باشر المجلس النيابي اللبناني في جلسة عامة أمس مناقشة مشروع الموازنة لسنة 1998 والذي بلغت نسبة العجز فيه 37 في المئة، وسط شبه اجماع نيابي على التخوف من عدم التزام هذه النسبة، والدعوة الى تحسين الواردات المقدّرة ب 4600 بليون ليرة، في مقابل التخفيف من الإنفاق المقدّر ب 7750 بليون، خصوصاً غير المجدي منه وما يشير اليه بعضهم بالإهدار. وشدد وزير الدولة للشؤون المالية فؤاد السنيورة، الذي قدّم ملخصاً عن فذلكة الموازنة، على وصف المشروع بأنه "موازنة متشددة وأكثر واقعية"، فيما رأى رئىس لجنة المال والموازنة النيابية خليل الهراوي، الذي قدّم عرضاً لمناقشة المشروع في اللجنة، ان الموازنة "لم تندرج ضمن مشروع اصلاحي لسياسة مالية واقتصادية جديدة". ترأس الجلسة رئىس المجلس النيابي نبيه بري في حضور رئىس الحكومة رفيق الحريري وعدد من الوزراء والنواب. وعقدت الجلسة أمس على مرحلتين من الحادية عشرة حتى الثالثة وعشر دقائق بعد الظهر ومن بعد الإفطار الى ساعة متقدمة ليلاً. واستهل الجلسة السنيورة، فقال "ان العجز يشكل تحدياً امام اللبنانيين والحكومة، إلا ان تطوراً مشجعاً بدأ يظهر هو الادراك والتوافق الجماعي المتنامي في البلاد على الحاجة الى معالجة حال العجز المالي". ورأى "ان مشروع الموازنة يهدف جدياً الى تصحيح المسارات التي اتخذتها عملية تنفيذ موازنتي العامين 1996 و1997". واعتبر "ان النفقات الجارية في مشروع الموازنة كما قدمته الحكومة يبقى في معظمه غير قابل للخفض نظراً الى طبيعته غير المرنة وهو في غالبيته يتألف من مدفوعات الأجور والرواتب والتحويلات الاجتماعية المباشرة وغير المباشرة والفوائد، إلا ان ما يميزه ان نفقات الخزينة من خارج الموازنة والبالغة 550 بليون ليرة ادخلت في المشروع للمرة الأولى للتأكد من ان الانفاق الفعلي المقدّر يتوافق مع توقعات الموازنة". وأشار الى "الغاء كل المبالغ المدورة في موازنة 1998 وهذا البند يخفض الى حد معقول طاقة الانفاق الممكنة". وعرض الرسوم والضرائب التي زيدت من خلال الموازنة، وتوقف عند الورقة الاصلاحية الرئاسية التي من شأنها "اعادة هيكلة الدين العام الداخلي"، وقال: "ان التغلب على مشكلة العجز في الموازنة يتطلب تعزيز قدرات الادارات الموكلة بتحصيل الايرادات، وزيادة الرسوم على السيارات وجوازات السفر وتصاريح العمال للأجانب". الهراوي ثم قدّم النائب الهراوي تقريراً عن نتائج مناقشات لجنة المال والموازنة، فأشار الى "ان وضعنا المالي ينتج عجزاً حتمياً وبالتالي استدانة سنوية لسنوات عدة"، غامزاً من قناة الحكومة لجهة "سوء تقدير وأداء على المستويين المالي والإداري". وأشار الى "ان دين الخزينة الصافي بلغ 962،21 بليون ليرة لبنانية، اي 100 في المئة من الناتج المحلي القائم، وهذا يعني الدخول في دائرة الحذر المالي، ثم ان عجز موازنة العام 1997 بلغ 59 في المئة اي بنسبة 23 في المئة من الناتج المحلي القائم، وهذه النسبة في الدول ذات الاسواق الناشئة تتفاوت بين 3 و7 في المئة. اما الواردات فلا تتعدى 3700 بليون ليرة"، ورفض تبرير الحكومة للعجز والاستدانة بالظروف السياسية والاقليمية "اذ كان من واجبها اخذها مسبقاً في الحسبان". ولم يرَ ان مشروع موازنة 1998 "تقشفيّ"، معتبراً ان الاعتمادات، وإن خفضت، جاءت غير مدروسة في دقة، وإن بعض المتوجبات على الخزينة "لم تلحظ في الموازنة". وقال "ان المشروع لم يندرج في اطار مشروع اصلاحي لسياسة مالية واقتصادية وإدارية جديدة بنّاءة ومتطورة". وأشار الى "ان درس المشروع في اللجنة أسفر عن ايجابيات، منها توفير 80 بليون ليرة من مصاريف الوزارات والإدارات، و98 