تشهد مدينة الاقصر خلال العام 1999 حدثاً تاريخياً مهماً في مجال الآثار وهو افتتاح ست مقابر في "وادي الملوك" بعد ترميمها وإعدادها للزيارة. وكان المجلس الاعلى المصري للاثار قد وضع خطة لافتتاح "وادي الملوك" بالكامل امام حركة السياحة، ولتخفيف الضغط عن باقي مقابره الشهيرة. بدأت قصة هذا الوادي مع قصة مدينة الاقصر، التي عرفت لدى المصريين القدماء باسم "تا إبت"، اي الحرم، ثم حرفت في اليونانية الى "تيباي" ومنها اسمها العربي طيبة، وعرفت لدى العرب بالاقصر، لأنهم ظنوا ان معابدها قصور، واصبحت عاصمة لمصر منذ عصر الاسرة الحادية عشر الفرعونية. اما وادي الملوك فهو المنطقة الجبلية الموحشة التي اختارها ملوك الاسرة 18 ومن بعدهم ملوك الاسرتين 19 و20 ليقيموا فيها مقابرهم. كان الملك تحتمس الاول هو اول ملوك الاسرة 18 الذين اعدوا مقابرهم في هذه الجبّانة. فقد ادرك ملوك الدولة الحديثة ان الاهرامات في الدولتين القديمة والوسطى سُرقت، فرأوا التخلي عن الشكل الهرمي للمقبرة، وكذلك الفصل بين المقبرة والمعبد، واختاروا هذه المنطقة الصخرية لينقبوا فيها مقابرهم حيث يسهل اخفاؤها عن أعين اللصوص. ورغم كل هذه الاحتياطات وكل وسائل التأمين التي اتبعوها لحماية مقابرهم، سرقت كل المقابر فيما عدا مقبرة توت عنخ آمون. صمّمت مقابر "وادي الملوك" على اساس محور واحد او محورين متوازيين او يلتقيان عند زاوية قائمة او ثلاثة محاور. وامتلأت جدرانها بنصوص الكتب الدينية مثل كتاب الموتى. وقد تصور المصريون القدماء ان لوادي الملوك إلهة على شكل ثعبان الكوبرا هي الالهة "مرت سجر"، اي مُحبة السكون، والمقابر. والمقابر التي ستفتح للزيارة في وادي الملوك هي: * مقبرة رمسيس: أعدّت هذه المقبرة للفرعون رمسيس الرابع الذي حكم ست سنوات ما بين 1172 و1166 قبل الميلاد. وهي المقبرة التي اقام فيها شامبليون اثناء زيارته لمصر العام 1829. وتعود شهرة هذه المقبرة الى اسباب عدة، منها أنها تحتوي على كتابات قبطية ترجع الى القرن السابع الميلادي وتدل على استخدامها للاقامة في العصر القبطي، لجمال مناظرها وألوانها الزاهية التي مازالت باقية خصوصاً خراطيش الملك وألقابه ورحلة اله الشمس في العالم الآخر، ومناظر السقف، وتابوتها الضخم المنحوت من غرانيت اسوان بارتفاع ثلاثة امتار، فضلاً عن انها المقبرة الوحيدة التي نُقشت على جانبيها اصناف الكعك والشراب. وهي تتألف من ممرات عدة متعاقبة ثم غرفة دفن ودهليز خلفي ويبلغ طول المقبرة نحو 70 متراً، ويتقدمها درج منحدر يفضي الى المدخل الذي نحتت عليه خراطيش الملك ثم قرص الشمس الغاربة. * مقبرة أمنحوتب: أعدّت هذه المقبرة للملك "عا خبرو رع" الذي يعرف ب"امنحوتب الثاني"، وهو حكم ما بين 1450 و1425 قبل الميلاد. وكان هذا الفرعون مغرماً بالرماية والفروسية. وتشتهر هذه المقبرة بجمال مناظرها. كما انه عثر فيها على بعض مومياءات فراعنة مصر. وتتكون هذه المقبرة من سلم يؤدي الى دهليز منحدر في الصخر ينتهي ببئر في اسفله حجرة لتضليل اللصوص، ثم حجرة بها عمودان مربعان في الجهة اليسرى منها سلم يؤدي الى دهليز منحدر يفضي الى حجرة الدفن