أعلن الرئيس الايراني سيد محمد خاتمي، في ختام زيارته لباريس امس، ان طهران لا تتدخل في مسيرة السلام في الشرق الأوسط. وشدد على ان اليهود الايرانيين ال13 المتهمين بالتجسس لمصلحة اسرائيل سيلقون محاكمة عادلة وانهم يتمتعون بحرية الاتصال بذويهم ومحاميهم، داعياً الولاياتالمتحدة الى حوار مع ايران والتخلي عن "منطق القوة والهيمنة"، مشيراً الى ان بلاده لا تمانع باقامة علاقات اقتصادية معها. جاء ذلك في تصريحات أدلى بها خاتمي خلال مأدبة افطار مع الصحافة في باريس قبل ان يقود مؤتمراً صحافياً طويلاً ويلقي كلمة في قصر "يونيسكو". وأكد مصدر فرنسي رفيع ل"الحياة" ان خاتمي عزز خلال زيارته انطباع محاورية انه رجل انفتاح وانه يمثل التيار الذي يسعى الى تهدئة العلاقات مع كل الدول المجاورة لإيران ومع الخارج، كما وكانت مناسبة للرئيس الفرنسي لإبلاغ ايران رسائل، خصوصاً بالنسبة الى تمنيه الشديد بأن تحل قضية الجزر مع الامارات عبر محكمة العدل الدولية. وقال خاتمي خلال مأدبة الإفطار، ردّا على سؤال ل"الحياة" عن مستقبل العلاقات السورية - الايرانية في حال توصل الجانب السوري الى تسوية مع اسرائيل: "إن سورية دولة مستقّلة تتخّذ قراراتها بشكل مستقّل كليّا ونحن لا نتدخّل بقرارات تتخذها الدول المختلفة". وأضاف "أما بالنسبة الى مسيرة السلام في الشرق الاوسط فاننا لا نتدخّل في هذه المسألة بطريقة عملية إلا أن لدينا موقفاً مبدئياً ومنطقياً من هذه المسيرة مبنياً على أنه ينبغي أن يستند السلام الى أسس العدل. فإذا غاب العدل، وحتى إذا ساد الهدوء، لن نصل الى سلام دائم. والذين تحمّلوا الاضطهّاد سيثورون للانتقام". وتساءل: "كيف يمكننا أن نأمل بالتوصّل الى سلام دائم في منطقة فيها ألوف من اللاجئين من دون منازل وقد احتلّت أراضيهم، وولد أولادهم في المخيمات وبعضهم مات في المخيمات في حين ان البعض الآخر يحتل أراضيهم". وأعرب الرئيس الايراني عن اعتقاده بأن "السلام الحقيقي في فلسطين المحتّلة يأتي عندما تجد الأطراف المختلفة أن حقوقها محترمة معترف بها. فعلى مدى قرون كان التعايش قائما بين المسلمين والمسيحيين. واليوم لن نتوصّل الى السلام إلا بشرط أن يتمتع المسلمون والمسيحيون واليهود بحقوقهم لتقرير المصير للعيش في مناطقهم وأن يديروا شؤونهم مثلما يريدون". وردّا على سؤال عن مصير "حزب الله" بعد السلام بين اسرائيل ولبنان، قال إنه حزب "مقاوم ضد الاحتلال الاسرائيلي وسيتخّذ قراراته بنفسه طبقا لمصالحه". وأكد خاتمي، خلال المأدبة والمؤتمر الصحافي، أن إيران لا تعارض إقامة علاقات تجارية مع الولاياتالمتحدة أو شراء الحبوب من هذا البلد موضحا أن الولاياتالمتحدة، هي التي تفرض الحظر وتفرض القوانين خارج أراضيها وأن الشركات الاميركية هي التي تتحمّل الآثار السلبية لهذا الحظر. وقال في معرض ردّه على سؤال صحافي اميركي عن العلاقات التجارية بين ايرانوالولاياتالمتحدة "نحن لم نقل أبدا إننا لا نريد علاقات اقتصادية مع الولاياتالمتحدة ولكن بالنسبة الى العلاقات السياسية فالأمر يختلف". وتطرّق خاتمي الى موضوع العلاقة بين ايرانوالعراق فقال "إن إيران شهدت حرباً مدمّرة مع العراق وينبغي استخلاص الدروس من ذلك، وان إيران تتوقّع أن يحترم اتفاق الجزائر الموقع بين بغدادوطهران في 1975 حول شط العرب وان الاتصالات جارية على أعلى المستويات. ان إيران تنصح العراق باحترام القرارات الدولية وتنفيذها". وأشاد خاتمي بموقف فرنسا من بلاده. وقال إن فرنسا اتّخذت مواقف أكثر ملاءمة تجاه ايران وان هذه المواقف لعبت دورا في تطوير العلاقات والتعاون على صعيد العلاقات الثنائية. وردّا على سؤال عن اليهود الايرانيين ال13 المتهمين بالتجسس لمصلحة اسرائيل قال "لماذا لا تسألون عن المسلمين الثمانية الموقوفين معهم. لكل دولة اهتمامها بالأمن الوطني، والمجموعة كلها، اليهود ال13 والمسلمون الثمانية جميعهم مواطنون ايرانيون. وينبغي الا يتحوّل الأمر الى قضية دينية. انهم سيحاكمون بعدل وانهم سيتمتعون بحرية الاتصال بأهاليهم ومحاميهم. ودعا خاتمي، في كلمته في قصر "يونيسكو"، الولاياتالمتحدة الى الحوار والتخلّي عن منطق القوّة والهيمنة. وقال، ملمّحا الى الولاياتالمتحدة من دون ذكرها بالاسم، ان على "الدول التي ترتكز على قواها الاقتصادية والعسكرية وتفضّل منطق القوة والهيمنة للتوصّل الى أهدافها، أن تنتهج سياسة الحوار مفضّلة طريق الحكمة". وأضاف انه ينبغي أن يكون هذا الحوار مبنياً على مبادىء عامة كونية ومحدودة مسبقا وليس على رؤية للعالم منبثقة عن نظام سياسي وديني وفلسفي يستند الى علاقات القوى". ودعا المنظمّات المماثلة ل"يونيسكو" الى "تعميم مثل هذه المبادىء". وقال إذا كانت "القوة والسيف محور القرن العشرين"، مما أدّى الى بروز "خاسرين ورابحين"، فينبغي "أن ندرك ان القرن المقبل يجب ان يكون قرن الحوار لكي لا يتحوّل السيف سلاحاً يقطع عن جانبيه ولا يوفر أحدا". ورأى خاتمي أنه إذا كان "الغرب يعمل من أجل حماية ذاته ويتجاهل مصير مناطق العالم الأخرى، سيتوجّب عليه مساعدة الآخرين من أجل حماية أمنه".