عبر نحو عقد من الزمان في منصبه كأمين عام للجامعة العربية استطاع عمرو موسى أن يفرض على المبنى العتيق في أشهر ميادين القاهرة التعاطي مع لغة العصر، ومن ثم فتح أبواب الجامعة لمنظمات المجتمع المدني، وأعد تقارير تمثل كشوف حساب اجتماعية وحقوقية وتنموية عن الأوضاع العربية في مختلف المجالات. وفي الوقت نفسه احتشد مع مثقفين عرب دفاعاً عن الهوية العربية ويتفق مع مثقفين كبار لمناقشة اقتراح عقد قمة ثقافية عربية بعد أن التأمت في الكويت في العام الماضي قمة اقتصادية اجتماعية وتنموية... يخترق موسى معنا في هذا الحوار، الجدار الثقافي العربي ويقدم رؤيته للعمل الثقافي العربي وأدوار المثقفين. وقد بادرنا فيه بالقول: «أشكر «الحياة» لأنها أثارت موضوع الجانب الثقافي في عمل جامعة الدول العربية، لأنه في تصوري، إما هو مجهول أو غير متابع، أو غير معطى الأهمية اللازمة، أو هو يحتاج فعلاً إلى عمل إضافي وعمل أكثر تقدماً ونشاطاً. وأنا أرحب بأسئلة «الحياة» لأني أريد إعطاء هذه الناحية الأهمية اللازمة في شرح ما جرى وكذلك ما يمكن أن نبني عليه. وأستطيع القول إن الجامعة العربية فتحت أبوابها وللمرة الأولى في تاريخها لمنظمات المجتمع المدني بشقيه الاقتصادي والاجتماعي والآن الثقافي». أنت مهتم كما هو واضح بالناحية الثقافية، وقد تزيد من نشاطاتها في الفترة المقبلة، لكن ما رؤيتك للواقع الثقافي العربي الراهن، وبالتالي كيف ستنفذ هذه الناحية التي تشغل اهتمامك الآن؟ - دخلت جامعة الدول العربية بالفعل هذا المجال وبطريقة مباشرة، إثر أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 في نيويورك، وقيام الحملة الهائلة المرتكزة على نظرية ما سمي «صراع الحضارات» وتركيز هذا «الصراع» أو اختصاره في العلاقة بين الغرب والإسلام. وهذا المنحى كان واضحاً على كل حال، منذ نهاية الحرب الباردة، إذ بدأ الحديث عن «صراع الحضارات»، وعن «نهاية التاريخ». وكنت واعياً تمام الوعي بهذين الموضوعين، ودرست نظريتي هينتغتون وفوكوياما بعناية، وتحدثت حديثاً مفصلاً مع هينتغتون في حضور كلاوس شواب رئيس منتدى دافوس، وناقشته في موضوعه (صراع الحضارات) وقلت له وجهة نظري. هل يمكن الحديث عن خطوات محددة قامت بها الجامعة في هذا الإطار؟ - بدأت بأن دعوت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2001، أي بعد أقل من شهرين من تلك الأحداث، مئة مفكر عربي من الدول العربية ومن العرب في الخارج من أساتذة الجامعات في فرنسا، وأميركا، وأوروبا وغيرها وآخرين منتشرين في أنحاء العالم، وبحثنا معاً في موضوع «صراع الحضارات» والتركيز في هذا الوقت على العرب والمسلمين وثقافتهم التي ُتتهم بأنها ثقافة إرهاب وعنف وتخلف. أردنا أن نفصل بين الثقافة وبين الممارسة، بين ممارسة القلة وموقف الكثرة من العرب والمسلمين، وطرحت انه إذا كان علينا ان نتكلم عن «صراع الحضارات» فوجهة نظري التي قلتها في ذلك الاجتماع وبقيت أقولها حتى هذه اللحظة في كثير من المنتديات الدولية إنه نعم، هناك صراع حضارات ولكنه صراع بين الأجنحة البعيدة عن المركز والأجنحة المتطرفة بصفة خاصة في مختلف الحضارات، وأن التطرف الذي يتهموننا به موجود بالضرورة في أي حضارة وهو موجود في حضارتكم كما في حضارتنا. وضع الثقافة العربية الآن... كيف تراه؟ هل هو قادر على أداء الرسالة التي تستهدفونها؟ - نحن في الجامعة العربية على وعي بأنه لكي تكون طرفاً ذا تأثير وحضور، يجب أن يكون موقفك الثقافي الداخلي في مجتمعاتك وجامعاتك ومدارسك ومكتباتك وترجماتك نشطاً قادراً على إنتاج التقدم وإعداد البراهين على خصمك أو منافسك الثقافي... إنتاج يستطيع أن يدعم وجهة نظرك وأن يسند ظهرك وأنت تصارع في إطار صراع الحضارات بحقيقة أن هناك ثقافة أو تطوراً في الثقافة العربية، مبنى ومعنى، ونتاجاً وتأثيراً داخل مجتمعك. واليوم نحن نطرح البند الثقافي والذي يشمل أيضاً التعليم والبحث العلمي والابتكار والإبداع، وأرى أنه حان الوقت الآن لاجتماع على مستوى عال في موضوع الثقافة لإعطاء الدفعة السياسية اللازمة لنشاط ثقافي يقر فيه الكل بأنه موضوع حيوي وليس موضوعاً ثانوياً، وانه لا يقل أهمية عن البنود الخاصة بالتنمية الاقتصادية أو تلك الخاصة بعلاج المشكلات السياسية. القمة الثقافية العربية على أي مستوى يمكن أن يكون هذا الاجتماع؟ - أرسل إليّ الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي مقترحاً موضوع القمة العربية الثقافية، كما تحدثت معي جهات متخصصة كثيراً في هذا، ورددت على الأمير بالتوافق مع مقترحه المهم أننا سوف نسرع الخطى، وآمل أن نلتقي قريباً لبدء مناقشة إمكانات أو تفاصيل تنفيذ هذا المقترح في إطاره الزمني، وإطاره الموضوعي وجدول الأعمال، والقرارات والتوصيات المطلوبة، حتى أتمكن من أن اقترح في القريب عقد هذه القمة الثقافية. وأرجو أن تساعد الدول العربية على عقدها وأن تؤيدها، وتقتنع بأن الثقافة لا تقل أهمية في عصرنا عن العمل السياسي والتنمية الاقتصادية، وأن التنمية الثقافية تحتاج إلى نظرة مختلفة منا جميعاً باعتبارها الداعم الأساسي للتقدم السياسي والتطور الاقتصادي. غالباً ما نتحدث عن الندوات والمؤتمرات واللقاءات الثقافية بعد أن تنتهي وينفض لقاء المثقفين تتحول أو تظل حبراً على ورق، مثل الكثير من المؤتمرات العربية المشتركة. - الثقافة تحتاج إلى مقارعة الفكر بالفكر، والخروج بخلاصات تمهد للدراسة واتخاذ القرار من المجالس المتخصّصة. هناك طبعاً قرارات تصدر بالمشاركة في مؤتمرات، بإقامة مراكز أو برصد أموال لهذا الهدف أو ذاك. لكننا نريد خطة شاملة، وهذا ما يجب أن تخرج به القمة الثقافية التي نتحدث عنها الآن. والمسألة كما هو واضح في حاجة إلى مشاورات ودراسات لأنها ليست متعلقة فقط بالجامعة العربية إنما بالمؤسسات الثقافية العربية بعامة وبخاصة. منذ أيام قليلة عقدت في الجامعة جلسة طويلة شارك فيها نحو أربعين مفكراً عربياً، ناقشنا الوضع العربي، وضع التنمية العربية، الإطار أو الأطر التي تعيش فيها المجتمعات العربية، ومدى التخلف والتقدم بصفة عامة. في أحيان كثيرة هنا في مقر الجامعة أو في مراكز ثقافية أخرى مثل البيت العربي في مدريد، ومعهد العالم العربي في باريس، عقدنا اجتماعات كثيرة وأثرنا هذه المواضيع وتحدثنا نحن كعرب مع آخرين في هذه المواضيع. اجتماعات كثيرة حصلت والطرح فيها كان عميقاً ومهماً، وأرى أن الذي يضعفنا هو مستوى التعليم الحالي، ينبغي أن نبحث الأمر. لقد تعدّى عددنا ثلاثمئة مليون، ويجب أن تمثلهم نسبة معقولة من المثقفين تتناسب مع هذا العدد الضخم، وليس مجرد مئة أو مئتين. هذا لسنا مؤهلين له بعد، لأن المستويات العلمية كلها هابطة. مع ذلك ونحن الآن في عملية إعادة النظر في التعليم وفشله، وفي البحث العلمي وشلله، لأنه عندما يتغير مستوى التعليم يكون الطرح الثقافي أكبر وأعمق وأشمل بكثير. ثم أود أن أشير مرة أخرى إلى موضوع الترجمة، الترجمة ضعيفة جداً في العالم العربي، ونحن متهمون بل مهانون بأن كل العالم العربي في مئة سنة ترجم عدداً من الكتب تترجمها أي دولة أوروبية عادية أو متوسطة في سنة واحدة. ... ونسب القراءة في العالم العربي متدنية؟ - إنها نسب متدنية والكتب الصادرة لا تزال قليلة، لا تترجم بفعالية ما يحدث في المجتمع الآن. وعدد منها يمعن في الحديث عن الماضي. ولكن من ناحية أخرى هناك كتب ومؤلفات وإبداعات تجتذب الذهن العربي الراهن، خذ رواية «عزازيل» أو «عمارة يعقوبيان» أو رواية إبراهيم نصرالله الأخيرة «زمن الخيول البيضاء»، خذ أشعار نزار قباني ومحمود درويش... كلها يقبل عليها العامة والخاصة في كل أقطار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج. ثم هناك الكتب الصادرة عن الأزمات العربية، هذه تجتذب القارئ المتعطش للقراءة... لاحظت أن هذه الكتب التي استدعت الكثير من التعليقات في البلدان العربية تعكس اهتماماً كبيراً بالكتاب إذا توافر. وإذا قدمت للقارئ سلعة جيدة سيقبل عليها، وتفرض عليه قراءاتها، وبالتالي يحدث إقبال على القراءة. هل يمكن أن تكون هناك علاقة تنظيمية أو عملية بين جامعة الدول العربية ووزارات الثقافة العربية؟ - العلاقة قائمة مع الوزراء وليس الوزارات من ناحيتي، لكنّ «المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم» متخصصة في تفاصيل هذه العلاقة، والآن على رأسها رجل فاضل هو محمد بن عزيز بن عاشور وزير الثقافة التونسي السابق، رجل على كفاءة عالية وهو نفسه من المثقفين المتميزين، وأعتقد أنك سوف ترى في الشهور والسنوات المقبلة نشاطاً عربياً كبيراً في هذا الإطار. والعلاقة ليست مجرد روتين بدليل حدوث خطوات محددة، من مؤتمرات لوزراء الثقافة العرب ومعارض... وأيام ثقافية... دور المثقفين العرب... دائماً هناك حديث عن دورهم سواء على المستوى الوطني أو القومي وأنهم لا يؤدون واجباتهم في الأزمات العربية. - لقد ولى زمن طرح الشعر والأغاني في أوقات الأزمات وهي وإن كانت مطلوبة إلا أن طرح الحقائق وتحليل الأمور مطلوبان أكثر. وهذا لا يقدر عليه إلا المثقفون المتخصصون. إن دور المثقفين هو التنوير وليس حل الأزمات، ومن ناحية أخرى فإن التنوير والفهم الصحيح للأمور يساهمان في شكل ما في حل الأزمات. أين المثقفون العرب؟ ألا تسأل في يوم من الأيام أين المثقفون العرب عندما تتعرض الجامعة أو الدول العربية لأزمات، ثم ألا ترى أن دورهم غائب؟ - دائماً أنا مع المثقفين العرب، نلتقي ونتحاور ويسمع بعضنا بعضاً، لا أنفي التهمة، ولكن ليس كلياً. دورهم ممكن أن يكون أفضل بكثير، لا أفضل القول بأن دورهم غائب، المناخ الذي كان سائداً في البلاد العربية كان يضيق جداً على المثقفين، ما جعلهم يخشون على أنفسهم. الآن المناخ أكثر انفتاحاً، بطبيعة الأمور، أما بالنسبة إلى الموقف من الجامعة العربية فهناك مع الأسف التباس في الطرح الإعلامي، والحال مثل نصف الكوب الملآن ونصف الكوب الفارغ. هناك من بطبيعة تكوينهم ينظرون إلى الجزء الفارغ - وهو موجود مؤكداً - ولا ينظرون إلى النصف الآخر الذي امتلأ بالفعل. وهناك مواقف سياسية تملي مواقف محددة، وهناك قلة تتبناها