التاريخ يعيد نفسه، وبما ان المنتصر يكتب التاريخ، فإن العرب والمسلمين لا يملكون سوى قراءته من دون أن يتعلموا شيئاً. في التسعينات حاول لوبي اسرائيل في الولاياتالمتحدة اقناع ادارة جورج بوش الأب بالزحف على بغداد فرفض الرئيس، وحاولت عصابة الشر الليكودية مرة أخرى مع بيل كلينتون سنة 1996 وسنة 1999، وكتبت تقريراً يدعو الى اطاحة النظام في العراق، ووجهت رسالة الى الرئيس تحرضه على نظام صدام حسين. ومرة أخرى رفض الرئيس الأميركي ان يجر بلاده الى حرب اسرائيلية الأسباب. ثم جاء إرهاب 11/9/2001 وفي البيت الأبيض رئيس أحمق جاهل، مع خلفية إدمان خمر ومخدرات، ووجد لوبي اسرائيل فرصته فكانت الحرب المدمرة التي قتل فيها 4500 أميركي ومئات ألوف العراقيين. الحرب كانت مهمة لذاتها بتدمير بلد عربي كبير ثري شعبه عالي التعليم والقدرة، ما يمثل خطراً (وهمياً) على اسرائيل، ثم سرقة نفطه. غير أن الأهم من هذا وذاك ان عصابة اسرائيل من يهود أميركيين ليكوديين ومشترعين أميركيين مرتشين حولت الأنظار عن العملية السلمية بخلق وضع أهم كثيراً من السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، والقوات الأميركية تقاتل، وتخسر، على جبهتين، بعد ان كادت التسعينات تنتهي باتفاق سلام. اليوم يعيد التاريخ نفسه على شكل مواجهة مع ايران تسعى اليها اسرائيل وعصابتها الأميركية، ونقرأ عن ان ايران خطر وجودي على اسرائيل، بل خطر على السلام العالمي وعلى الولاياتالمتحدة نفسها. هذا كذب من حجم كذب أسلحة الدمار الشامل في العراق والعلاقة مع القاعدة، وللأسباب نفسها، فحرب مع إيران، تبدأ بضربة عسكرية اسرائيلية أو أميركية، أو مواجهة عبر حزب الله وسورية، من شأنها ان تلغي عملية السلام عبر العقد الثاني من هذا القرن، كما ألغتها في العقد الأول، وتنجو اسرائيل من ضغوط رئيس أميركي أسود في ذكاء كلينتون، وفي سعيه الى ما يفيد بلده لا ما يفيد اسرائيل. لا تفسير ثانياً أو ثالثاً للتخويف من «بعبع» ايران. اسرائيل وحدها أقوى منها ألف مرة وتستطيع مسحها عن الخريطة في مواجهة نووية بينهما لا العكس. والولاياتالمتحدة أقوى في شكل لا تجوز معه المقارنة، فهي من القرن الحادي والعشرين وإيران من القرن التاسع عشر قوة وفهماً سياسياً وممارسة. مع ذلك كان احتفال اسرائيل باستقلالها في 19 من هذا الشهر (هو كذبة أخرى بحسب تقويم عبري مزور، ونحن نحيي ذكرى النكبة في 15 أيار/ مايو) فرصة للتحريض على ايران والضغط على ادارة أوباما حتى لا تضغط على اسرائيل. ثمة قلق اسرائيلي وليكودي أميركي أسبابه واضحة من موقف باراك أوباما إزاء اسرائيل، فهو زار تركيا ومصر، ولم يزر اسرائيل، لذلك قرأت حملة إعلامية أميركية حول هذه النقطة وحدها تطالب الرئيس الأميركي بزيارة اسرائيل. وكان 76 عضواً في مجلس الشيوخ وقّعوا رسالة الى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تطالب بتأييد اسرائيل وتجمع بين الخطأ والتضحية بمصالح الولاياتالمتحدة، فالرسالة تقول إن المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية مجمدة منذ سنة ما يناقض 16 سنة من السياسة الأميركية. الحقيقة ان المفاوضات مجمدة عملياً منذ عشر سنوات، وتحديداً منذ وصول مجرم الحرب آرييل شارون الى الحكم، وجورج بوش الولد لم يتحدث عن مفاوضات وحلّ، وخريطة طريق وأنابوليس وغير ذلك إلا بعد أن هزمه الإرهاب (والمقاومة) في العراق. ولم تكن هناك مفاوضات حقيقية يوماً وإنما حديث عن المفاوضات، واليوم ليكود يقود حكومة مجرمي حرب في اسرائيل ولا مفاوضات ممكنة. لا أستطيع في عجالة صحافية غير الإيجاز والرسالة الى كلينتون سعى اليها السناتور برباره بوكسر، وهي ديموقراطية من كاليفورنيا والسناتور جوزف ايزاكسون، وهو جمهوري من جورجيا، وكلاهما اسرائيلي الهوى يمثل مصالح اسرائيل. واختار السناتور تشك شومر، وهو اسرائيلي الهوى أيضاً يمثل اسرائيل عبر نيويورك ان يزايد على الرسالة التي وقعها في مقابلة مع برنامج اليهودي المتطرف مثله ناحوم سيغال هدد فيه الإدارة وقال ان موقفها من اسرائيل سلبي ومريع ومنحاز. كلها صفات تنطبق على اسرائيل وأنصارها، إلاّ أن الأهم من تبادل النعوت أن المشترعين الأميركيين يزعمون ان «العلاقة التي لا تنفصم» مع اسرائيل هي طريق السلام مع الفلسطينيين مع أن هذه العلاقة المستمرة منذ عقود لم تأت بالسلام وانما قتلت النساء والأطفال في فلسطين، ثم الأميركيين والعراقيين والمسلمين حتى باكستان وأفغانستان. اللوبي يعرف هذا، ويعرف أن باراك أوباما من نوع بيل كلينتون لا جورج بوش الصغير، لذلك هناك ايران ومشروع حرب عليها تدمر المنطقة على رأس أهلها الذين لا يفعلون من التاريخ سوى مشاهدته، وقد سحبت كلمة «قراءته» التي بدأت بها لأنني تذكرت انهم لا يقرأون. [email protected]