بليوناً في موازنة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وإلغاء 100 بليون من احتياطي الموازنة لدعم مؤسسة كهرباء لبنان، وخفض الرسوم المقترحة في الجدول الرقم 9، بينها رسم الميكانيك على السيارات وثمة افكار جديدة ستقدّم، وتعديل المادة التي تجيز للحكومة اصدار سندات خزينة بالعملة اللبنانية ضمن احتياجات الخزينة". ودعا الى "القيام باصلاح إداري جذري وتفعيل الرقابة وتحصينها وتحديد السقف للإنفاق العام والإستدانة وربطها بمعدلات النمو الاقتصادي ومشاركة القطاع الخاص في المبادرات الاقتصادية والاجتماعية". وخلص الى مطالبة وزارة المال بالعمل على زيادة الواردات وتعديل قانون ضريبة الدخل لجهة تعديل النسب وتعميمها على أرباح الفوائد، وبالتحقق من ضرورة الانفاق، ومطالبة وزارة الاصلاح الاداري ومجلس الخدمة المدنية بالاسراع في اعادة النظر في الهيكلية الادارية، ومطالبة وزارة العدل بإعادة النظر في قوانين اجهزة الرقابة لجهة توسيع صلاحياتها. ودعا الى "اخراج تلزيم المشاريع من دائرة المحسوبية والاستنساب لمصلحة الخزينة والمال العام، وإعادة تقويم لبعض المؤسسات العامة المنتجة التي يجب ان تسهم من ايراداتها في تمويل الخزينة". الحص ثم بدأ النواب بمناقشة مشروع الموازنة. وكان اول المتكلمين الرئىس سليم الحص الذي لاحظ "اننا نشهد للمرة الأولى مسعى جدياً لترشيد الإنفاق"، مباركاً للجنة المال والموازنة لحظها خفضاً في بعض النفقات. لكنه اشار الى "ان نتائج السنوات الخمس الماضية مخيبة للآمال على هذا الصعيد". لكنه تمنى ان يتحقق تقدير العجز الملحوظ في مشروع موازنة هذه السنة 37 في المئة، وأن يكون هذا الخفض في نسبة العجز "ايذاناً بانتهاج سياسة جديدة تقوم على مواصلة العمل على خفض نسبة العجز سنة فسنة حتى يزول كلياً". واعتبر "ان معالجة مشكلة العجز في مقدم الأولويات، خصوصاً انه سبب ارتفاع مديونية الدولة الى مستويات مثيرة للقلق وارتفاع معدلات الفوائد في السوق الى مستويات كابحة للنشاط الاقتصادي حتى باتت تشكل مصدراً اساسياً من مصادر ازمة الركود الاقتصادي والازمة المعيشية، فضلاً عن ان العجز مظهر من مظاهر التضخم في حجم القطاع العام على حساب القطاع الخاص وسلامة البنية الاقتصادية وسلامة أداء الاقتصاد ونموّه". ورأى "ان ارتفاع معدلات الفائدة، مقروناً بتنامي حجم الدين العام، كان من جرائه زج الاقتصاد الوطني اللبناني في ما يشبه الحلقة المفرغة". وأخذ على الحكومة "انها تأخرت كثيراً في إدراك خطورة تعاظم عجز الموازنة"، وعدم اخذها بتحذيرات نواب المعارضة واستمرار المسؤولين في التغني بسلامة الاوضاع. ولفت الى اقرار المسؤولين بالإهدار، عبر الورقة الرئاسية الاصلاحية. وشدد على "تنفيذ برنامج واسع للإصلاح الاداري الذي يحتاج الى قرار سياسي كبير وإلى مصلح قدوة"، لكنه لفت الى اساءة استعمال الحكومة قراراً سابقاً للإصلاح. ولفت الى "ان الاصلاح ليس قراراً وحسب انما هو ايضاً مسار مستمر ومنتظم يجب ان تتولاه هيئات الرقابة"، آملاً ان تستجيب الحكومة مطلب تفعيل هذه الهيئات. وأشار الى "تباطؤ نسبة النمو الحقيقي في الاقتصاد الوطني التي لم تتجاوز ربما الثلاثة في المئة خلال العام 1997، علماً ان فذلكة الموازنة تبشّر بنسبة نمو اكثر تفاؤلاً هي 4 في المئة". وتحدث عن استمرار ارتفاع معدل البطالة، والدين العام "ليناهز اجمالي الناتج المحلي". وقال: "ان نسبة التضخم بقيت في حدودها المعقولة وبلغت 8 في المئة، وان العجز في الميزان التجاري مع الخارج فاق العجز فيه ستة بلايين دولار". ورأى "ان هذه المؤشرات تدل الى وجوب تنمية القطاعات