طوال فترة من الزمن كانت ايران كلها تعيش اضطرابات استثنائية، اضطرابات سياسية وعسكرية، وألعاب كواليس واحتلالات اجنبية. ووصل الامر الى ذروته اواسط شهر ايلول من العام 1941، حين "استقال" رضا شاه تحت ضغط الجيشين الروسي والانكليزي، بسبب "تعاونه" مع الالمان النازيين، وعيّن ابنه وولي عهده محمد رضا محله شاهاً لايران. وهكذا، حين حل يوم 19 من ذلك الشهر كان كل شيء هدأ، وصار لايران شاه جديد، وكان أول ما فعله الشاه الشاب في ذلك اليوم ان اصدر اول مرسوم افتتح به عهده، يقضي باطلاق سراح المعتقلين كافة، اكانوا سجناء حق عام، ام سجناء سياسيين. ولنا ان نتصور كم اضفى هذا القرار من شعبية على الشاه، وكم ميزه عن ابيه في نظر شعب كان سئم حكم الشاه القديم. وكان من بين المعتقلين المحررين احمد ناقد جفان، الجنرال الذي وقع صك الاستسلام امام القوات الروسية - الانكليزية الغازية، والذي كان الشاه السابق صفعه بسبب ذلك ثم سجنه. في ذلك اليوم ووسط هدوء غريب استتب في البلد افتتح شاه ايران حكمه، الذي سيتواصل بعد ذلك طوال نحو اربعين عاماً، انتهت بثورة دينية عارمة اطاحت الشاه وجاءت الى الحكم بالجمهورية الاسلامية تحت سلطة الامام الخميني. الشهر الذي سبق وصول محمد رضا شاه الى العرش، كان صاخباً، كما أشرنا، فهو بدأ بسلسلة من الانذارات وجهها الانكليز والروس الى رضا شاه، وبتحرك هتلر الذي راح يتطلع للحصول على النفط الايراني. ثم في الخامس والعشرين من آب اغسطس، وإذ لم يستجب رضا شاه للانذارات المتكررة قامت القوات الروسية في الشمال والقوات الانكليزية في الجنوب بغزو ايران. وفي الوقت نفسه، استقال رئيس الحكومة علي منصور بعد ان زاره مندوبو الحلفاء عند الفجر طالبين منه ان يطرد جميع الألمان المقيمين في ايران. في الوقت نفسه كان الروس يقصفون مدن اذربيجانالايرانية، والبريطانيون يغرقون سفينتين في الخليج، ويحرقون سفناً اخرى، ويأسرون مركبي شحن. إثر ذلك وافق المجلس على تعيين محمد علي فوروغي رئيساً جديداً للحكومة، الذي سارع الى مخاطبة الشعب الايراني مفسراً ما حدث غير واعد بشيء، طالباً من الشعب ان يبقى هادئاً وأن يتجنب الوقوع في فخ الشائعات المتكاثرة. صدقه الشعب، لكنه - اي هذا الاخير - كان يعرف ان القنصل الانكليزي قد اضحى، هو، الحاكم الحقيقي للبلد. المهم، تخلص الانكليز من رضا شاه الذي اجبر على الاستقالة، ووجه بدوره الى الشعب رسالة قرأها فوروغي نيابة عنه وفيها: "اشعر انني قد سئمت، ولقد حان الوقت لأن تأتي قوة اكثر مني شباباً وتتابع المهمة التي تتطلب مزيداً من الحزم". حدث ذلك في السادس عشر من ايلول. وفي اليوم نفسه عرف الشعب الايراني ان الحلفاء قرروا ان ينهوا سلالة رضا شاه وان يعيدوا سلالة القاجار الى حكم ايران من طريق وريث لها اختاروه من بين ابناء السلالة المقيمين في لندن. لكن المشكلة ان الامير الذي اختاروه لم يكن يحسن التكلم بالفارسية، وهكذا طلب منهم فوروغي ان يمهلوه اربعاً وعشرين ساعة. وهو استغل تلك الساعات لكي يدعو المجلس الى جلسة أعلم خلالها النواب بتفاصيل ما يدور ثم اقنعهم بضرورة ان يكون محمد رضا شاه، ابن الشاه "المستقيل" هو الملك الجديد للبلاد، فوافق النواب على ذلك وصفقوا للشاه الجديد، فيما كان رئيس الحكومة يتلو رسالة الأب. وفي اليوم التالي صار محمد رضا بهلوي بالفعل ثاني شاه لايران من هذه الاسرة. وأقسم امام المجلس يمين الولاء، في الوقت الذي كانت فيه قوات الاحتلال الروسية والانكليزية تدخل طهران نفسها وتنتشر في شوارعها الصورة محمد رضا بهلوي يقسم يمين الولاء. كان اليوم اربعاء... وكان الاضطراب والقلق باديين على جميع الوجوه. وظل الحال كذلك في اليوم التالي، يوم الخميس. ولكن يوم الجمعة في 19 من ذلك الشهر، اعلن الملك الشاب قراره الأول باطلاق سراح المساجين وكانوا عشرات الألوف. فعمت الفرحة مدن ايران كلها ونسي الناس الاحتلال والحرب والاحداث المتسارعة. وبدأ محمد رضا حكمه وسط زخم شعبي كبير.