بدأت الحكومة اللبنانية أمس أولى خطواتها لمعالجة الأوضاع المالية والاقتصادية، وسط تأكيد رئيسها الدكتور سليم الحص المضي في عملية الإصلاح الإداري والنهوض الاقتصادي واعتباره أن تفعيل الإدارة لا يرتبط بمهلة محددة. ولم تلغ هذه القضايا الداخلية الهم الإقليمي المتمثل بالتهديدات والاعتداءات الإسرائيلية، فأعلن الحص "أننا لن نسمح لإسرائيل بأن تحقق أياً من أهدافها في لبنان". فقد ترأس الحص أمس في السرايا الكبيرة الاجتماع الأول للجنة الوزارية المكلفة درس الأوضاع المالية والاقتصادية في حضور وزراء: الإعلام أنور الخليل والمال جورج قرم والاقتصاد ناصر السعيدي والاشغال نجيب ميقاتي، وغياب وزير التربية والثقافة محمد يوسف بيضون الموجود في باريس. وقال رئيس الحكومة بعد الاجتماع "اننا بحثنا في خطة اللجنة المستقبلية، وفي مشروع مذكرة نعتزم تعميمها على السفارات اللبنانية تشرح سياسة الحكومة اللبنانية والاقتصادية وتلقي الضوء على المناخ الاستثماري الإيجابي في لبنان". وأضاف "ان البحث تناول أيضاً مشروع موازنة العام 1999، واطلعنا من وزير المال على تطور العمل في انجاز المشروع والى جوانب تفصيلية تتعلق بإعداده". وقال ان اجتماعات اللجنة ستعقد كل سبت. وأصدر الحص تعميماً الى الإدارات والمؤسسات العامة طلب فيه منها تحضير مشاريع الموازنات العائدة اليها لعام 1999 في ضوء السقف المحدد من وزارة المال لكل ادارة، تنفيذاً لمبدأ تسقيف النفقات الواردة في البيان الوزاري، مع الإشارة الى ضرورة طلب اعتمادات الرواتب والأجور وفقاً لسلاسل الرتب والرواتب وزيادة غلاء المعيشة السارية المفعول اعتباراً من 1/1/1999. وذكر "بأن نهاية كانون الثاني يناير الجاري هي المهلة القصوى ويمكن الإدارات أن ترسل مشاريع موازناتها فور جهوزها، ويمكن الإدارات مراجعة وزارة المال - مديرية الموازنة ومراقبة النفقات للحصول على كل التفاصيل المتعلقة بموازناتهم". وكان الحص شرح لوفد جمعية متخرجي الجامعة الأميركية برئاسة محمد المشنوق، الخطوط العريضة لسياسة الحكومة، وقال "الى اهتمامنا اليومي والأساسي بالاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على أرضنا وأهلنا في الجنوب والبقاع الغربي وغيرها من المناطق اللبنانية الآمنة، وعملنا الدؤوب للحد من أضرارها ومنع العدو الإسرائيلي من تحقيق غاياته منها وإرباك الحياة اليومية للمواطنين، وضعنا لأنفسنا هدفين: تحقيق الإصلاح الإداري والعناية بالوضع الاقتصادي. وبدأنا بإصلاح الإدارة لأننا نعتبر ذلك قاعدة مهمة لتنشيط الاقتصاد الوطني وطمأنة المستثمرين المحليين والأجانب من جهة واشاعة الارتياح في صفوف المواطنين من جهة ثانية". وأضاف "كانت خطوتنا الأولى تعيين قيادات مؤسسات الرقابة: مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي والمجلس التأديبي العام لكي تقوم بدور مطلوب منها، تعذر عليها القيام به في الماضي، ثم بدأنا عملية الإصلاح في الإدارة من خلال القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء استناداً الى تقارير مؤسسات الرقابة". وأشار الى "ان هناك مآخذ على الذين وضعوا في التصرف، كونهم موظفين من داخل الملاك، أو الذين أنهيت خدماتهم لأنهم من خارج الملاك. لكنها مآخذ متفاوتة بين شخص وآخر. وهناك مآخذ على مؤسسات كان يرأسها بعض الذين طاولتهم قرارات مجلس الوزراء ومن الطبيعي أن يتحملوا مسؤوليتها"، وأكد "ان تفعيل الإدارة عملية مستمرة وغير مرتبطة بمهلة