الانتاجية، علماً ان السياسة النقدية والمالية التي غالت في تجفيف السوق من السيولة وآلت الى ارتفاع معدلات الفائدة الى مستويات كابحة، لم تكن تأتلف مع الحاجة الى تنمية القطاعات الانتاجية الخاصة". ودعا الحكومة الى "اعادة النظر في سياستها الضريبية لجهة التخفيف من التركيز على الرسوم والضرائب غير المباشرة، وزيادة التركيز على الضرائب المباشرة، وخصوصاً ضريبة الدخل التي تعتبر اكثر عدالة اجتماعياً". ورأى "ان الرسوم التي يتضمنها الجدول الرقم 9 ما زالت مرهقة للمواطنين حتى بعد الخفض الذي ادخل عليها في لجنة المال والموازنة". فارس وسأل النائب عصام فارس: "هل هذا مشروع موازنة أم مشروع تكبيل المواطن بالضرائب واغراق البلد بالديون؟". وقال: "ان الدين العام كان 16266 بليون ليرة، فأصبح 21926 بليوناً". وسأل: "كيف نستمر على هذا المنوال؟" مشيراً الى ان "الفذلكة أعطت هذه الارقام ولم تشرح بقية الفرق بين الاعتمادات الملحوظة والانفاق الحاصل اي ما يساوي 1781 بليون ليرة". وأكد "ان السياسة التي اعتمدتها الحكومة تتلخص بتعاظم الانفاق وتقلص في الواردات". وسأل: "كيف يمكن النواب ان يشاركوا في المسؤولية وليست لديهم أرقام دقيقة وكاملة". وطالب الحكومة "بأن تتقدم من المجلس النيابي بمشاريع قوانين بفتح اعتمادات حين تتجاوز ارقام الموازنة العامة". وسأل: "كيف يحق لوزير المال ما لا يحق لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء بحسب الدستور؟". وسأل "أين مبلغ ال 150 بليون ليرة لمناطق البقاع والشمال؟ وأينه في مشروع الموازنة؟". وقال:: "بدلاً من معالجة الحرمان في المناطق تترك الحكومة هذه المناطق سائبة ثم تعتبرها مناطق عسكرية... نحن لا ننكر ان منجزات كبرى تحققت، يكفي ان نذكر أين كنا وأين اصبحنا لكننا نريد استكمال المنجزات لان لبنان يستحق كل الوفاء". معوض وقالت النائب نائلة معوض: "أصبحنا نشعر ان الحكومة تحول الجلسات استعراضاً يهدف الى تحميل المجلس النيابي مسؤولية إقرار الموازنة". وأشارت الى "ان الحكومة تتصرف كأنها فوق كل القوانين وغير مقيدة باحترام التزاماتها ودقة أرقامها". ونبّهت من اخطار "الفرز الطبقي وانعدام الطبقة الوسطى". ورأت "ان ما حصل في البقاع والشمال وفي كل مناطق لبنان ليس الا نتيجة لتردي أحوال الناس وظروف حياتهم، ما ينذر بثورة شعبية لا يستطيع احد تحديد مداها وسلبياتها". ورأت "ان الازمة الاقتصادية والاجتماعية لم يوازها استقرار مالي، فتنامي العجز في الموازنة وارتفاع الدين العام يهددان النظام بالانهيار"، موضحة "ان سياسة الحكومة بالذات اضافة الى نظام المحاصصة والاهدار السائد في البلد هي التي أوصلت الوضع الى هنا". وأضافت: "ان جميع اللبنانيين يقرأون عناوين الفضائح الكبرى والمحميات السياسية، ويسمعون رئيس المجلس النيابي نفسه يقرّ ان الترويكا شكلت غطاء للاهدار والفساد، وكل ذلك على حساب خزينة الدولة والمال العام والناس ترى ان لا محاسبة في هذا البلد مهما كبرت الجريمة". وأشارت الى ان "وزارة النفط تحتكر قطاع الفيول في لبنان". وقالت "ان الخزينة سلّفت الوزارة 43 مليون دولار لا نعرف مصيرها الى الآن. وعلمنا ايضاً ان الوزارة باعت اخيراً كمية من المازوت للخارج بسعر 7 دولارات للطن الواحد، تحت عنوان: بقايا لرواسب في خزانات الزهراني. واذ بنا نكتشف ان 80 في المئة من تلك التي سموها رواسب هي مازوت من الباب الاول يتم التداول به في السوق الخارجية بسعر 100 دولار للطن الواحد. وتريدوننا اقناع المواطن بتحمل عبء عجز الموازنة بينما لا رقابة على الاهدار ولا محاسبة للفساد والصفقات، خصوصاً بالنسبة الى أهل الحكم