموحات الإنسانية وبمحاولات لا تنتهي للوصول إلى تفهم أعمق لوجود الإنسان وارتباطه بغيره... من برج بابل وحدائقها المعلقة إلى تدمر وجرش والبتراء إلى مدائن صالح وآثار العرب البائدة... "نحن قرّاء الزمانات التي أحمالها جاءت خِفافا وثِقالا وهناً ينشق عن فيض وهن وزمانٌ قاصمٌ يأسرنا بين بنيه في تراتيل الصباحات إذا ما إفكها لم يرسم التاريخ أحزاناً وأمواجاً ثكالى ونساء ورجالا يحملون الآن بالقادم من شوق عدن *** حفظ التاريخ منا بعضُ من شاءوا، ومن شاءوا تناسوا أمس لا الذكرى ستحيي صامتاً منا ولا النسيان يلغي من يموت لم يكن هيكل داوود اختيارات قنوت والمزامير التي أطربت الغيد استوّت صمتاً بليغاً فلنصخ للرمل إذ يحكي سمات الملكوت ولنصخ للرمل إذ يحمل من ذراتنا ما لا يموت ليت "أوبار" استعاذت نفسها فينا لتدري لا نرى غير رموس الأمس رملاً يتوالى وأحافير سكوت قيل: "أوبار" التي آخت حذافير الزمن هجعت تحت انثيالات رمال تتوالى قلت: يوم قادم ثم حديث الرمل للرمل ك"أوبار" ... وينسى صوتنا الرمل غناء وخيالا"3 1 وُبار هي مدينة مدفونة تحت الرمال بين عُمان والمملكة العربية السعودية. 2 من قصيدة "ليل وُبار الرهيف". 3 من قصيدة "حديث الرمال".