عندما عيّن الشاه الايراني أحمد، وزير الدفاع رضان خان، رئيساً للحكومة في مثل هذا اليوم من العام 1923، بدا من الواضح ان هذا التعيين لم يفاجئ احداً. كان متوقعاً لسببين: اولهما ان احمد شاه نفسه لم يكن يرى انه قد خلق ليكون ملكاً وليحكم. كانت لديه تطلعات اخرى عديدة وكان يعرف منذ زمن انه، آجلاً ام عاجلاً، سيضطر الى التسليم بالامر الواقع وبتسليم البلاد الى ذلك السياسي والعسكري الداهية الذي كانه رضا خان، وثانيهما ان هذا الاخير كان، بشكل او بآخر، الحاكم الفعلي لايران، منذ زمن. من هنا فان المرسوم الشاهنشاهي الذي صدر في ذلك اليوم حاملاً توقيع احمد شاه، معيناً رضا خان في ذلك المنصب، اتى ضمن سياق الصعود السريع لهذا الاخير، كما اتى ضمن اطار تطور الاحداث نفسها في ايران. والملفت هنا ان السير بيرسي لورين، السفير البريطاني فوق العادة في طهران في تلك الايام، كان أبرق الى اللورد كارزون، منذ بدايات ذلك العام، يحدثه عن رضا خان وعن ضرورة دعم الانكليز له، لأنه يشكل الحل الوحيد اذا ما أُريد لإيران ان تستقر بالفعل. مهما يكن في الامر فإن ذلك القرار الذي اتخذه احمد شاه في ذلك اليوم، كان آخر تحرك سياسي قام به، قبل ان يسافر الى فرنسا، حيث يستجم في منتجعاتها المائية. وسيكون، كذلك، آخر قرار سياسي هام يتخذه بصفته شاهاً لايران، حيث ان الشهور التالية شهدت من التطورات ما جعل رضا خان يعلن شاهاً لايران، منهياً بذلك حكم سلالة القجر، بادئاً حكم سلالة بهلوي، التي نعرف انها لن تحكم ايران الا من خلال شاهين متعاقبين هما رضا شاه نفسه وابنه محمد رضا شاه، الذي ستطيحه الثورة الاسلامية بعد ذلك بأكثر من نصف قرن. غير ان هذا كله كان لا يزال بعيداً في اليوم الذي عيّن فيه احمد شاه، رضا خان، رئيساً للحكومة. ورضا خان كان في ذلك الحين ذا شعبية كبيرة في ايران، اذ انه لم يكن يخفي تطلعاته الاصلاحية والتحديثية. فهو كان ذا برنامج اصلاحي واسع في مجالات: الاصلاحات الدستورية بما في ذلك جعل الجيش يلعب دوره الاساسي في تعضيد وحدة الامة وحماية حدودها لذلك نراه يحتفظ بمنصب وزير الدفاع حتى بعد ان عيّن رئيساً للحكومة، الاقتصاد، حيث كان يريد ادخال ايران في السوق العالمية عبر تغيير العملة واقامة جهاز للمحاسبة بالاعتماد على تجارة النفط والمنتجات الحرفية وفي هذا السبيل كان رضا خان ينادي بانشاء بنية تحتية حقيقية من سكك حديد وسدود وكهربة الزراعة وما الى ذلك. والتربية اخيراً حيث كان رضا خان يرى انه يجب اعادة اختراع التربية في ايران من جديد، مع ضرورة انفتاح ايران على العالم الخارجي، في الوقت نفسه الذي تستعيد فيه لحمتها مع ماضيها العريق. مع مثل هذا البرنامج كان من الصعب طبعاً على الشعب الايراني الا يؤيد رضا خان ويسير وراءه، ولأن رضا خان كان رجلاً عسكرياً منذ البداية، احتفظ، كما قلنا، بحقيبة الدفاع، لانه كان يعتمد اولاً واخيراً على الجيش من اجل تأسيس دولة مركزية. وهو في سبيل هذا الامر كان عليه - بالطبع - ان يحارب ذلك النظام القبلي القديم، الذي كان طاغياً في ايران، وكان رضا خان يرى فيه كابحاً يقف في وجه الوحدة الوطنية. وفي ذلك الحين لم يكن رضا خان يخفي اعتقاده بأن الاجانب المهيمنين على مقدرات البلد، او المهددين لها بشكل دائم، وهم في ذلك الحين الانكليز والسوفيات، كانوا يستندون الى ذلك النظام القبلي لكي يؤبدوا سياسة السيطرة التي يمارسونها على بلد لا يتوقفون عن استغلال ثرواته الاقتصادية واحتكارها حارمين الشعب من منافعها الى حد كبير. وبالنسبة الى رضا خان لم تكن سيطرة الجيش على البلد، على حساب السيطرة القبلية، كلاماً على الورق، بل كان فعلاً يتعين ممارسته بشكل مستمر. وهكذا لم يتوقف عن شن حملات قام خلالها وهو على رأس قواته، بسحق الثورات القبلية، وكذلك بسحق قطّاع الطرق والعصابات التي كانت تمارس نشاطها بعيداً عن العاصمة. بالنسبة اليه كان من الضروري ان يتمكن الشعب والبضائع ورجال الدولة من التنقل بين مدينة واخرى بأمان. وكانت هذه الحملات هي المساهم الرئيسي في شعبية رضا خان، وجعلته طوال السنوات السابقة على تسلمه الحكم بشكل مباشر، صاحب السلطة الاقوى في البلاد، والرجل الذي يتمنى الشعب ان يحكمه. من هنا، حين قرر احمد شاه تعيين رضا خان رئيساً للحكومة لم يستغرب أحد ذلك، بل كان السؤال الوحيد: اذن متى يسلمه الامبراطورية نفسها؟ وهو سؤال جاء جوابه بعد ذلك بشهور قليلة الصورة رضا خان يوم أُعلن رئيساً للحكومة ومعه اولاده محمد رضا وشمس واشرف.