عاد المصريون الى نشاطهم بعدما توقفوا عن متابعة التكهنات حول "التغييرات" التي وعد الرئيس حسني مبارك قبل الاستفتاء على ولايته الرابعة وبعده بإجرائها في مستهل الولاية الجديدة بعدما انتهى رئيس الحكومة الجديدة الدكتور عاطف عبيد من مشاوراته ولقاءاته واتصالاته ووصل الى التشكيل النهائي لوزارته التي ابقى فيها 19 وزيراً عملوا في حكومة الدكتور كمال الجنزوري، واستبعد 11 وزيراً من اعضاء الحكومة السابقة وضم 13 وزيراً جديداً الى وزارته. وعلى رغم أن دوائر المعارضة لم تخف حال الاحباط الذي اصابها بعدما اعتبرت أن "التغيير الحقيقي لم يحدث بعد"، كما عبّرت صحيفة "الوفد" قبل يومين، إلا أن الاوساط الحكومية رأت أن دخول 13 وزيراًَ جديداً في حكومة عبيد واستبعاد 11 من وزراء الحكومة السابقة اضافة الى الجنزوري نفسه "يمثل تغييرا في حد ذاته". وعلى رغم أن احتفاظ عدد من الوجوه القديمة بمناصبهم قد يكون السبب وراء إحباط المعارضة، إلا أن التشكيل الجديد لم يخل من ملاحظات لعل اهمها ارتفاع مستوى أعمار أعضاء الوزارة الجديدة. فرئيس الوزراء من مواليد 1932، ونائبه الوحيد الوزير يوسف والي يكبره بسنتين، ووزير الإعلام السيد صفوت الشريف من مواليد 1933، ووزير الخارجية السيد عمرو موسى من مواليد 1936، وهي السنة نفسها التي ولد فيها وزير التعليم العالي الدكتور مفيد شهاب، ووزير الأوقاف من مواليد 1933، وهو أصغر من وزير التعليم الدكتور حسين كامل بهاء الدين بسنة واحدة، أما وزير السياحة فأكمل عامه الستين، ويعد وزير الاقتصاد والتجارة الدكتور يوسف بطرس غالي اصغر وزراء حكومة الجنزوري وهو احتفظ بموقعه في الحكومة الجديدة، وهو من مواليد 1952. وهناك أكثر من وزير ولد في الاربعينات بينهم وزراء التنمية الادارية الدكتور محمد زكي أبو عامر والصحة الدكتور اسماعيل سلام والإسكان والمجتمعات العمرانية الدكتور محمد ابراهيم سليمان، والبيئة الدكتورة نادية مكرم عبيد. ولم تخل لائحة الوزراء الجدد من "مخضرمين" أيضاً، وبينهم وزيرا التخطيط والتعاون الدولي الدكتور أحمد الدرش وهو من مواليد 1937 والكهرباء والطاقة الدكتور علي فهمي الصعيدي، وهو من مواليد 1936، أما أصغر الجدد سناً فهو وزير الاتصالات والمعلومات الدكتور أحمد نظيف فهو من مواليد 1952. ومنذ تولي مبارك مقاليد الحكم عام 1981 فان حكومة عبيد هي أول حكومة تخلو من وزراء ظلوا في مواقعهم منذ عهد الرئيس الراحل السادات بعدما خلا التشكيل الجديد من المهندس سليمان متولي الذي تولى حقيبة النقل والمواصلات منذ 1978، والدكتور ماهر أباظة الذي تولى حقيبة الكهرباء في العام التالي. وهما الوحيدان من بين المستبعدين من حكومة الجنزوري اللذان قام عبيد بزيارتهما في منزلهما "تقديراً لعطائهما لفترة طويلة". ومن حيث الاقدمية فإن وزيري الزراعة والإعلام هما الأقدم في الحكومة الحالية، إذ دخلا حكومة الدكتور فؤاد محيي الدين في 13 كانون الثاني يناير 1982، ويليهما رئيس الحكومة نفسه الذي دخل الوزارة للمرة الأولى عام 84، ثم وزيرا العدل والثقافة اللذان دخلا الوزارة للمرة الأولى عام 1987 ثم وزراء الدفاع والخارجية والتعليم الذين دخلوا الوزارة عام 1991، ويليهم وزراء الاقتصاد والسياحة وشؤون مجلسي الشعب والشورى والتنمية الإدارية والإسكان والقوى العاملة الذين دخلوا الوزارة عام 1993. وجاء بعدهم وزيرا