قلت قبل أيام على التلفزيون ان أكثر قضايا حقوق الانسان التي أتلقاها بالبريد الالكتروني كل يوم هي عن مصر، وليست عن أي بلد عربي آخر. وزدت ان هذا ليس دليلاً على أن حقوق الانسان في مصر أسوأ منها في البلدان العربية الأخرى، بل تدل على أن هناك من الحرية الشخصية في مصر ما يمكن دعاة حقوق الانسان من العمل بأمان ومن دون خوف مع رجاء ألا يُغَيَّر القانون ليصبح عملهم أكثر صعوبة. واستطيع أن أزيد اليوم الكويت، فقد بدأت أتلقى بالبريد الالكتروني رسائل من منظمة لحقوق الانسان تدافع عن ال"بدون" في ذلك البلد. وهناك قضية لهم في الكويت، غير أنني اعتبر نشاط المنظمة المدافعة عنهم دليل حرية وأمان في الكويت، حتى والمنظمة تحتج على اعتقال عالم أو صحافي. ذكرني شعوري ازاء مصر والكويت بمشاعر الصحافة الأميركية ازاء اسرائيل، فوزارة العدل الاسرائيلية، وفيها وزير نادر هو يوسي بيلين، اعلنت رسمياً منع تعذيب السجناء الفلسطينيين والمعتقلين. وهللت الصحافة الأميركية كلها وزمّرت وطبلت للقرار الاسرائيلي، واعتبرته مظهراً آخر من مظاهر "الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط. هل هذا صحيح؟ القرار يعترف رسمياً بأن اسرائيل تضرب السجناء والمعتقلين وتعذبهم لانتزاع الاعترافات منهم منذ تأسيسها قبل أكثر من 50 سنة. ومع ذلك فأنا لم أرَ إشارة واحدة في الصحف الغربية الى هذه النقطة الأساسية في القرار الاسرائيلي، وكان الحديث كله عن ان اسرائيل لم تعد تضرب، إلا انها اعترفت بالضرب. نقول "الفرفور ذنبه مغفور" ولا يوجد "فرفور" مثل اسرائيل في العالم، وعندي مقارنة أهم مما سبق. الرئيس حسني مبارك ورث عن الرئيس أنور السادات أحكام الطوارئ في البلد، ولم يرفعها. وأنا أضم صوتي الى كل صوت مصري يطالب برفعها. القضية ليست هنا، فهل يعرف القارئ ان في اسرائيل حالة طوارئ منذ تأسيسها سنة 1948؟ قانون الطوارئ اعلنته أول حكومة اسرائيلية ولا يزال ساري المفعول، والمواطن العربي الذي صدق ان اسرائيل ديمقراطية لأنه ضاق ذرعاً بحكومته، لا يعرف ان قانون الطوارئ الاسرائيلي القائم منذ أكثر من نصف قرن يخول الحكومة منع اضرابات وفك اضرابات بالقوة، وممارسة الاعتقال الاداري، والتحقيق من دون اذن قانوني، ومراقبة الانتاج ومصادرته وغير ذلك كثير. لماذا نسمع عن الطوارئ في مصر، مرة في الاسبوع على الأقل، ومرة في اليوم خلال المناسبات، مثل انتخابات الرئاسة، ولا نسمع عن الطوارئ الاسرائيلية القائمة منذ 1948؟ عندي سؤال آخر: ماذا سيحدث لو أن بلداً عربياً أو مسلماً رفض تسليم مواطن عربي أو مسلم تطالب به الولاياتالمتحدة لاتهامه بجريمة قتل أو ارهاب؟ البلد المعني سيتعرض لعقوبات اقتصادية، وربما حملة عسكرية. مع ذلك رفضت اسرائيل تسليم الولاياتالمتحدة المراهق صموئيل شينباين الذي قتل طالباً معه في ماريلاند هو الفريدو انريك تيلو وقطع أوصاله لأن المطلوب يهودي. شينباين لم يكن يحمل الجنسية الاسرائيلية، بل لم يكن يتكلم العبرية عندما فرّ الى اسرائيل، ومع ذلك فاسرائيل رفضت إعادته الى بلده لأنه يهودي. وهو يواجه الآن حكماً عليه في اسرائيل أقصاه 24 سنة سجن ربما خرج بعد قضاء نصفها، مع أنه كان سيواجه الإعدام في بلاده. ولم تعاقب الولاياتالمتحدة اسرائيل، ولم تغزُها، بل واصلت الانبهار بالديمقراطية الاسرائيلية، حتى وفي أساس هذه عنصرية واضحة في التعامل مع أجناس البشر. واختتم بأغرب ما قرأت هذه السنة. اعلنت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي آي ايه رسمياً ان الفيروس الذي انتشر في نيويورك أخيراً ليس عملاً ارهابياً أمر به الرئيس العراقي صدام حسين. لم أدافع عن صدام حسين في حياتي، ولن أبدأ اليوم، ولكن أسأل هل من المعقول ان العراق يملك القدرة حتى نخوض جدلاً عقيماً حول النوايا لنشر فيروس خبيث في نيويورك؟ الفيروس معروف، فهو تنقله حشرة معروفة أيضاً، من الطيور الى البشر، وهناك نظريات حول وصوله الى نيويورك حيث قتل حتى الآن خمسة أشخاص وأصاب 27 غيرهم. التهمة الأصلية أطلقها منشق عراقي وتلقفتها منه مجلة "نيويوركر"، وهي رصينة نافذة، لا يمكن أن تصدق مثل هذا الشطط. ومع ذلك فقد وجد من روج، ومن صدق، والنتيجة تصب في خانة تصوير صدام حسين كخطر عالمي أو "بعبع" تبرر معه كل الاجراءات القمعية الوحشية ضد شعب العراق لا حكومته. وقرأت وقرأت، وعرفت أشياء، إلا أنني لم أعرف لماذا أواصل القراءة.