كانت بدايات العام 1921، الحقبة التي شهدت بداية التحرك السوفياتي الحقيقي والفعال في اتجاه المناطق الآسيوية غير الخاضعة للحكم السوفياتي، وغير الواردة في برامج التوسع السوفياتي المباشر. وكان على رأس تلك المناطق بلدان هما ايران وتركيا. والحال ان التوسع الديبلوماسي نحو هذين البلدين كان، منذ انتصار البولشفيين في روسيا ثم بداية تأسيس الاتحاد السوفياتي بعد ذلك، كان يشكل هاجساً من هواجس السلطة السوفياتية الجديدة وحلماً من احلامها. ولقد تبدى ذلك الامر سهلاً في تلك الآونة بالذات من حيث ان البلدين معاً كانا يعيشان تبدلات سياسية جذرية سوف تحمل الى السلطة قوى تحديثية تفرض بنى للحكم وللدولة تختلف عن البنى البائدة وتجعل من الممكن لبلد يتوخى الحداثة مثل الاتحاد السوفياتي ان يجد من السهل عليه التعاون معها. ومن هنا، كان يوم الثامن والعشرين من شباط فبراير 1921، يوم انتصار للسوفيات لأنه اليوم الذي كان بامكانهم فيه ان يعلنوا امام الملأ، ولا سيما امام الرأي العام السوفياتي، تفاصيل الاتفاق الذي كانوا قد توصلوا الى توقيعه مع الايرانيين، قبل يومين فقط، وهو اتفاق كان من شأنه ان يفتح لهم آفاقاً واسعة في طول المنطقة الآسيوية وعرضها. والحال ان ذلك ما كان من شأنه ان يتبدى ممكناً لولا الانقلاب الحاسم الذي كان الكولونيل رضا شاه الصورة قد قام به قبل يومين فقط، اي في 26 من ذلك الشهر، وجعل منه الرجل القوي في البلاد. وعلى الرغم من ان رضا شاه لم يكن في الاصل عازماً على ان يجعل من انقلابه انقلاباً ضد الانكليز، فانه كان يرى ان التقارب مع السوفيات -رغم التفاوت الايديولوجي بينه وبينهم- كان من شأنه ان يشكل حاجزاً في وجه المزيد من الاطماع الانكليزية. فإيران كانت قد خرجت من الحرب العالمية الاولى وقد بدا على مؤسساتها التهالك، كما بدا انه بات من الضروري لها ان تحدّث بناها وسياستها. وهي لم يكن بامكانها ان تفعل ذلك من دون اللجوء الى ثرواتها النفطية التي كانت قد بدأت تلوح في الأفق، ومن دون الانكليز المقبلين منهم على المنطقة والذين كانوا، هم، وحدهم القادرين على لعب لعبة التحديث. اذاً، اما تلك الاحتمالات الضرورية: التحديث والوجود الحتمي للانكليز، لم يكن امام رضا خان إلا ان يتوجه شطر الطرف الآخر، فكان السوفيات هناك ينتظرون اشارة منه للتحرك. مهما يكن، فان رضا شاه لم يكن قد اصبح شاهاً بعد. كان فقط وزيراً للحربية، وكان قد نجح في تحركه العسكري ثم في انقلابه وأصبح الرجل القوي، فيما كان السيد ضياء الدين، رئيساً للحكومة في عهد آخر شاهات السلالة السابقة، سلالة القاجار، احمد شاه. وكان ضياء الدين هو الذي، من الناحية الشكلية، حصل من الاتحاد السوفياتي على توقيع تلك الاتفاقية التي سيطلع عليها الشعب الايراني يوم 28/2/1921 ليجد انها تستجيب الى حد كبير لتطلعاته الوطنية، فالحال ان السوفيات كانوا، تبعاً لتلك الاتفاقية يتعهدون بالتخلي عن الامتيازات التي كانت قد منحت سابقاً للسلطات القيصرية، لكنهم كانوا في الوقت نفسه يقبلون بإنهاء "جمهورية غيلان السوفياتية" التي كان قد سبق لثوار معادين للإنكليز متحالفين مع الشيوعيين قد اقاموها في مناطق ايران الشمالية اثر ثورة تبريز. وكانت تلك الجمهورية وإقامتها، رداً على معاهدة كان السير برسي كوكس قد فرضها على شاه ايران وتؤمّن للإنكليز السيطرة التامة على الجيش والإدارة في ايران. من هنا جاءت المعاهدة مع السوفيات صفعة للإنكليز، غير ان السوفيات عرفوا فيها كيف يحافظون على مكانة لهم، اذ ان بنود المعاهدة نصت على ان يكون لهم حق التدخل المسلح في ايران في حال ما اذا بدا امنهم مهدداً هناك. ومن ناحية اخرى تعهدت طهران بان لا تمنح اية قوة اجنبية اية امتيازات في اقاليم الشمال الايراني الخمسة التي طالتها المعاهدة الايرانية - السوفياتية بشكل رئيسي. مهما يكن فان السيد ضياء الدين سرعان ما دفع غالياً ثمن اتفاقه ذاك مع السوفيات، اذ انه اصطدم بالزعامات التقليدية وبالإنكليز مما اضطره لتقديم استقالته بعد اشهر ليُعيّن غوام السلطنة، حاكم خراسان السابق رئيساً للحكومة محله فيسير على هدي سياسة اقل عداء للتقليديين وللإنكليز، ممهداً بذلك الطريق لرضا خان، لكي يستولي على السلطة عما قريب، مستفيداً من تلك التفاوتات والصراعات بين الإنكليز والسوفيات، في وقت ظل فيه السوفيات متمسكين بالاتفاقات الديبلوماسية مع ايران معتبرين ان ذلك كان اول اندفاع لهم نحو آسيا غير السوفياتية.