الأوقاف والصحة اللذان التحقا بالوزارة عام 1994 وأتى بعدهما وزراء التعليم العالي والاشغال والموارد المائية والتنمية في تموز يوليو عام 1997، وأخيراً وزير الداخلية السيد حبيب العادلي الذي تسلم منصبه في تشرين الثاني نوفمبر عام 1997. ووزارة عبيد هي الحادية عشرة في عهد مبارك. ورأس مبارك الوزارة في بداية حكمه في 14 تشرين الأول اكتوبر عام 1981، حتى الثالث من كانون الثاني يناير 1982، وتلا ذلك تعيين الدكتور فؤاد محيي الدين رئيساً للوزراء حتى 31 آب اغسطس 1982، وأعيد تكليفه مرة ثانية واستمر على رأس الوزارة حتى وفاته في 15 أيار مايو 1984. وتولى بعده الفريق كمال حسن علي رئاسة الوزارة، وكان العسكري الوحيد الذي رأس الوزارة في عهد مبارك منذ 5 أيار مايو 1984، وحتى 16 تموز يوليو 1984. وأعيد تكليفه ثانية في 4 أيلول سبتمبر 1985، عندما خلفه الدكتور علي لطفي حتى 9 تشرين الثاني نوفمبر 1986، ثم الدكتور عاطف صدقي الذي استمر على رأس الوزارة في ثلاثة تشكيلات كانت الثانية منها في 12 تشرين الأول أكتوبر 1987، والثالثة في 14 تشرين الأول اكتوبر 1993. وعين الجنزوري رئيساً للوزراء في كانون الثاني يناير 1996 وفي العام التالي أجرى تعديلاً محدوداً على وزارته. ويعتبر صدقي أطول من بقي في منصب رئيس الوزراء في تاريخ مصر الحديث، إذ ظل على رأس ثلاثة تشكيلات وزارية لمدة تسع سنوات. واحتفظ الوزيران القبطيان في حكومة الجنزوري بموقعيهما في حكومة عبيد وهما وزيرا الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور يوسف بطرس غالي ووزيرة البيئة الدكتورة نادية مكرم عبيد. وعكس التشكيل الجديد رغبة رئيس الحكومة في تكوين فريق متناغم من الخبراء يعينونه على إنجاز ما جاء في خطاب التكليف. واذا كان إلغاء وزارة شؤون مجلس الوزراء التي سبق أن تولاها في حكومة الجنزوري الدكتور طلعت حماد منطقياً بعد استبعاد حماد الذي كان واحداً من أبرز "الرؤوس الكبيرة" في الحكومة السابقة فإن التشكيل الجديد لم يخل من مفاجآت لعل أهمها استبعاد وزير التموين والتجارة الدكتور أحمد جويلي، الذي كانت التكهنات ترشحه للتصعيد لا للخروج من "بؤرة الضوء"، كما أن الاشاعات والتخمينات التي راجت في مصر خلال الايام الخمسة الماضية لم تتناول أبداً وزير البترول حمدي البنبي الذي خلا تشكيل عبيد من اسمه. ورأى محللون أن مبارك حرص على تحقيق التوازن ما بين الحفاظ على استقرار البلاد والدفع بدماء جديدة في آن. فالمسؤولون عن وزارات السيادة الاربع احتفظوا بمواقعهم "لأن لا أسباب تدفع الى تغييرهم، والملفات العسكرية والإعلامية والخارجية والداخلية لا تزال تحتاج الى بقائهم في مواقعهم للإشراف على اتمامها"، وحتى الاشاعة التي انتشرت حول تعيين محافظ المنيا اللواء مصطفى عبدالقادر في حقيبة الداخلية لم تصمد طويلاً فما حققته سياسات السيد حبيب العادلي من نجاحات منذ توليه مهامه وتحقيقه مناخاً غير مسبوق نعم فيه المصريون بهدوء لم يعهدوه طوال ست سنوات لم تتوقف فيها اصوات طلقات الرصاص ومشاهد دماء الضحايا جراء العداء بين الحكومة والاصوليين، لم يكن من الممكن إنكاره لمجرد الرغبة في تغيير الوجوه. ويبدو أن السرية التي غلف بها عبيد مشاوراته قبل إعلان التشكيل وتسرب انباء عن اتصال بينه وبين عبدالقادر الذي تولى حقيبة الادارة المحلية كانت السبب وراء الاشاعة غير الصحيحة.