فيمعنون في التنكيل والتمثيل بالجامعة العربية. لكن المثقف الحق والموضوعي يعلم بأن وجود الجامعة مهم للغاية، مفيد لكيان العرب ومصلحتهم. وقد أصبح الوضع أكثر تحملاً بالنقاش والآراء المختلفة لأن الدنيا انفتحت والعولمة أتت آثارها، وشبكة الانترنت فتحت آفاقاً عديدة. وأي سلطة ترفض توزيع كتاب أو تصادره لن تتمكن في النهاية من قتل الكتاب. فببضعة أحرف على لوحة مفاتيح الكومبيوتر سيتمكن آلاف الناس من الاطلاع على المؤلفات التي لا يجدونها في السوق أو يعجزون عن شرائها. إن دور المثقفين ليس غائباً ولكن ما زال يحتاج إلى الكثير كي يتبلور ويأخذ وضعه المستحق في إطار المجتمع. وهناك الآن مؤسسات تدعمه مثل اتحاد الكتاب العرب، اتحاد الناشرين، مركز الترجمة في الجزائر، مؤسسات فكرية وثقافية مرتبطة بالجامعة أو بالمجتمع المدني في بلادها وفي أوروبا. ارتباط المثقفين بالسلطة في بعض البلاد هل أضر بصورتهم أمام مواطنيهم أو جعل الفعل الثقافي تابعاً ومتأخراً؟ - قبل أعوام كان بعض المثقفين يخشون على أنفسهم من بطش السلطة، ولكن أرى ان المثقف العربي اليوم أصبح يشعر بمناخ من الجرأة الثقافية، ساعدت عليها جرعة الحرية، وانفتاح آفاق النقاش وحرية النشر ولو نسبياً. المثقف وأداؤه مرتبطان بالحرية، وهناك الآن قسط من الحرية في العالم العربي خصوصاً إذا قورن بالوضع قبل أعوام. بعض المثقفين العرب عاش في نعيم السلطة واقترب منها وحاز امتيازات، ولعل هذا البعض أصبح ميؤساً منه. هل هذا جعل اقتراب المثقفين العرب من عمل ثقافي مشترك ميؤساً منه؟ - لا أعتقد. العمل الثقافي العربي المشترك ممكن ومتاح، واذا كنا نتكلم عن مناخ ديموقراطي فالمطلوب إذاً أن نتوجه نحو تحقيق الحرية لكل المثقفين، الذين هم في جنة السلطة أو مناوئون لها، وعلينا كقراء ان نشجعهم بقراءة نتاجهم. عموماً العالم العربي شيع وأحزاب، وغير القادر على التعبير في بلده يعبر عن رأيه في بلد آخر. الحركة أصبحت سهلة والدروب صارت كثيرة ويستطيع المثقف أن يعبّر عن آرائه. وليس هذا بالضبط هو المهم، المهم هو موضوعية المثقف في ما يعبر به عن آرائه وفي ما يتوجه به إلى الناس. ماذا عن قضية التطبيع الثقافي مع اسرائيل؟ كنت قبل أعوام تحدثت عن الهرولة والمهرولين وهو ما تأثر به في ما يبدو نزار قباني فنظم قصيدة بالعنوان نفسه. كيف ترى الى التطبيع الثقافي الآن؟ - التطبيع الثقافي لا يمكن فرضه على المثقفين والامتناع عنه يأتي ذاتياً. التطبيع الثقافي لن يأتي قبل إنهاء المشكلة الفلسطينية. لاحظ، هناك علاقات طبيعية بين اسرائيل وكل من مصر والأردن، ولم يحدث تطبيع ثقافي لأن هناك نوعاً من الكوابح الطبيعية عند الغالبية الكاسحة من المثقفين، ربما لدى الجانبين، لكنها مؤكدة عند الجانب العربي. المثقف العربي عندما يرى عذاب الفلسطينيين وما جرى ويجري في غزة وفي الضفة الغربية وفي القدس يرفض التطبيع من جراء نفسه، ولا تنسَ أن المثقف قارئ ومطلع ويتابع ما يجري جيداً بل ربما فكر في نتائج ذلك وآثاره المختلفة أكثر من كثيرين غيره، والمثقف ليس تاجراً أو صانعاً أو رجل أعمال يريد فتح أسواق، وإنما مهمته الاطلاع والتفكير والتنوير، ولديه بالتالي كوابح ذاتية تجعله يتعامل بوضوح وحزم مع موضوع التطبيع. الوضع السياسي أدى إلى كبح الاتجاه نحو التطبيع الثقافي وهذا شيء مفهوم، هذا التطبيع مهما قيل لن يأتي