والمقربين منهم. وكما في موضوع النفط، كذلك في معظم مؤسسات الدولة والصناديق والمجالس المستقلة غير المراقبة، وفي المشاريع الكبرى". البعريني وسجّل النائب وجيه البعريني ملاحظات عدة. ورأى "ان الازمة المعيشية تحتاج الى اجراءات سريعة"، محذراً من "ان تجويع الشعب سيخلّف آثاراً لا تُحمد عقباها". وأشار الى ان ملف المهجرين في الشمال "لم يلقَ اهتماماً أسوة بباقي المناطق". وطالب "بمعالجة موضوع مرفأ طرابلس لتنشيط الوضع الاقتصادي". واعتبر ان "الجدول الرقم 9 أحدث إثارة ونقمة شعبية وهو مرهق للمواطنين". وطالب بتعديل ما جاء فيه. بيان وسأل النائب ابراهيم بيان: "الى متى يستمر الابتزاز والمماطلة بعدم اعطاء اهلنا في منطقة بعلبك - الهرمل البديل من المزروعات الممنوعة في البقاع؟ وأىن اصبح مبلغ ال150 بليون ليرة المخصص للمنطقة ولعكار؟". وطالب "بالاصلاح الاداري لتفعيل الادارة وجعلها فاعلة ومنتجة". ودعا الى "معالجة الوضع التعليمي". وسأل: "هل يعقل ان ثلاث مدارس في منطقة الهرمل لا يوجد لها سوى مدرس واحد". وانتقد التوظيف العشوائي الذي حصل ويحصل "من طريق الخط العسكري". واعترض على استدانة البليوني دولار. وتطرق الى "الفضائح الحاصلة". ورفض الاقتراض "تحت أي اسم". طوق وتحدث النائب جبران طوق باسم "كتلة الانماء والتغيير" الشمالية فوجه نداء الى الحكومة لإيلاء الزراعة في الشمال الرعاية اللازمة، وتنشيط المرافق الحيوية فيه. وانتقد "التعامل المتسرع" للحكومة مع الملف الاعلامي. وسأل عن "مسلسل الفضائح" الذي لا يعلن المسؤولون عنها. ولفت الى تزايد العجز في حكومات الحريري المتعاقبة، منتقداً زيادة الضرائب والرسوم التي تفرض على ذوي الدخل المحدود. ولاحظ ارتفاع حجم الدين. وقال: "من يراقب ارقام الموازنة في بنودها المختلفة قد يصل الى اقتناع تشاؤمي. ولكن هل يفترض بهذا ان يدفعنا الى ان نأخذ معاول الانقضاض على واقع الوطن وتصوير الدولة بالمفلسة". وأضاف: "هناك انتقادات للحكومة. ولكن أليس تحميل تركيبة النظام ثقل الاعباء سيلقي وزراً كبيراً على الحكم في المستقبل؟ والحكم استمرار؟ افلا يجب ان نسعى جميعنا الى اجتراح الحلول". ورأى ان "أزمة اقتصادنا ازمة وطنية كبرى لأنها تعني كل المواطنين". الخطيب وانتقد النائب سامي الخطيب الموازنة وسياسة الاستدانة من الخارج "التي حولتها الحكومة انتصاراً". وسأل عن "الانماء المتوازن والكهرباء المقننة ومياه الشرب والري التي يتم شراؤها، وعن الاوتوسترادات في منطقة البقاع". ودعا الحريري الى "عدم الاستخفاف بعقول الناس لأنهم يعرفون كل شيء". وحذر من ان "الثقة ستبقى مفقودة ما لم نبنِ دولة المؤسسات". المرعبي وأسف النائب طلال المرعبي لعدم "وضع المعالجات واللجوء اليها الا بعد استفحال الوضع". وسأل عن الاهدار في الصرف. ودعا الى وقفه لأن من هنا بيت الداء". وفي موضوع الواردات، طالب "بإعادة النظر في الوضع الضريبي بما يتوافق مع مصلحة الخزينة والدولة". ونبه الى "نمو الدين العام والخلل في بنية النفقات"، مطالباً "بتحسين الادارة وادائها واقرار سلسلة الرتب والرواتب للموظفين للتمكن من محاسبتهم". الموسوي واعتبر النائب عمار الموسوي حزب الله ان الموازنات التي تقدمها الحكومة "وهمية"، قائلاً ان "حجم النفقات الكبيرة في الموازنات السابقة تتعارض مع ما تطرحه هذه الموازنات". وتوقف عند الورقة الاصلاحية والاجراءات التي تضمنتها، مشيراً الى "التحاق موظفين بالمرفأ على رغم وقف التوظيف بمقتضى الورقة". ودعا الى "الغاء البلاغ رقم 9" رافضاً ان يتحمل المواطنون اي زيادة. وفي الثالثة وعشر دقائق رفعت الجلسة الى السابعة مساء.