تباينت الآراء حول السياسة الأميركية الجديدة التي اعلن عنها الرئيس بيل كلينتون في 15/1/1998. المتضمنة "قانون تحرير العراق" ورافقتها تزايد اهتمام واشنطن ولندن بالمعارضة العراقية ودعوتها الى العديد من اللقاءات بمسؤولي البلدين، في وقت سابق من توجيه الضربة العسكرية في كانون الأول ديسمبر الماضي، جرى خلالها ايضاح أبعاد السياسية الأميركية الجديدة والتحول السياسي القاضي باطاحة صدام وتشكيل حكومة ديموقراطية تحترم شعبها وتستطيع التعايش مع دول المنطقة ويمكن للولايات المتحدة وبريطانيا التعامل معها ومساعدتها في التغلب على الصعوبات. اعربت خلال تلك الاجتماعات بعض القوى والشخصيات السياسية العراقية عن وجهة نظرها الايجابية، مؤكدة على ضرورة مواصلة اللقاءات من أجل تحديد المطالب الأساسية للمعارضة وعرضها على الدول الكبرى. وعبر البعض الآخر عن اعتقاده بأن هناك تحولاً في السياسة الأميركية وعلى المعارضة العراقية الاستفادة منها لصالح قضية الشعب واطاحة نظام صدام. في حين حذرت بعض الجهات والقوى من عدم جدية الموقف الأميركي - البريطاني، مشيرة الى ظاهرية التحول في سياسة البلدين وهي مجرد تصعيد اعلامي لتمرير الضربة العسكرية. اعتمدت كل التحليلات التي قدمت في تلك الاجتماعات واللقاءات حول ما إذا كان التحول في السياسة الأميركية ينطوي على جدية أم لا. وكان ثمة رؤية مختلفة عن كل الطروحات التي قدمت في تلك اللقاءات، تنطوي على تشخيص العناصر الاستراتيجية في النهج السياسي الجديد، يأتي منها ان التغير في السياسة الأميركية الجديدة، ينطوي على عناصر استراتيجية، اذ بدأت الادارة الأميركية تشعر بعدم جدوى استخدم لغة الحوار واستنزفت كل السبل السياسية كما يبدو مع نظام صدام، الى الرفض الشديد لمسلسل الأزمات من قبل الرأي العام العالمي، الشعبي والحكومي، وحتى من أكثر فصائل المعارضة العراقية تشدداً. وكان سبب الرفض ومبرراته مبني على كون العمليات العسكرية تقتصر على الضربات الجوية والصاروخية ولا تؤدي الى اسقاط النظام، وانما تدمير البنى التحتية وتكبيد خسائر بأعداد كبيرة في المواطنين، وبالتالي يوظفها النظام في مجال الدعاية بأنه هو المنتصر ضد أقوى دولتين في العالم، ما يعزز مكانته في الشارع العربي والاسلامي. ويذكر ان الولاياتالمتحدة لا تزال تعاني من عقدة تجربة فيتنام، وكما انها والحكومة البريطانية ليس لديهما الاستعداد للتضحية بمواطنيها من أجل تحرير العراق وتسليم ادارته الى جهات لا يمكن التكهن بخياراتها السياسية، الأمر الذي لا تستوعبه السياسية الداخلية للبلدين والرأي العام. وعليه فإن النهج الاستراتيجي الجديد، يتضمن في شقه السياسي، خلق معارضة ديموقراطية تقبل التعاون والتنسيق معها منذ البداية، بل وتساهم في تشكيل قوة عسكرية مرتقبة وفق قانون تحرير العراق المعلن عنه. وهذا ما يشكل عنصراً استراتيجياً في النهج الأميركي الجديد. كذلك يمكن اعتبار التصريحات المجردة واصدار قانون تحرير العراق شكلياً، في المدى القريب، بمثابة رسالة تهديدية للنظام لكي يعيد النظر بحساباته ويتخلى عن ممارسته سياسة حافة الحرب التي تحرج موقف الولاياتالمتحدة وبريطانيا عالمياً واقليمياً وداخلياً الى حد كبير. اما في المدى الأبعد فهو يفرض انصياع النظام واضطراره الى تقديم التسهيلات المطلوبة لانجاز اللجنة الدولية الخاصة انسكوم أعمالها، ما يعني ذلك تنفيذ قرارات مجلس الأمن عدا قرار 688 الخاص بحقوق الانسان، حتى لا يبقى هناك حجة لاستمرار الحصار الاقتصادي سوى التمسك بتلابيب القرار المذكور بوضعه تحت الفصل السابع، ما يؤدي الى جولة جديدة من المواجهة بين النظام ومجلس الأمن. وعلى فرض تنفيذ النظام بعض بنود القرار 688 شكلياً أو التظاهر بتنفيذها باتباع أساليب المراوغة التي يجيدها، عندئذ يتحتم على مجلس الأمن رفع الحصار عن العراق تحت ضغوط دول دائمة العضوية في مجلس الأمن الأمر الذي لا شك فيه، انه يثير هاجس الولاياتالمتحدة وبريطانيا ودولاً أخرى من استعادة النظام عافيته وقوته. يبدو مما سلف أن ازاحة صدام حسين لا يمكن تصورها من دون استخدام عمليات عسكرية سواء بتدبير انقلاب عسكري أو بعمليات عسكرية مشتركة أرضية وجوية، هذا إذا اسقطنا اللجوء الى اغتيال رأس النظام على اعتبار أن القانون الأميركي يمنع ذلك. وعليه يمكن اعتبار التغير في التوجه الجديد في استراتيجية السياسة الأميركية، يتضمن تدابير أولية لمواجهة مثل هذه الاحتمالات في مدى المستقبل والتحضير له منذ بداية مرحلة جديدة من السجال السياسي المرتقب مع النظام العراقي التي لا بد من استخدام ديبلوماسية مدعومة بالقوة يكون من عناصرها وجود قوة عسكرية برية عراقية جاهزة قوامها من ابناء العراق المعارضين للنظام. عندئذ تتجنب الولاياتالمتحدة وبريطانيا الخسائر بأرواح مواطنيها، وتقتصر الخسائر على ابناء العراق وحدهم من الطرفين المعارضة واتباع النظام. ولا نريد أن نشير الى اطروحات تنطوي على تكهنات مفادها قيادة البلاد الى حرب أهلية في المرحلة المقبلة أو تعرض العراق الى التجزئة، لكن يجب أن لا نسقط من حساباتنا مثل هذه الاحتمالات، اذ ان الخيارات العسكرية تنطوي عادة على مثل هذه النتائج لا سيما اذا جرت بتدخلات خارجية دولية واقليمية، وعلينا ان نكون جميعاً واعين في تعاملنا مع الأحداث، ونضع نصب أعيننا وحدة العراق وسلامة أرضه أولاً وأخيراً، ولا نهرع وراء مشاريع من منطلقات ذاتية أو مصالح فئوية تعرض البلاد الى مخاطر التقسيم. * عقيد ركن ورئيس الحركة التركمانية الديموقراطية.