التي تحتوي على ستة اعمدة مربعة بينها موضع منخفض يحوي التابوت المصنوع من الحجر الرملي المتبلور وجدران الحجرة مغطاة بمناظر من كتاب ما هو موجود في العالم الآخر. وزينت الاعمدة بمناظر تمثل الملك مع الآلهة والآلهات المختلفة. اما السقف فزين بنجوم ذهبية جميلة فوق ارضية زرقاء والحجرة عموما ذات تأثير عظيم. وتتفرع من حجرة الدفن اربع حجرات صغيرة، ومازالت في الحجرة الاولى منها ثلاث مومياءات يرجح ان احدها للملكة تي، اما الحجرة الثانية على اليمين فكانت تضم تسع مومياءات نقلت من المتحف المصري من بينها مومياءات امنوفيس الثالث وتحتمس الرابع ومرنبتاح. اما مومياء صاحب المقبرة فقد نقلت من تابوتها الى المتحف المصري في العام 1937. * مقبرة سيتي: أعدّت هذه المقبرة للملك سيتي الثاني الذي حكم في نهاية الاسرة التاسعة عشر ما بين 1210 / 1204 قبل الميلاد. وهي احدى المقابر التي زارها الرحالة الشهير يوكوك وقام هوارد كارتر بتنظيفها العام 1903. وعلى جوانب مدخل المقبرة نُحتت نقوش جميلة تستحق الانتباه خصوصاً شكل الآلهة "ماعت" وهي راكعة على زهور البردي والزنبق، وكذلك ثعابين الكوبرا. وزين الممر الاول بنشيد الشمس والصلوات للاله رع، اما الممر الثاني والثالث فلم ينته العمل في نقش مناظرهما، وهي مناظر من كتاب ما هو موجود في العالم الآخر. هذا ولم يحفر بئر الدفن في هذه المقبرة وهو ما يدل على ان الفرعون مات قبل ان تستكمل المقبرة. وحجرة الدفن التي لم ينته العمل منها رُسمت على سقفها الالهة "نوت" ربة السماء. * مقبرة تاوسرت: أعدّت هذه المقبرة للملكة تاوسرت التي انفردت بالحكم العام 1186 قبل الميلاد، ولذلك نقرت مقبرتها في "وادي الملوك"، وتزوجت من الملك "سيتي" الثاني فاكتسبت شرعية الحكم بزواجه منها، وبعد وفاة زوجها "سيتي" تزوجت من خليفته "سابتاح". وتعد هذه المقبرة من اكبر المقابر في وادي الملوك اذ يبلغ طولها 113 متراً، وتتكون من ممرات عدة متعاقبة وغرفتين للدفن: الاولى للملكة "تاوسرت" والثانية اضافها مغتصب المقبرة "ست نخت" بعد ان ترك مقبرته الاولى التي اتمها ابنه رمسيس الثالث لنفسه. واضاف "ست نخت" لمقبرة "تاوسرت" ممرين وحجرة دفن وبعض الكتابات والخراطيش ونسبها لنفسه. مقبرة روي: أعدّت هذه المقبرة للمدعو روي، الكاتب الملكي والمشرف على ضياع "حور محب" وزوجته "بنت تاوي" وشهرتها "توي" وتتكون من فناء امامي وصالة فيها بئر للدفن، وهي تمتاز بمناظرها الجميلة وألوانها الزاهية. فعلى كتف الباب تمثل النقوش عملية الحرث وتقديم عجل لصاحب المقبرة وزوجته، وعلى الجدار الجنوبي مناظر تمثل المتوفي وزوجته يتعبدان للاله رع حور آختي، ثم منظر الموكب الجنائزي المكون من الأصدقاء والنائحين، والكهنة المتجمعين امام المومياء، والمقبرة غنية بالرسومات الرائعة. * مقبرة شورى: أعدّت هذه المقبرة لرئيس حاملي المواقد للاله آمون ويدعى "شورى". واتخذت المقبرة الاسلوب العام لمقابر الأشراف وهو عبارة عن فناء امامي فمدخل يؤدي الى صالة طولية فصالة عرضية ثم كوة. وتحوي المقبرة مناظر لمقدمي القرابين امام المتوفي وزوجته، ووليمة ومناظر من كتاب البوبات.