محددة لأنها ستتم عبر مؤسسات الرقابة وبواسطتها تصبح لدينا الإدارة السليمة والقوية التي نطمح اليها جميعاً"، مشيراً الى "ان الدولة العادلة والقادرة ترتكز الى مثل هذه الإدارة". لا محسوبيات وعن الملف الاقتصادي قال الحص انه "يحظى بالعناية التي يستحق"، طالباً "دعم كل القطاعات لهذا التوجه في الإصلاح الإداري. والنهوض الاقتصادي"، مناشداً "النخبة الثقافية الموجودة الإسهام في هذه المرحلة، وفي هذا العهد"، ومؤكداً ان "لا محسوبيات في أي تعيينات راهنة أو مستقبلية لأنه والرئيس اميل لحود يؤمنان بأن الشخص الذي ليس لديه مطلب خاص هو مسؤول قوي. والرئيس لحود ليس له مطالب خاصة وأنا كذلك". ونقل المشنوق عن الحص "ان الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على لبنان نوعية الوتيرة. وأننا نتخوف من ذلك لأن اسرائيل تمر في مرحلة انتخابية تخضع لمجموعة مزايدات قد تستهدف الأمن في لبنان ليكون احدى وسائل الضغط في هذه الانتخابات. ونحن طبعاً نبدي الحذر من هذه الاعتداءات لأننا مصممون على استمرار الارتباط في المسارين اللبناني والسوري ونرفض أي صلح منفرد مع اسرائيل". كذلك نقل نقيب محامي الشمال رشيد درباس عن الحص ان "القضاء هو حجر الزاوية في بناء الأوطان، وان استقلاله مكرس في الدستور، ويجب ألا تعين السلطة التنفيذية أعضاء مجلس القضاء الأعلى، بل يجب أن ينتخبهم القضاة أنفسهم". يذكر أن اللقاء الوطني النيابي الذي كان الحص ينتمي اليه تقدم باقتراح قانون في هذا الشأن. واطلع رئيس الحكومة على عمل القضاء من اعضاء مجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي منير حنين، وعرض الوضع المالي مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ونوابه. ونفى سلامة أي جمود في الأوضاع المالية والاقتصادية، مبدياً ارتياحه الى المرحلة المقبلة في ضوء عملية الإصلاح الإداري. وطالب مفتي البقاع الشيخ خليل الميس رئيس الحكومة بتأكيد حق الوقف الإسلامي في أراضٍ في بلدة عنجر البقاعية تبلغ مساحتها 13 مليون متر مربع، داعياً الى "وضع حد للتعديات عليها بالقضم والهضم وربما بتزوير بعض المستندات". إلى ذلك أعلن وزير العمل والشؤون الاجتماعية ميشال موسى ان "من تثبت انتهاكاته المالية في حق الدولة ستتم محاسبته". وقال "ان الرد على الحملات السياسية على الحكومة هو أعمالها"، ونفى أي كيد سياسي في عملية الإصلاح إنما ما حصل هو نتيجة تقارير الأجهزة الرقابية. وأشار في حديث إذاعي الى "ضرورة اعداد قانون انتخابات عادل ومتوازن يلبي احتياجات الناس". وأوضح "ان الحكومة مؤمنة بأن لبنان بلد الحريات، وعلاقتها بالنقابات علاقة شراكة فعلية، خصوصاً ان تنظيم العمل النقابي سيكون جزءاً من عملية تحديث القوانين". ولفت الى ان دوره في وزارة العمل راهناً هو "وضع ضوابط للعمالة الأجنبية"، والى أن سياسة التقشف "لن تطاول الضمانات الاجتماعية للمواطنين"، مؤكداً ان الحكومة "ستحقق انشاء المجلس الوطني للضمان الاجتماعي". ورأى النائب رشيد الخازن "أن هذا العهد يشكل أملاً للمواطنين، والحكومة أيضاً"، وقال "ان آلة السياسة هي سعة الصدر سواء في المعارضة أو في الحكم، ويجب أن يكون التعاطي مع المشكلات والأزمات تعاطياً مسؤولاً يتم بالتعاون لا بالتشاؤم". ودعا "المنتدى القومي العربي" برئاسة معن بشور الى وقف التراشق السياسي والإعلامي والخروج من المتاريس القائمة، والسعي الى تضامن وطني شامل يدعم مسيرة الوطن ويشدد على الثوابت.