الا مع انتهاء التوتر، وبالحركة الحقيقية نحو السلام، فما بالك بالسلام نفسه ونتائجه المعروفة بإنهاء مظاهر القطيعة. نعم، من الطبيعي أن يكون لدى المثقفين العرب نوع من التردد في موضوع التطبيع الثقافي، لأن المثقف العربي يرى أن التطبيع الثقافي مع إسرائيل هو شيء لا يحتاجه أو لا يبرره الموقف السياسي، هذا رأيهم أو رأي غالبيتهم. يردد بعض المثقفين الفلسطينيين أن رفض التطبيع هو مقاطعة لهم هم... ما رأيك في هذه الرؤية من الجانب الآخر؟ - لا توجد مقاطعة لا للمثقفين ولا للثقافة الفلسطينية التي هي جزء من الثقافة العربية. ربما هناك صعوبات في اللقاء أو الاطلاع على الأعمال الجديدة. وربما هناك بعض الفلسطينيين من المثقفين يريدون دعوة نظرائهم العرب، لكنّ التيار العام للمثقفين العرب، مع استثناءات قليلة هو رفض التطبيع. وأتصور ان بالإمكان تطوير مسألة تضرر بعض المثقفين الفلسطينيين من عدم التطبيع الثقافي مع اسرائيل، من طريق دراسة أفضل الأساليب لمنع عزل هؤلاء الفلسطينيين عن التيار العام للثقافة العربية. وكما قلت، نحن في عصر يصعب فيه مصادرة الفكر الفلسطيني، والكتاب الفلسطيني أياً كان مصدره موجود في عدد من الأسواق العربية كما أفهم ونجده أيضاً على الانترنت. لن نذهب الى القدس تحت الاحتلال اختيار القدس كعاصمة للثقافة العربية عام 2009 كيف كنت تتصوره؟ ان يسافر المثقفون العرب إلى القدس؟ - لا... المسألة رمزية في الأساس. القدس عاصمة عربية ذات وضع خاص وجاء دورها لتكون عاصمة للثقافة العربية فتم اختيارها، بحماسة واقتناع، واحتفلنا بها في كل العواصم وفي مقر الجامعة. إنه نوع من أنواع المقاومة الفكرية والثقافية والإعلامية للاحتلال الإسرائيلي وأعماله غير المشروعة التي تجرى في القدس. لم يكن مطلوباً أن يذهب المثقفون العرب الى القدس. احتفلنا قبل القدس بدمشق وعمان والجزائر وصنعاء وبيروت وذهبنا جميعاً وذهبت شخصياً للمساهمة في احتفالاتها ولكن لا يمكننا أن نذهب إلى القدس وهي تحت الاحتلال. إذاً هي رسالة رمزية تقول اننا متمسكون بالقدس عاصمة عربية عريقة، فالثقافة والتاريخ والفكر، والرسالة موجهة للعالم، للناس والذات والآخر. أنت ترى ان التطبيع الثقافي يجب ان يكون آخر حل. - أرى أن التطبيع نفسه لن يتم بقرار، المثقفون أنفسهم في غالبيتهم، ومع أني أكره هذه النسبة إلا أن 99.9 في المئة (مع اعتذاري)، يرفضون ذاتياً التطبيع، وليس هذا بالضرورة بطلب من حكومة أو بضغط من سلطة. ... وترجمة الأدب العبري؟ - ليست هذه الترجمة نوعاً من التطبيع، وحجمها ضئيل. وهذا أمر مهم اذا كان كتاباً نترجمه فيطلعنا على افكارهم. وأرى هذا الأمر على كل حال حركة محدودة وغير نشطة. معركة اليونسكو التي مضت، لماذا لم ينجح فيها المرشح العربي؟ - هي مضت بالفعل بقضها وقضيضها، وهناك الكثير مما يمكن قوله أو تحليله بعد فترة. ربما كان يمكننا كعرب أن نفعل أفضل من ذلك، ولكن لا بد أيضاً من أن نلاحظ أن الموقف العربي كان موحداً. وقفنا معاً، العرب وقفوا معاً، كان هناك تنسيق، إلى درجة انه كان هناك مرشح يحمل الجنسية الجزائرية ولم ينل صوتاً واحداً، ما يعني ان الجزائر صوتت للمرشح المصري. هنا درجة من التضامن العربي يجب ان نأخذها في الاعتبار ولا ننساها، ولكن يبدو أن المناورات في تلك الانتخابات كانت أقوى من المناورات التي يمارسها الجانب العربي.