في عرضه لكتاب أمين المهدي المعنون "أزمة الديموقراطية والسلام" تيارات 3/10، لخص الدكتور سعد الدين ابراهيم المقولة الرئيسية للكتاب قوله إن "غياب الديموقراطية في العالم العربي هو السبب الأساسي في سوء الإدارة العربية للصراع وفي الهزائم المتتالية، وأن المستفيد الأول من استمرار الصراع هو الدكتاتوريات العربية من جانب والعسكرية الاسرائيلية من جانب آخر". والاختلاف مع هذا الكلام ينصب على شقه الثاني، لأن غياب الديموقراطية - وليس الصراع - هو مصدر الفائدة للطرفين بغض النظر عن أوضاع الحرب والسلام ساخنة كانت أم باردة. ولذلك يخسر العرب اليوم معارك السلام كما خسروا من قبل معارك الحرب. إن غياب الديموقراطية العربية هو السلاح الذي يمكن اسرائيل وحلفاءها من وعي وذاكرة العالم العربي بهدف تحويله الى كيان ممسوخ بلا تاريخ أو هوية أو تراث متميز، ومن جهاز المناعة فيه بهدف تدميره حتى يعجز عن المقاومة. هذا الغياب ضروري أيضاً للدكتاتورية العربية لأنه فقط في ظله تزدهر صناعة الإجماع وترتفع أسهم المثقف الطفيلي المبدع في فنون هذه الصناعة. وفي حماسه للكتاب "الشجاع والصريح" وفكرته المستندة الى حتمية الديموقراطية، لم يلتفت الدكتور ابراهيم الى المعضلة المقوضة لهذه الفكرة، فالكاتب يدعو لإنشاء "برلمان أهلي للسلام والديموقراطية" في بلدان الشرق الأوسط، وهو ما يصفه ابراهيم بأنه "دعوة لأصحاب المصلحة في الديموقراطية والسلام"، تكمن المعضلة في قيام الكاتب باشتراط أن تكون مرجعيات "دستور البرلمان" هي اتفاقات السلام ومقررات أوسلو، وهذا ينفي تلقائياً عن الكيان المقترح صفتي الديموقراطية والسلام. لقد ثبت على مدار ست سنوات أن أوسلو وتوابعها لا تصلح كأساس لسلام عادل وشامل. ولأن هذه مسألة مثيرة للجدل والخلاف، فمن الخطأ - فضلاً عن كونه اجراء غير ديموقراطي - أن يفرضها طرف كإطار لدستور برلمان قبل أن يستكشف آراء خيرة المثقفين والمفكرين الذين من المفروض أن يجمعهم هذا البرلمان. أما إذا كان المقصود أن يجمع البرلمان مؤيدي أوسلو فقط، فمن ناحية هناك كيان كهذا قائم بالفعل اسمه "التحالف الدولي من أجل السلام"، ومن ناحية أخرى يكون من غير الملائم إقحام الديموقراطية فيه لأنه يستثني المعارضين لأوسلو مهما كان ايمانهم بالديموقراطية. إن المعضلة تتلخص في أن الكاتب يريد أن يجمع قصراً بين نقيضين. الديموقراطية و"عملية سلمية" قامت منذ البداية على قهر وتهميش المعارضين والمقاومين لها. وهكذا بدلاً من أن يقدم كتابه حلاً لأزمة الديموقراطية والسلام، نراه يساهم في تعقيدها. لا غرابة إذن أن يشكو سعد الدين ابراهيم من "الصمت المطلق" المحيط بكتاب المهدي. صلاح عز - القاهرة